صحافة دولية

FP: ما علاقة إعادة انتخابات إسطنبول بمستقبل تركيا؟

فورين بوليسي: إعادة الانتخابات في اسطنبول لا علاقة لها برئاسة البلدية بل بمستقبل تركيا- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لمدير مركز الأبحاث الاقتصادية في إسطنبول، وهي شركة استطلاعات، وعضو في اللجنة الإدارية للمركز الفكري "إيدام" في إسطنبول، جان سلجوقي، يقول فيه إن لجنة الانتخابات العليا دعت وبقرار تاريخي في 6 أيار/ مايو، إلى إعادة انتخابات عمدة إسطنبول. 

 

ويشير سلجوقي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه بموجب هذا القرار فإنه يبطل فوز المرشح المعارض أكرم إماموغلو، الذي فاز بفارق 13 ألف صوت بعد عدة إعادات لعد الأصوات في انتخابات 31 آذار/ مارس، لافتا إلى أنه تم تعيين حاكم المنطقة الحالي لشغل المنصب مؤقتا.

 

ويعلق الكاتب قائلا: "هذا القرار يقوض الديمقراطية المتعثرة أصلا في تركيا، فبالرغم من عيوبها كلها، فإن تركيا حققت سجلا يعود إلى عام 1946 في تمكنها من إجراء انتخابات تشارك فيها أحزاب عديدة ويقبل الجميع بنتائجها، أما الآن فتبخرت الثقة في هذه العملية، ويبدو أن القواعد التي تحكم العملية الانتخابية أصبحت عشوائية، وهذا يفقد المواطن ثقته بنزاهتها وفي أصل العملية الديمقراطية". 

 

ويؤكد سلجوقي أن "اللجنة عزت قرارها إلى خلل فني في لجان صناديق الاقتراع، حيث لم يكن رؤساء تلك اللجان من الموظفين الحكوميين الرسميين كما تنص اللوائح، ومع ذلك لم تشرح اللجنة كيف أثر ذلك على نتائج الانتخابات، حيث كان هناك ممثلون عن الأحزاب في محطات الانتخاب كلها، ولو أراد رئيس أي لجنة أن يتلاعب في الأصوات لكشفه الممثلون عن الأحزاب، بالإضافة إلى أن هناك عدم انسجام في القرار؛ لأن اللجنة قررت إلغاء الأصوات المتعلقة بانتخاب العمدة ولم تلغ بقية الأصوات". 

 

ويقول الكاتب: "إن كان هناك خلل فني حقا، فإن المغلف ذاته الذي احتوى على تصويت الناخبين لعمدة إسطنبول احتوى على التصويت لعمدات المناطق وأعضاء البلديات والمخاتير، ولأجل أن يكون القرار متسقا كان يجب إلغاء هذه الانتخابات كلها".

 

ويستدرك سلجوقي بأن "الجواب القانوني لذلك يأتي بقول لجنة الانتخابات العليا بأن المهمة المسندة إليها كانت اتخاذ قرار بخصوص النتائج التي تم الاختلاف عليها، وفي هذه الحالة كانت انتخابات عمدة إسطنبول هي التي تم الاختلاف عليها، وربما يكون ذلك لأن حزب العدالة والتنمية حصل على نتائج جيدة في الانتخابات الأخرى، ومع أن هذا قد يكون صحيحا قانونيا إلا أنه خطأ أخلاقي، فقرار إعادة الانتخابات، التي طلب الحزب الحاكم إعادتها، بالرغم من أن الانتخابات كلها معرضة لأن تكون وقعت فيها مخالفات، يضر بثقة الجمهور، ويخلق سابقة يمكن أن يستخدمها أي حزب حاكم في المستقبل إن لم تعجبه النتائج".  

 

ويلفت الكاتب إلى أن بعض مؤيدي إماموغلو ردوا على قرار لجنة الانتخابات بالدعوة لمقاطعة الإعادة، لكن إماموغلو قضى على دعوة المقاطعة في خطاب له، حيث تعهد بألا يتخلى عن المعركة، ودعا في الخطاب ذاته رجال الأعمال والفنانين بألا يبقوا صامتين، فقام الفنانون بالرد على مواقع الإعلام الاجتماعي؛ ما ألغى زخم المقاطعة".

 

ويفيد سلجوقي بأن "الاستياء من هذا القرار ذهب إلى أبعد من صفوف المعارضة، وفي الواقع فليس الجميع داخل حزب العدالة والتنمية ولا مؤيدوه سعداء بالقرار، ومن المتوقع أن يجعل هذا التصدعات في الحزب الحاكم واضحة. فعبد الله غول، الرئيس السابق وأحد مؤسسي الحزب، غرد معربا عن انتقاده الصريح للقرار، وهو لا ينكر الإشاعات بأنه يؤيد تشكيل حزب جديد بزعامة على باباجان، وهو نائب رئيس وزراء سابق، ووزير اقتصاد ومالية سابق".

 

وينوه الكاتب إلى أنه "كانت هناك شائعات لبعض الوقت أن باباجان وغول وأحمد داود أوغلو، وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق، يتحضرون لإعلان حزب جديد، ونشر داود أوغلو قبل أسبوعين برنامجا انتخابيا من 15 صفحة، انتقد فيه كلا من حزب العدالة والتنمية وانتقد الرئيس، وليس هناك وقت كاف لحزب جديد أن يخوض انتخابات عمدة إسطنبول".

