ملفات وتقارير

روسيا تمدد مهلة التسوية بالجنوب السوري مجددا.. لصالح من؟

الجنوب السوري شهد توترا بسبب ممارسات النظام ضد فصائل المصالحات- جيتي

أعلنت مصادر عسكرية روسية، أن توجيهات صدرت للنظام السوري، تقضي بتمديد اتفاق "المصالحات" في الجنوب السوري لعام إضافي، وذلك بعد انتهاء المدة الأولى في 24 من حزيران/ يونيو الجاري.

وذكرت القناة الرسمية لممثل قاعدة "حميميم" الروسية في الساحل السوري، أليكسندر إيفانوف، على "تلغرام" أن التمديد حتى الانتهاء من ملف إدلب.

جاء هذا الإعلان، بعد تسجيل الجنوب السوري دعوات للعصيان المدني، جراء تصاعد عمليات الاعتقال بحق الشبان من الحواجز العسكرية التابعة للنظام، بذريعة انتهاء المهلة الثانية للاتفاق الذي تم التوصل إليه في صيف العام الماضي، بين النظام وفصائل المعارضة، برعاية روسية.

وكانت مناطق متفرقة في الجنوب السوري قد سجلت دعوات لعصيان مدني، وذلك رفضا من أبناء المنطقة إرسال الشباب إلى جبهات القتال المحتدمة بين قوات النظام والمعارضة في أرياف حماة الشمالية.

وتثور تساؤلات عدة حول دوافع القرار الجديد، وإن كان يمثل رضوخا من الأسد لمطالب الأهالي، تداركا لتفجر الوضع الأمني في درعا التي تعيش على صفيح ساخن، آيل للانفجار في وجه النظام روسيا معا.

من جانبه، أكد الناطق باسم "تجمع أحرار حوران"، أبو محمود الحوراني، لـ"عربي21"، أنه للآن لم تصدر قرارات رسمية للحواجز العسكرية بعدم اعتقال الشباب، واقتيادهم إلى الخدمة العسكرية في صفوف النظام.

لكنه مع ذلك، بدا جازما بأن قرار تمديد مهلة التسوية سيكون مطبقا في القريب، وذلك تجنبا من روسيا والنظام لتبعات ثورة جديدة في الجنوب السوري.

ورأى الحوراني، أن روسيا لا تحتاج إلى تسخين جبهة جديدة في الجنوب السوري، إلى جانب الجبهة الشمالية في إدلب ومحطيها، التي تستنزف قوات النظام والمليشيات المحسوبة على موسكو، من الفيلق الخامس، وقوات النمر.

وأوضح، أنه بعد انتهاء المهلة الأولى في نهاية العام 2018، اضطرت روسيا إلى إضافة مهلة جديدة، انتهت قبل أيام، وهي اليوم كذلك مضطرة إلى مهلة ثالثة، علما بأن حواجز النظام لم تلتزم في المهل السابقة، فهي كانت تعتقل الشباب وتقودهم إلى الخدمة العسكرية قسرا.

استفراد واعتقالات دون ضجيج

وبهذا المعنى، يعرب الحوراني عن اعتقاده، بأن كل هذه المهل ما هي إلا مصيدة للشباب، وقال: "حواجز النظام تعتقل الشباب تباعا، وتضمن عدم انتفاض الجنوب في حال كانت حالات الاعتقال كبيرة".

من جانب آخر، أشار الناطق باسم "تجمع أحرار حوران"، إلى الدعوات التي وجهها عدد من قيادات فصائل "التسويات" إلى الشباب، ودعوتهم بعدم الالتحاق في الخدمة العسكرية، لافتا إلى تخلف المئات من أبناء الجنوب السوري عن الخدمة.

ووفقا لمصادر إخبارية، فإن درعا تنقسم أمنيا إلى قسمين، الأولى تلك التي سيطرت عليها قوات النظام بالقتال في ريف درعا الشرقي في بداية الحملة العسكرية في حزيران/ يونيو 2018، وهذه المناطق جردتها قوات النظام من جميع أنواع الأسلحة، فيما تشكل المناطق التي عقدت اتفاقيات تسوية مع النظام برعاية روسية، القسم الثاني، وهذا القسم احتفظ بسلاحه الخفيف، من دون دخول النظام إلى مناطقه.

وأول ما يمكن الإشارة إليه في هذا الجانب، بحسب الحوراني، هو وجود مخطط لدى النظام بالاستفراد بقيادات الجنوب، واعتقالهم دون ضجيج، وذلك في إشارة إلى الأنباء التي تتحدث عن دعوة ضد أحمد العودة، قائد فصيل "شباب السنة" سابقا.

وكانت وكالة "خطوة الإخبارية" المحلية، قد أفادت عن صدور مذكرة اعتقال من محاكم النظام السوري، بحق العودة (أبرز قادات المصالحة في الجنوب السوري)، على خلفية رفع دعوة شخصية عليه من قبل بعض سكان محافظة السويداء بقضية قتل.

