قضايا وآراء

فرح السودان: حضرت إثيوبيا.. وغاب السيسي وأفورقي

1300x600
دشن الشعب السوداني مرحلة جديدة لثورته الظافرة؛ بتوقيع اتفاق مهم في تأريخ مسيرة الثورة التي أزاحت نظام الرئيس المعزول عمر البشير عن المشهد السوداني في نيسان/ أبريل الماضي.

جاء الاتفاق بعد مخاض عسير من المفاوضات بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي؛ برعاية رئيس الوزراء الإثيوبي الذي احتفى به السودانيون ليلة توقيع الاتفاق ضمن فعاليات الفرح الكبير.

احتفل السودانيون بتوقيع الوثيقة الدستورية والإعلان السياسي الذي انتظروه طويلا، بحضور محبيهم الذين أتو لمشاركتهم فرحتهم بتخطي الاختبار الصعب بعد سقوط البشير، والذي زاده صعوبة الحراك الإقليمي المحموم والثورة المضادة الساعية إلى وأد أحلام القوى الحالمة بالحرية والتغيير والعيش الكريم.

عملت التدخلات الإقليمية تلك على تعطيل مسيرة الثورة السودانية وشغلها بالتناقضات ودوائر المفاوضات هنا وهناك، وجرها إلى التفريعات التي تدفع إلى مزيد من التباعد والتباغض، والتصريحات التي تنفّر الأفئدة وتبعثر الأوراق؛ حتى تكون كدقيق فوق شوك نثروه، ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه، كما قال الشاعر السوداني إدريس جماع قديما.

لكن الشعب السوداني تسامى على الجراحات وتعالى على مرارة الماضي، وتجاوز عقبات المتربصين شمالا وشرقا، بالترفع عن موائد الحاقدين على ثورته الحانقين على حرية الشعوب، الغاصبين للسلطة في بلادهم إذلالا وتخويفا.

المشهد الاحتفالي بنجاح المبادرة الإثيوبية وراعيها الاتحاد الإفريقي؛ غاب عنه كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، آخر الساعين لفتح طاولة حوار في القاهرة بين الفرقاء السودانيين بعيدا عن الطاولة الأساسية في أديس أبابا، كما غاب عنه أيضا الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي؛ الذي لم تتوقف مساعيه ومبعوثوه وتدخلاته؛ حتى عشية تمكن المتحاورين من ردم الفجوة بينهم والاقتراب من التوصل إلى التراضي على صيغ الاتفاق، والتأكد من عدم القدرة على المشهد السوداني وثورته في هذه المرحلة.

الرئيسان السيسي وأفورقي خاضا حربا باردة ضد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد؛ الذي تغلب عليهما رغم كل العقبات والمتاريس، بحكمته وحنكته ومحبته الحقيقية للسلام وللشعب السوداني، فنال من السودانيين في احتفالهم تقديرا وحبا، ومن الضيوف المشاركين إجلالا وإكبارا.

الأسئلة التي تطرح نفسها وتؤرق المتابعين الآن هي: بعد هذا الاتفاق الكبير المنجز: هل سيغيب السيسي وبعض حلفائه عن المشهد السوداني، ويترك الديمقراطية تنمو جنوب مصر كما غاب عن مراسم الاحتفال، أم سيعمل جاهدا على "حفترة" الوضع؟ وهل سيغيب الرئيس أفورقي عن ذات المشهد ويكف عن العبث، ويترك الثورة تشق طريقها نحو الدولة المدنية، رغم إعلانه الانحياز التام للمجلس العسكري ضد الداعين لمدنية الدولة، بل وإرساله الإشارات السلبية بتأجيج صراعات عرقية عنيفة شهدتها الولايات الشرقية السودانية، بحسب المراقبين؟

شرعت الثورة السودانية في المضي قدما في مسيرتها، ووضعت اللبنات الأولى لعودة الدولة المدنية، وسعد أحرار العالم بهذه الخطوة المهمة في مسيرة الثورة، وشارك جوار السودان من كل أطرافه الشعب السوداني أفراحَه ببهجة شعبية طغت على وسائل التواصل الاجتماعي  في هذه الدول، وحضور رسمي متمثل في رؤساء دول الجوار ما عدا مصر وإريتريا اللتين شارك شعباهما المغلوب على أمرهما الفرح، أما ليبيا فقد شغلتها الثورة المضادة بنفسها، وقد يلتمس لها السودان العذر.

هنيئا للسودان خطوته المباركة، وهنيئا للشعب الإريتري في منفاه، فقد عاش اليوميات العصيبة للثورة السودانية مشاركة ومتابعة، وهنيئا للشعب الإثيوبي الذي تناغم إيقاع قيادته مع طموحاته، فاحتفلت أديس أبابا بفجر السودان المشرق، واحتفت الخرطوم بقيادة إثيوبيا كشريك في صناعة الفرح السوداني.