ملفات وتقارير

إلى أين وصلت المباحثات حول "اللجنة الدستورية" السورية؟

اللجنة الدستورية لم يتم التوصل إليها بعد لبدء عملها والمضي بالحل السياسي في سوريا- جيتي

عادت "اللجنة الدستورية" لتتصدر واجهة الأحداث السورية مجددا، مع إعلان النظام السوري مؤخرا عن إحراز تقدم نحو تشكيلها، وذلك خلال محادثات أجراها، المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، ووزير خارجية الأسد وليد المعلم، الأربعاء في دمشق.

بيدرسن الذي وصف جولة المحادثات الأولى مع وزير خارجية النظام وليد المعلم، بالـ"جيدة جدا"، أكد أن الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية بات قريبا، مضيفا: "أعتقد أننا سنحقق تقدما قريبا، وأعتقد أننا قريبون جدا من التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل لجنة الدستور".

من جانبها، أكدت خارجية النظام السوري، أن العملية الدستورية هي شأن سوري وملك للسوريين وحدهم، وأن الشعب وحده من يحق له قيادة هذه العملية وتقرير مستقبله، دون أي تدخل خارجي ووفقا لمصالحه فقط، على حد تعبير بيانها.

 

اقرأ أيضا: هذه نظرة المعارضة السورية لتحديد موعد تشكيل " الدستورية"

إعلان النظام السوري والمبعوث الأممي، يأتي بعد أيام قليلة من تأكيد أنقرة وموسكو تحقيق تقدم في تشكيل "اللجنة الدستورية" وحديثهما عن انتهاء الخلافات بشأن تشكيلها، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق العملية السياسية للحل في سوريا، برعاية أممية.

ووفق خطة الأمم المتحدة، يجب أن تضم اللجنة الدستورية 150 عضوا، 50 منهم يختارهم النظام، و50 تختارهم المعارضة، و50 يختارهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة من خبراء وممثلين للمجتمع المدني.

الخلاف لا زال قائما

وعما يثار من أنباء حول انتهاء الخلاف بشأن تسمية الأعضاء الستة في اللائحة الثالثة (المجتمع المدني)، وهي الأسماء المرفوضة من جانب النظام، قال مصدر من المعارضة السياسية لـ"عربي21" إن الخلافات انتقلت إلى مسائل أخرى، متعلقة بمرجعية "اللجنة الدستورية"، مبينا أنه "وفق المتداول فقد وافق النظام على أن تختار الأمم المتحدة 4 أسماء والنظام اسمين".

وقال مفضلا عدم ذكر اسمه: "الحقيقة أن الخلاف الحالي هو حول تفاصيل عمل اللجنة وآلية التصويت، وهي التفاصيل التي طرحها النظام السوري خلال زيارة المبعوث الأممي غير بيدرسون إلى دمشق"، موضحا أن النظام لا زال يصر على أن تكون مهام اللجنة مناقشة دستور العام 2012، الذي يعطي للأسد الصلاحيات المطلقة.

ووفق المصدر، فإن توقيت الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية مرتبط بسير المعارك التي تشهدها أرياف حماة واللاذقية بين فصائل المعارضة المدعومة تركيا، وبين قوات النظام المدعومة روسيا.

ومؤيدا حديث المصدر، أكد الباحث في مركز "عمران للدراسات" معن طلاع، أن الخلاف لا زال قائما على نسب التوزيع، رغم الليونة الروسية، إلى جانب الاختلافات على القيمة التنفيذية لمخرجات "اللجنة الدستورية".

وقال طلاع، إن ما يظهر من خلاف ما بين الأطراف الفاعلة في سوريا على تسمية أشخاص، يخفي الخلاف الحقيقي على اختصار الحل السياسي على السلة الدستورية دون السلال الأخرى.  

المماطلة لكسب الوقت

وأوضح لـ"عربي21" أن الطرح الروسي لا زال يصر على أن تكون رئاسة "اللجنة الدستورية" للطرف المتغلب ميدانيا، أي النظام.

وقال طلاع، إن نظام الأسد يسعى إلى الدخول في التفاصيل الصغيرة، وذلك لكسب الوقت، حتى يتم الإجابة على ملفي إدلب والشمال السوري.

وأضاف أن النظام السوري يعمل على استراتيجية تمرير الوقت ودفع الكرة إلى الأمام، حتى تتضح نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا حول مآل منطقة شرق الفرات، وبين روسيا وتركيا حول ملف إدلب، وكذلك الصفقات الروسية والتي على رأسها إعادة الإعمار مقابل السماح للاجئين بالعودة.

وفي السياق ذاته، قال طلاع إن موضوع "اللجنة الدستورية" لا ينظر إليه على أنه خطوة ناجعة للسير في العملية السياسية، بقدر ما هو انعكاس لتبيان نتيجة التنازع السياسي الدولي على هذا الملف، أي اختبار نظرية روسيا في إجبار المشهد السياسي العام في جنيف، وتطويعه لمسار أستانا.