وبموازاة ذلك، أشارت الوكالة إلى اعتقال قوات النظام وروسيا القيادي في "الفيلق الخامس" التابع للروس "إيهاب المقبل" وثلاثة عناصر في مدينة بصرى الشام، وذلك بسبب شكاوى ضدهم بتهم جنائية.

بدوره، حذر عضو "هيئة التفاوض" وعضو "اللجنة الدستورية"، الدكتور إبراهيم جباوي، المنحدر من درعا، الشباب من "تصديق ادعاءات النظام وروسيا حول المصالحات".

وردا على سؤال "عربي21" عن الظروف التي دفعت بروسيا والنظام إلى التمديد للمرة الثانية، اعتبر أن انشغال روسيا بما يجري من معارك في شمال غرب سوريا، فرض عليها تمديد مهلة التسوية في الجنوب السوري، عبر الضغط على النظام.

وقال جباوي: "كاد الوضع أن ينفجر في الجنوب بعد الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيات النظام، وتحديدا سوق شباب درعا إلى المعارك ضد المعارضة في إدلب".

تعهدات دولية

لكن التحول الأهم الذي فرض على روسيا، وفق جباوي، هو الاجتماع الأمني الثلاثي (الأمريكي، الروسي، الإسرائيلي) الذي عقد بالقدس مؤخرا، مؤكدا أن "لدى الروس مصلحة في استقرار الداخل السوري، وتحديدا الجنوب المتاخم للاحتلال الإسرائيلي، وعلى موسكو تعهدات يجب تنفيذها".

ومتفقا مع جباوي، غمز المحلل السياسي، الدكتور نصر فروان، من درعا، إلى وقوف اتفاق دولي على قرار التمديد، وقال لـ"عربي21" إن "اتفاق الجنوب الذي وقع في تموز/ يوليو 2018، هو بالأصل اتفاق روسي أمريكي أردني".

وأضاف أن "الاتفاق لدى توقيعه طرح كثيرا من الأسئلة، من أهمها كيفية تعامل سلطات النظام مع الأهالي في الجنوب، وبقي الوضع هشا إلى أن بدأت المؤشرات تدل على احتمال عودة الحراك الثوري من جديد، بأقوى مما كان عليه في السابق".

وقال فروان، إن المؤشرات هذه قرأتها روسيا جيدا، وبدأت تشعر بالخوف، وذلك تواصلت مع "خلية الأزمة" التي تشكلت في درعا لبحث قرار التمديد.

مصلحة مشتركة

وضمن تقيمه للمصلحة التي ستجنيها روسيا من التمديد في الجنوب، قال جباوي: "التمديد فيه مصلحة لروسيا، لأن ذلك يجنبها تبعات عصيان مدني في المنطقة الاستراتيجية المتاخمة للأردن، والاحتلال الإسرائيلي، وكذلك لمصلحة الأهالي، من خلال تجنيبهم المشاركة في قتال أبناء ثورتهم في الشمال".

وفي السياق ذاته، لفت الدكتور نصر الفروان إلى ظهور تشكيلات عسكرية في الجنوب، مناهضة لعودة النظام، مثل "المقاومة الشعبية".

و"المقاومة الشعبية"، هي فصيل تابع لجهة غير معلومة، تم الإعلان عنه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتبنت عددا من العمليات الأمنية التي استهدفت حواجز عدة للنظام، في ريف درعا الشرقي.

تجاذب إيراني-روسي

وطبقا لفروان، لا يمكن تجاهل دور الحسابات المتعلقة بالصراع الروسي-الإيراني على النفوذ في الجنوب، بدفع موسكو إلى اتخاذ قرار التمديد.

وأشار في هذا الجانب إلى احتمال دعم روسيا لبعض التشكيلات العسكرية المناهضة لتمدد إيران في الجنوب السوري، مضيفا بقوله: "قد يكون للروس المصلحة الأولى بالتمديد، لأن انتهاء المهلة يعني إطلاق يد أجهزة استخبارات النظام الممسوكة من طهران، لتفعل ما تشاء هناك".

يذكر أن مراسل "عربي21" في درعا، كان قد رصد في وقت سابق، قيام التشكيلات العسكرية الموالية لإيران بتكوين حواضن شعبية واسعة جنوب سوريا، وذلك من خلال إنشاء عدد من الجمعيات الخيرية، وتوطين عائلات عناصرها، وتكثيف جهودها الدعوية "التشيع"، وشراء الأراضي عبر وسطاء محليين.


ونقلا عن مصادر أهلية، أكد أن هناك توجها إيرانيا بـ"السيطرة على الشباب بمغريات الرواتب والإعفاء من الخدمة العسكرية، مقابل الانضمام لصفوف التشكيلات العسكرية الموالية لها".