كتاب عربي 21

المنطقة تشتعل: إنها فلسطين وصفقة القرن يا عزيزي!

1300x600
الناظر إلى العالم العربي والإسلامي في هذه اللحظات يشعر وكأن النار تلتهم دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى، وأن جحيم الاشتعال لن يترك دولة هامة من هذه الدول إلا وسيلتهمها، فإذا لم يكن الاستهداف بالحروب الداخلية أو الصراع على السلطة أو الفتن المذهبية، فيكون الاستهداف بالحروب الاقتصادية والمالية والعقوبات والحصار المباشر وغير المباشر.

وإذا كانت بعض الدول نجت من مرحلة الربيع الأولى، فها نحن أمام ربيع ثان بدأنا نشهد بداياته في السودان والجزائر، ولا ندري إلى أين يمكن أن يصل في النهايات، وما إذا كان سيشمل دولا أخرى نجت من الربيع السابق. وإذا كانت هناك دول عصية على الانقلابات أو الصراعات الداخلية، أو أي شكل من أشكال الربيع، فيمكن استهدافها بالضغوط المالية والاقتصادية، كما يحصل مع تركيا وإيران.. وإذا كانت هناك دول إسلامية بعيدة عن الصراع في المنطقة، فلا يعني ذلك عدم السعي لإشغالها بصراعات دينية أو مذهبية أو إقليمية، كما يحصل مع باكستان ودول آسيا الوسطى، وصولا إلى ماليزيا وإندونيسيا. ولا مانع أن يمتد الإرهاب إلى كل دول آسيا وجنوبها؛ كي ينشغل العالم بحروب صغيرة أو كبيرة.

لكن ما الهدف من كل ذلك؟ ولماذا يجب أن ينشغل العرب والمسلمون بقضاياهم وصراعاتهم وحروبهم الداخلية أو المذهبية، أو بمواجهة الضغوط الاقتصادية والمالية المتزايدة؟

بعيدا عن نظريات المؤامرة ولعبة الأمم، والتي قد لا تكون دائما صحيحة، فإن هناك رؤية متكاملة لدى بعض القيادات الإسلامية في بيروت حول ما يجري في المنطقة، وما يمكن أن يجري في الأسابيع القليلة المقبلة.

تقول هذه القيادات الإسلامية في لقاءات خاصة معها: نحن اليوم أمام منعطف تاريخي كبير يتعلق بالقضية الفلسطينية ومصير القدس. فلأول مرة تقرر الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التوصل إلى حل نهائي وحاسم للصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وفقا لرؤية الصهيونيين المسيحيين، والذين لا يؤمنون بدولة فلسطينية، ويعتقدون أن كل فلسطين، ومن ضمنها الضفة الغربية المحتلة والقدس كاملة، ومعها الجولان المحتل، هي ملك للدولة اليهودية وملك للشعب اليهودي، وأن ما يقوم به ترامب عبر صهره جاريد كوشنر؛ هو تحقيق للنبوءات اليهودية.

وتتابع هذه القيادات: إن ما يسمى "صفقة القرن" والتي ستعلن بعد شهر رمضان، حسب المصادر الأمريكية، ستنهي القضية الفلسطينية كلية، ولن تعترف أبدا بدولة فلسطينية ولو على جزء بسيط من فلسطين، وستنهي حق العودة للاجئين مقابل تقديمات مالية ضخمة لبعض الدول، أو عبر الضغط على الدول والقوى التي ستقف حجر عثرة في وجه هذا المشروع، كما ستهدف لتحقيق التطبيع الكامل بين الدول العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني دون أي مقابل.

وتأكيدا لهذه الرؤية الإسلامية، فإنه في المؤتمر الأخير الذي عقدته مؤسسة القدس في بيروت، حول "أوضاع القدس وفلسطين بين عامي 2018 و2019"، تم تقدّيم معلومات خطيرة حول الوضع الفلسطيني والمخاطر الكامنة على القدس وفلسطين. وجاء في التقرير الذي قدّمه مدير عام المؤسسة الأستاذ ياسين حمود: "ثلاثة مشاهد سيطرت على القدس خلال العام الماضي، المشهد الأول هو الحَراكِ الصهيوأمريكيِّ لتصفيةِ القضية الفلسطينيةِ عبر الترويجِ لـ"صفقةِ القرن"، والمشهدُ الثاني هو مشهدُ التطبيعِ والارتماءِ في أحضانِ العدوِّ الصهيونيّ، والمشهدُ الثالثُ هو مشهدُ صمودِ الشعبِ الفلسطينيِّ وإبداعِه في فنونِ المقاومةِ".

واستعرض حمود المواقف العربية والإسلامية والدولية التي جاءت في التقرير، موضحا استمرار السلطة الفلسطينية بتمسكها بالتنسيق الأمني. أما الفصائل والقوى الفلسطينية، فقد أعلنت رفضها لـ"صفقة القرن"، وما يمهد لها من مشاريع. وعلى الجانب الشعبي، تمسكت الجماهير الفلسطينية بخيار المقاومة.

وعلى صعيد التفاعل العربي والدولي، بيَّن حمود تراجع القضية الفلسطينية في أولويات الدول العربية، بالإضافة إلى حالة التراخي في التعاطي مع مستجدات القضية، في مقابل هرولة العديد من الدول للتطبيع مع الاحتلال، فيما تفاعل الاتحاد الأوروبي مع جملة من التطورات التي شهدتها القدس العام الماضي، عبر التصريحات الرافضة والشاجبة. أما أمريكيا، فقد استكمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة تصفيّة القضيّة الفلسطينية، فاستتبع إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال في 6 كانون الأول/ ديمسبر 2017 بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في 14 أيار/ مايو 2018، واتّخذ سلسلة من القرارات التي صوب سهامه فيها على الدعم المالي للفلسطينيين.

أما المآلات المتوقعة حسب التقرير، فقد قال حمود: "يُتوقع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى واستهداف المنطقة الشرقية من المسجد، وتصعيد الضغط على الشرطة الإسرائيلية لإغلاق المسجد في وجه المسلمين في بعض المناسبات".

وأشار حمود إلى عودة التّلويح بهدم الخان الأحمر، إضافة إلى تسريب المزيد من الأوقاف المسيحية في القدس، وإبقاء قضية الضرائب التي ينوي الاحتلال فرضها على الكنائس مفتوح لابتزازها، وارتفاع ملحوظ في الاعتقالات وقرارات الإبعاد في ظل انسداد الأفق السياسي، والتحضير لإعلان تفاصيل "صفقة القرن"، ورفع وتيرة استهداف الأونروا في القدس، والشروع بإغلاق مؤسساتها تدريجيّا.

وفي المحصلة، نحن أمام تطورات مفصلية في الأسابيع المقبلة، وقد تكون الحرائق المتنقلة في دول المنطقة وزيادة التصعيد، والعقوبات ضد دول أخرى، ومحاصرة قوى المقاومة والقوى الإسلامية، هي الوجه الآخر لتصفية القضية الفلسطينية. فهل سينجح هذا المخطط؟ أم أن القوى المقاومة والشعب الفلسطيني ووالرافضون لصفقة القرن والهيمنة الأمريكية- الإسرائيلية على المنطقة سينجحون في الصمود والتصدي لهذا المشروع الخطير؟