كتاب عربي 21

الخُطوة التالية للسيسي.. "خَطِي العتبة تَاتَا"!

1300x600
هل يقوم عبد الفتاح السيسي بانفراجة سياسية، بعد أن انتهى من تعديل الدستور على النحو الذي يريد، ولو على طريقة "خطي العتبة تاتا"؟!

هذا سؤال طرح نفسه قيل الاستفتاء على التعديلات وبعده، وعلى أساس أن السيسي حصل على ما يريد، وبالتالي فلا مبرر لدخوله في عداء مع القوى السياسية في البلاد؛ لأن هذا ضد طبيعة الأشياء. وقد تمكن من زيادة رصيده الحالي بعامين إضافيين، ثم حصل على دورة "فوق البيعة" بست سنوات، الأمر الذي يجعله مطمئنا لوجوده في السلطة على الأقل لعشر سنوات من الآن، ولا بد لحالة الاطمئنان هذه أن تجعله يتحرك في ثقة لإحداث انفراجة، ولو بالمصالحة مع بعض القوى السياسية، فلا يوجد حاكم يعادي الجميع. ألا وقد تم إقرار عشر سنوات له في الحكم قابلة للزيادة، فمن الطبيعي أن يتحرك واثقاً من نفسه لإحداث مصالحة مع هذه القوى أو تلك!

ولأن مثل هذه الانفراجة من المعلوم بإدارة الدول بالضرورة، فقد اندفع أحد الحقوقيين قائلا إن المصالحة ستتم بين الإخوان والسيسي بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، وأنه لا يريد هذا ولا يتمناه، وإن كان يتوقعه، وقد أعلن أنه مستعد لأن يواجه السيسي بمفرده على أن يضع يده في يد "الجماعة الإرهابية"، التي هى بطبيعة الحال في طريقها للمصالحة مع السيسي!

حكاية تاتا:

عندما سألني أحد الأصدقاء عن إمكانية حدوث الانفراجة، فوجئت بأنني أجيبه: مستحيل! ولم أفكر في السؤال عندما أجبته، وبعد تفكير وجدتني لم أتجاوز الحقيقة، وأنا أستطرد أنه لن يُقدم على هذه الخطوة لا بسرعة ولا بطريقة "خطي العتبة تاتا"!

يقال أيضاً: "تاتا خطي العتبة"، بتقديم "تاتا" على طلب "خطي العتبة، وقد ورد في أمرها ثلاث روايات:

الأولى تأخذ بظاهر النص، فهذه عبارة تستخدم مع الأطفال في مرحلة تعلم المشي، تحفيزا لهم. و"العتبة" مأخوذة من عتبة الدار، وهي الشيء المرتفع، وصارت "تاتا خطي العتبة" تقال بهدف التحريض على المشي، ولو لم تكن هناك "عتبة" مطلوب تجاوزها.

أما الرواية الثانية فترجع العبارة إلى شركة "تاتا" الهندية، التي استوردت منها مصر في زمن فات حافلات كان خط سيرها هو منطقتي العتبة- رمسيس، فكان السائل عن الطريق إلى العتبة يقال له: "تاتا خط العتبة"، أي أن عليه أن يستقل اتوبيس تاتا، في حين تقول الراوية الثالثة أن العبارة تنتمي للغة المصرية القديمة "الهيروغليفية"، حيث أن "تاتا" تعني "تعال"!

ومهما يكن، فاعتقد أن "تاتا خطي العتبة" وإن كانت عبارة مصرية فإنها معروفة لدى جميع العرب، فهناك أغنية قديمة يبدأ مطلعها:

تاتا خطي العتبة.. تاتا حبة حبة

يله يا حلوة.. خطوة خطوة!

فـ"تاتا" تعني التحرك ببطء وأمان وبدون خوف، فهل يقدم السيسي على إحداث انفراجة ولو على قاعدة "خطي العتبة تاتا"؟

أزمة مع كل القوى السياسية:

لا يوجد حاكم عاقل رشيد يدخل في أزمة مع كل القوى السياسية في المجتمع، وعندما دخلت حركة الضباط الأحرار في أزمة مع "الوفد"، حشدت القوى السياسية من خصوم الوفد في صفها، وفي مرحلة تالية، كان الإخوان هم ضحايا النظام العسكري، الذي كان يتبادل عليهم وعلى الشيوعيين. وفي جميع الأحوال، فقد كان الخناق يشتد ويلين، فعندما وقعت أزمة سنة 1965، كان القرار باعتقال من سبق اعتقاله، فلم يكن هناك معتقلون من الأزمة الأولى في سنة 1954 في السجون، وكان يساريون يخرجون من السجن للحكم!

وفي عهد السادات عادى اليسار وقرّب الإخوان، لكنه لم يكن قاسياً في عدائه، ولم يكن ليّنا في صلحه!

