قضايا وآراء

استفتاء غير شرعي

1300x600

تتجه أنظارنا صوب الجزائر فرحا بثوارها وهم يرفضون الفتات الذي يحاول دخلاء الإمارات أن يلهوهم به، كما تتجه أنظارنا صوب السودان فخرا بثوارها يسقطون البشير ثم يسقطون من أسقطه في أقل من 48 ساعة، وكلاهما، ثوار الجزائر والسودان، قد تعلموا الدرس ويرفضون أن يكرروا تجربة مصر الفاشلة، ومازال محور الشر العربي من الإمارات والسعودية وتابعهم في القاهرة يهرولون لتمكين رجالهم أو الأقرب لهم في السودان والجزائر وما تبقى من ليبيا.

 

ذباب النظام المصري

وبينما نتابع ذلك ويستمر فضح قوى الشر العربية والدولة العميقة في مصر، يطالعنا أناس من على أرض مصر يرددون أكاذيب السيسي ويسبحون بحمده، يشاركون في نشر الأكاذيب عن إنجازات وهمية لفاشي القرن الحالي داعين المصريين للتوقيع على تفويض أخر يسمى تعديلات الدستور، والتي عرضنا خطورتها من قبل في مقال سابق هنا بعنوان "دستور أم تقنين لشريعة الغاب".

ولقد قرأت بعض ما يردده ذباب النظام المصري وهم يتغنون بمنظومة السيسي، منهم من يقول: "... فلندعوا بأن يحفظ الله أرض الكنانة..... وأن يجنبنا أن نكون مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان ومن قبلهم الصومال وافغانستان وفلسطين.....". إلا أنه قد فات ذلك الذباب العفن أن يذكر لنا شيئا عن حال تلك الدول والشعوب ولماذا أصابها ما أصابها؟ ومن الذي تسبب في ذلك؟ وجميعنا يعلم أنه لولا الماكينة التي تدير هذا الذباب ما وصل حال تلك الدول لما هي عليه الآن، فمن دمر هذه الدول هو من سرق ثورة شعوبها، وهو ذاته من سرق ثورة الشعب المصري ويتربع على عرش مصر كما الفرعون وشياطينه.

 

مع انطلاق حملة التضليل والتهليل لذلك الدستور وتعديله بدأ البعض يهاجم أي شخص أو منظمة أو هيئة غير مصرية تتحدث عن الوضع المزري في مصر


لقد شعرت في البداية بالاشمئزاز مما يردده ذباب النظام المصري، ولكن سرعان ما مُزجَ ذلك الاشمئزاز بالشفقة والخوف، الشفقة على هؤلاء المغيبين والسامحين لنظام فاشي باستغلالهم، والخوف على مصر من أن يكون ذلك النظام قد ضاعف أعداد المغيبين والمهللين بحجته الباليه في الحرب على الإرهاب.

ولقد جاءت تلك الجمل المضللة والمشاعر المتضاربة من الاشمئزاز والشفقة والخوف لتتوافق ومنظومة أُطلقت للتهليل لدستور السيسي الذي نقف على بعد ساعات من تعديله رسميا، تعديل أبسط ما يقال عنه أنه استكمال لسرقة مستقبل مصر وليضع ختم الوصاية الدولية على أرض مصر ويفرش الطريق لإقامة كيان بني صهيون من المحيط إلى الخليج، حيث ينُصب دستورهم المعدل الجيش وصيا على شعب مصر، بتسميته "حامي الديمقراطية والدستور في مصر"، أي أنه يستطيع في أي وقت أن يتدخل في الحكم وينقلب على أي حاكم بحجة حماية الديمقراطية والدستور وفقا لما يراه هو، فتصبح هي القوة الأعظم فوق إرادة الشعب وكل القوانين، ويصبح هو من يحدد الأعراف ويفسر القواعد والقوانين.

 

حملات مضللة

ومع انطلاق حملة التضليل والتهليل لذلك الدستور وتعديله بدأ البعض يهاجم أي شخص أو منظمة أو هيئة غير مصرية تتحدث عن الوضع المزري في مصر، بل وعادت مقولات إقصاء المصريين المقيمين في الخارج والدعوة بأنه لا يحق إبداء الرأي فيما يدور في مصر إلا للمصريين المقيمين في الداخل، والتخوين لكل مصري يجرؤ على الخلاف أو حتى الاختلاف.

ولا يخفى على أحد أن الهدف من وراء ذلك هو منع كل من يمتلك القدرة على الحديث بحرية من إبداء الرأي، وأن يبقى الصوت العالي لمن يسيطر عليهم نظام السيسي في مصر، ولذا علينا أن نقول لكل إنسان على الأرض، لا تتوقف عن الدفاع عن كل مظلوم، ولا تكترث بهؤلاء الجهلة ضيِّقي الأفق ممن يحالون إقصاء كل المطالبين بالحرية وحقوق الإنسان، إن كل ظلم يقع في أي مكان يعنينا جميعا وواجب علينا رده.

 

الدفع بالرافضين للذهاب لصندوق السيسي للاقتراع هو من باب تغييب العقول وإعطاء تمريرات السيسي مصداقية يسعى لها بتزايد الطوابير وإظهار نسبة مشاركة عالية مضللة.


ونعود هنا للهدف المرحلي من تلك السفاهات، وهو ألا يهاجم أو يعارض أحد ذلك التعديل، ولذا فإن معارضة وتفنيد ذلك التعديل هو من الضرورات حتى لا تترك الساحة للمهللين وحسب، ولابد من استخدام كل الوسائل المتاحة، كاستخدام المقالات ووسائل الاعلام من خارج مصر وكذلك منصات التواصل الاجتماعي والحديث للمنظمات الأهلية وإدارات الحكومات الأجنبية لإظهار عدم مصداقية النظام المصري وفضحه، وقد حاول البعض العمل عن طريق تدشين حملات الكترونية مثل حملة "باطل" التي وإن كانت تهدف لكشف رفض الكثيرين لتلك التعديلات، إلا أنها لن تعطي صورة حقيقية لعزوف الكثيرين عن المشاركة.

وحاول البعض الادعاء بأن المشاركة في استفتاء النظام بـ "لا" هو الطريق الصحيح، ولكن هناك فارق كبير بين المعارضة والتفنيد من جانب والمشاركة في شرعنة نظام وإجراءات بعيدة كل البعد عن الشرعية من جانب أخر، فالدفع بالرافضين للذهاب لصندوق السيسي للاقتراع هو من باب تغييب العقول وإعطاء تمريرات السيسي مصداقية يسعى لها بتزايد الطوابير وإظهار نسبة مشاركة عالية مضللة.

ذلك ما جعل أن المقاطعة والحديث عن الرفض والتفنيد هو الأسلوب الوحيد لمواجهة استفتاءات وانتخابات مبنية على التزوير والاستبعاد، خاصة وإنها مبنية على أمور باطلة من نظام حكم مغتَصب للسلطة يديرها بدستور غير شرعي من الأساس.