 

ويستدرك سلجوقي قائلا: "يبدو أن الأحداث الأخيرة سرعت من العملية، وحزب جديد قد يؤذي حزب العدالة والتنمية بطريقتين، الأولى، سيكون الناخبون المستهدفون للحزب الجديد هم ناخبو حزب العدالة والتنمية المستائين، والثانية إن استطاع الحزب جذب بعض أعضاء البرلمان الذين هم من حزب العدالة حاليا فإن ذلك سيتسبب بخسارة رجب طيب أردوغان للأكثرية التي يتمتع فيها بالبرلمان".

 

ويذكر الكاتب أن "الاستطلاعات بعد الانتخابات أظهرت بأن عملية الاعتراض على نتائج الانتخابات التي أخذت وقتا طويلا عملت لصالح إماموغلو، وفي الاستطلاع الذي قمنا به نحن على عينة من 1500 مشارك بعد الانتخابات في 31 آذار/ مارس، وجدنا أن إماموغلو زاد من هامشه بنسبة 8 نقاط مئوية، حيث حقق 54%، في الوقت الذي حصل فيه بن علي يلدريم على 46%، والسبب مركب، فأولا لم يستطع مسؤولو حزب العدالة إقناع العامة بعدالة الاستئناف الذي قدموه، وبدا أنه تطاول، وثانيا، لقد تعب الناخبون من الضغوط الاقتصادية، ويريدون حكومة تعود لترتيب البيت".

 

ويقول سلجوقي: "إن علمنا التاريخ شيئا فإن ذلك هو أن الشعب التركي يحب أن يكون صندوق الانتخابات غير مقيد، ومثال على ذلك محاولة الجيش عام 2007 التدخل في الانتخابات الرئاسية، وفي وقتها قامت القوات المسلحة بنشر بيان يحذر المرشح المفضل لحزب العدالة من خوض الانتخابات الرئاسية، فقام حزب العدالة بسرعة بالدعوة لانتخابات فاز فيها بنسبة 46%، مضيفا 10 نقاط لمستوى دعمه قبل تلك الانتخابات".

 

ويرى الكاتب أنه "بالنظر إلى إعادة الانتخابات التي ستجري في 23 حزيران/ يونيو، فإن هناك 4 عوامل ستؤثر على نتائج تلك الانتخابات: أولا، في سباق يتوقع أن تكون النتائج فيه قريبة من بعضها، فإن موقف الأحزاب الصغيرة التي اعتبرت سابقا غير مهمة، سيكون مهما، وعدا عن حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري، حصلت ستة أحزاب أخرى على 2.47% من الأصوات، وهو ما يصل إلى أكثر بقليل من 210 آلاف صوت، وبالإضافة لذلك فإن هناك ثلاثة مرشحين مستقلين أعلنوا أنهم لن يدخلوا السباق مرة أخرى، فعندما تقرر الأحزاب أن تشارك في إعادة الانتخابات أم لا، سيكون بالإمكان تقييم مدى تأثير ذلك على الانتخابات". 

 

ويشير سلجوقي إلى أن "العاملين الثاني والثالث يتعلقان بأعداد المصوتين، ففي 13 آذار/ مارس كانت مشاركة المدينة 83% مقارنة بـ 88% خلال الانتخابات البرلمانية، في 24 حزيران/ يونيو 2018، ولذلك فإن تحريك الذين لا يصوتون سيكون حاسما بالنسبة للجانبين، والعامل الآخر الذي سيؤثر على عدد المصوتين هو أن كثيرا من الناس سيكونون قد غادروا المدينة لقضاء عطلة الصيف في بلداتهم أو قراهم".

 

ويجد الكاتب أن "هذا العامل مع أنه يؤثر على الطيف السياسي كله، إلا أنه يؤثر بالذات على حزب العدالة والتنمية، حيث هذه الممارسة سائدة بين العائلات ذات الدخل المحدود، بالإضافة إلى أن مصوتي أحزاب المعارضة قد يكونون في قضاء عطلهم الصيفية، مع أنهم غالبا ما يكونون من عائلات أكثر ثراء، لكن أحوالهم المالية تجعل من السهل عليهم أن يقطعوا إجازتهم في الجنوب ويعودوا لإسطنبول للتصويت".

 

ويبين سلجوقي أنه "لإبراز مدى أهمية عدد المصوتين، فإن البلديات في المدن السياحية في تركيا، التي تسيطر عليها المعارضة، لجأت للإعلام الاجتماعي، حيث نشرت محتوى ساخرا، مثل الكلام عن هجمات سمك قرش متوقعة، أو توقع هطول الثلوج لإقناع سكان إسطنبول بألا يسافروا إلى الجنوب في يوم الانتخابات، وغردت بلدية بودروم، التي تعد أحد المصايف في جنوب تركيا، بأنه يتوقع أن يكون الجو مثلجا يوم الانتخابات".

 

ويقول الكاتب: "أما سيسمي، التي هي وجهة سياحية أخرى، فغردت بلديتها بأنها تتوقع إعصارا من إسطنبول في يوم الانتخابات، وهو ما سيجعل دخول المنطقة وشواطئها خطيرا وممنوعا".

 

ويلفت سلجوقي إلى أن "الاقتصاد كان عاملا مهما في التصويت قبل انتخابات 31 آذار/ مارس، وسيبقى الناخبون حساسين للوضع الاقتصادي، وتراجع سعر الليرة التركية مقابل الدولار من 5.98 إلى 6.17، بعد الإعلان عن إعادة الانتخابات.

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "في ظل هذه الظروف، فإن الانتخابات لم تعد حول من سيكون عمدة إسطنبول بقدر ما هي سباق بين إماموغلو ضد أردوغان، ربما للتنبؤ بالانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد عدة سنوات".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)