وقرّب مبارك اليسار وعادى الإسلاميين من غير الإخوان، ولم يدخل في معركة تكسير العظام ضد الإخوان إلا في مرحلة تالية. كانت العمليات المسلحة قد توقفت، وظل مع هذا يقرّب اليسار، وقد مكّنه من المنابر الثقافية، ولا مانع من كرسي في البرلمان بالتعيين أو بالتزوير لهذا الرفيق أو ذاك!

المعنى، أنه لا يوجد حاكم يدخل في معركة مع كل القوى السياسية في وقت واحد، ولا يوجد أحد يحكم بالقبضة الحديدية لفترة طويلة، فليس من يتعرض للتعذيب فقط هو من يعاني. فمن يحمل الكرباج أيضاً يجد معاناة في ذلك، وإن كانت معاناته أقل لكنها بالتراكم تصيب من يقوم بالتعذيب بالإرهاق، وبالملل، وسوف ينهار تماما لو استمر على هذه الحالة!

لقد تم إعدام سيد قطب، وبمعايير الحياة فقد انتهت معاناته بذلك، لكن ظل إعدامه يفزع ضباطا شاركوا في المهمة، ويؤرق وجدانهم، وسبباً في أرقهم لفترة طويلة.

قناعة السيسي الشخصية:

بيد أن السيسي مختلف.. إنه يعتقد أن استمراره هو في الحكم مرهون باستمرار القبضة الحديدية، لإيمانه الراسخ بأن الثورة على مبارك كانت بسبب تراخي القبضة الأمنية، وبسبب سماحه بانفراجة في مسار حرية الصحافة والتعبير، وكذلك حرية التظاهر!

هذه قناعته الشخصية، وقد سبق أن قال كلاما يعبر عن هذه القناعة، وهي رؤية خاطئة!

فالانفراجة لم تحدث بإرادة مبارك، ولكنها سنة الحياة وقد فرضت عليه، وحاول قمعها وفشل، واستخدم لقمعها أدوات بالغة في الإجرام، فالشرطة كانت تستدعي الشبيحة للاعتداء على المتظاهرين، وكان هذا العدوان سبباً في الهجوم على شخصه رغم أنه كان من المحرمات. وعندما اعتدى شبيحة على الصحفية الراحلة نوال علي، كان التوبيخ هو من جانب الرئيس الأمريكي والمجتمع الدولي، فكانت الدعوة لمظاهرة عارمة تندد بهذا الاعتداء؛ شارك فيها رجال وسيدات من خارج العمل السياسي احتجاجا على ذلك، ولم تجرؤ قوات الأمن على منعها أو التصدي لها.

هذا فضلاً عن أن بطش مبارك شمل الجميع في آخر انتخابات برلمانية، عندما زور الانتخابات تماما لصالح حزبه، واستعان بالبلطجية في ردع الآخرين، فكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير، واستقر في وجدان الناس، أن كل المنافذ في اتجاه التغيير قد سدت فكانت الثورة!

ومع هذا تبقى هذه هي قناعة عبد الفتاح السيسي؛ أن اليد المرتخية سبباً في الخروج على مبارك وإسقاطه، وتكمن مشكلته في أن مبارك لم تكن لديه أزمة شرعية، فقد جاء إلى موقعه وفق منظومة قائمة، فالنائب يصبح رئيساً بشغور المنصب، لكن السيسي جاء بالخديعة والغدر وبالانقلاب العسكري. فقد خدع قائده الأعلى الذي رقّاه فريقاً أول، وعينه وزيراً للدفاع وغدر به، ثم خدع القوى التي استدعته وغدر بها، ثم إنه يواجه مرحلة ثورية مستمرة، وثمن شرعيته يمنعه من الاقتراب من هذه القوى أو تلك!

إن القوى السياسية التي ناصرت السيسي، وربما لم ترفض خديعته عندما ترشح للرئاسة، رغم قوله إن الجيش ليس طامعاً في سلطة أو في منصب، توجد بينهم ما يمكن أن نطلق عليه "استحالة العشرة"، ففي النهاية هو صاحب مشروع على النقيض من الوطنية. لاحظ أن الخروج التام من معسكره كان بعد تفريطه في التراب الوطني، رغم أنه سبقه تفريطه في حقوق مصر التاريخية من مياه النيل، لكن الأرض هي الموضوع الأكثر وضوحا.

وبالنسبة للإخوان، فلو أقسموا على الماء فتجمد، ثم قالوا إنهم لن يمارسوا السياسة، واطمأن هو لذلك، فلا يمكنه أن يفتح صفحة جديدة معهم؛ لأنه مكلف بمهمة استئصالهم إقليميا، وهو أجير يؤدي خدمة مقابل أجر، فما هي قيمته إذا عقد صلحاً مع الإخوان؟!

الخلاصة، أن السيسي سيستمر في الحكم بالقبضة الحديدية، التي ستخلق له استقرارا زائفاً، فلا يعني خوف الناس من السلاح المشهر في وجوههم أنهم سيستسلمون له، لكن السيسي يعتقد أن أي انفراجة من شأنها أن تفتح الطريق لإسقاطه!

لهذا فلا انفراجة ولو على قاعدة "تاتا خطي العتبة"!