ووفقا للباحث، تصر روسيا على أن تكون "اللجنة الدستورية" تابعة لدمشق، وأن تكون المخرجات أو القرارات الصادرة عنها خاضعة لتصويت "مجلس الشعب"، ويعني ذلك أن "النظام يريد اختصار الحل السياسي بـ"اللجنة الدستورية" التي يتحكم بها".

حل سوري؟

ومجيبا على سؤال إن كانت اللجنة سينتج عنها حل سوري للأزمة، شكك الباحث معن طلاع بمساهمة تشكيل "اللجنة الدستورية" في دفع الحل السياسي السوري قدما إلى الأمام، وقال: إن "الحل السياسي أو إطلاقه مرتبط بتطور الملفات في إدلب، وفي شرق الفرات".

ويشاطره الرأي المحلل السياسي أحمد كامل، الذي اعتبر أن تشكيل "اللجنة الدستورية" والمضي فيها، يعني الإبقاء على سبب المشكلة السورية، أي النظام السوري.

ويبدي قناعته خلال حديثه لـ"عربي21" بأن "الحل السياسي لن يبدأ إلا برحيل النظام السوري".

وفي السياق ذاته، حذرّت العضوة السابقة في الائتلاف السوري المعارض، سميرة المسالمة، من خطورة ذهاب "الهيئة العليا للمفاوضات" إلى "اللجنة الدستورية"، وهي التي تعيش تفككا بين منصاتها التي انبثقت عن مؤتمر "الرياض2" للمعارضة السورية.

وأوضحت في مقال اطلعت عليه "عربي21"، أن "الذهاب إلى لجنة دستورية، في واقع "المعارضة" الحالي وخلافاتها في الرؤية والهدف والمشروع الوطني برمته، انتصارا لإرادة النظام السوري، حيث يشكل الكتلة المتماسكة الوحيدة داخلها".

 

اقرأ أيضا: "أس400" و"اللجنة الدستورية".. كيف تؤثران على معارك إدلب؟

وتابعت المسالمة، بأن المنتصر الوحيد داخل اللجنة سيكون النظام، ما لم يستطع كل المحسوبين على المعارضة فصل السلطات، ووضع حد للنظام الرئاسي المعمول به حاليا، والانتقال إلى نظام برلماني، يتيح مشاركة كل الأطياف السورية (عرب وكرد وشركس وأرمن وتركمان وسريان وآشور، وغيرهم)، وتتويج ذلك ببند واضح في الدستور.

 

ولفتت إلى أن هذا البند يقرر أن "كل من تولّى رئاسة سورية لولايتين، قبل الثورة أو بعدها، هو خارج سياق التنافس على منصب الرئاسة في "سورية ما بعد الحرب"، لأن سورية ما بعد الثورة في ظل ممثلي المعارضة الحالية أصبحت ضربا من الماضي ليس إلا".

وبحسب الأنباء التي حصلت عليها "عربي21" من مصادر معارضة، فقد التقى وفد من هيئة التفاوض برئاسة نصر الحريري مع غير بيدرسن المبعوث الأممي إلى سوريا، مساء الخميس.

وركز وفد الهيئة اثناء الحديث على الوضع الميداني في شمال غرب سوريا, وضرورة وقف إطلاق النار فيها كلازمة أساسية لعملية سياسية تنوي الأمم المتحدة استئنافها فيما يخص القضية السورية.

المشكلة ليست بالدستور

وفي السياق، اعتبر الباحث بالشأن السوري أحمد السعيد، أن قبول الأطراف الدولية والإقليمية بأن تكون "اللجنة الدستورية" هي المدخل للعملية السياسية، يصب في صالح روسيا التي فرضت ذلك على الجميع.

وقال لـ"عربي21"، إن "المشكلة في سوريا ليست مشكلة دستورية، بقدر ما هي مشكلة شعب يتطلع للحرية، والتخلص من نظام دموي".

وتساءل السعيد: "هل يعني التوصل إلى دستور محترم نهاية المعضلة السورية؟"، مجيبا: "بالتأكيد لا، لأن النظام لا يحترم الدستور، وهو نظام خارج عن القوانين".

يذكر أن مصادر إعلامية موالية للنظام السوري، كشفت عن أن العمل في "اللجنة الدستورية" سيبدأ مطلع شهر أيلول/سبتمبر المقبل.

لكن عضو "هيئة التفاوض"، و"اللجنة الدستورية" الدكتور إبراهيم جباوي، قال لـ"عربي21" إن "المعارضة تعتقد أن بيدرسن قد انتزع موافقة الأسد، بضغط روسي، لأن قرار النظام بيد موسكو، ومما يستشف من تصريحات بيدرسن أن النظام وافق على القواعد الإجرائية، وكذلك الأسماء".

وعن مخاوف وقلق المعارضة، قال جباوي: "لا نعتقد أن النظام قد فرض رؤيته على الأمم المتحدة"، مستدركا "لكننا نتوجس من أن يكون بيدرسن قد قبل بطروحات النظام على حساب الشعب السوري".