مدونات

من ذاكرة التاريخ السوري الحديث في حلب

عمر حسون الرحبي - كاتب
كثير من السوريين بشكل عام وأهالي منطقة حلب خاصة؛ لا يعرفون شيئا عن قبر الإنكليز الموجود في حلب، وفي الوقت نفسه لا يعرفون شيئا عن تصدي القوات العثمانية التي كان من أبرز ضباطها في حلب مصطفى كمال أتاتورك، وعن دور الأتراك في معارك الشرف التي ساهموا بها بكل ثقل في حلب وإدلب عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وبعد احتلال الإنجليز لمدينة حلب.

يعتبر مصطفى كمال أتاتورك أول قائد عسكري يحارب دفاعا عن حلب في أواخر الحرب العالمية الأولى عام 1918، مخلفة مئات آلاف القتلى كان لولاية حلب نصيب منهم، حيث استشهد ستة آلاف مقاتل في صفوف الجيش العثماني.

استمرت القوات البريطانية في التقدم شمالا، حتى التقت بالقوات العثمانية التي استبسل جنودها من أبناء ولاية حلب بالدفاع عنها، وكانت بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وقامت معركة عنيفة قرب حلب في منطقة سميت فيما بعد بقبر الإنكليز. وتقع اليوم في مدينة حلب في منطقة الليرمون على طريق غازي عنتاب- حلب. وضمت القوات البريطانية المقاتلة جنودا إنكليز وهنودا وأستراليين.

دخلت القوات الإنجليزية والمتحالفة معها بقيادة الشريف مطر، قائد القوات اللورانسية العربية، حلب. عيّن الإنجليز كامل باشا القدسي واليا عليها، أما الجنرال ألنبي، فقد عيّن الضابط العراقي الموالي للإنجليز جعفر العسكري حاكما عسكريا فعليا، بدلا من كامل باشا القدسي.

واجهت القوات البريطانية قتالا ضاريا من أهالي مدينة حلب وريفها، وكانت هناك مقاومة شرسة في الريف الحلبي.

قاد الثورة ضدها بعض وجهاء القبائل العربية والكردية، وعائلات عريقة عُرف عنها مولاتها للسلطة الشرعية متمثلة بالدولة العثمانية العلية.

تبنت حركة المريدين والطريقة النقشبندية مقاومة المحتل الإنجليزي- الفرنسي، وكانت تتخذ من منطقة كرداغ أو جبل الأكراد في عفرين مقرا لها، بقيادة الشيخ إبراهيم خليل، وهو من أهالي ولاية سيواس، مدعومة من الأتراك؛ ضد المحتل الإنجليزي الذي حاول إقامة نقطة عسكرية في جبل عفرين، في قرية ممو، حيث تصدت الحركة بقوة لقوات ملس، وهو قائد قوات التحالف الفرنسي- الإنجليزي، وقتلت المئات من الجنود في موقعة رهيبة.

كما برزت في المنطقة شخصيات عفرينية كردية تعرض أبناؤهم للنفي من قبل النظام السوري، ومن هذه الشخصيات سيدو داود، والزعيم حسن كريم آغا، وأيو رسول، ورشيد إيبو، وحنيف عربو، وعبد الرحمن المصري من إسكندورن.

كان المجاهدون في عفرين يعتمدون على الدعم الذي كان يقدمه الأتراك عبر أحد ضباطهم واسمه صالح، حيث كانوا يقدمون الدعم لثوار ولاية حلب. وكان صالح تربطه علاقات قوية بالشيخ إبراهيم الخليل.

كان الكبار الذين شاركوا في تلك المعارك أو عاصروا تلك الحقبة يذكرون دائما كيف كانوا يحصلون على السلاح من تركيا، لمقاومة الإنجليز والفرنسيين.

ناضل الأكراد احتلال إنجلترا وفرنسا لحلب منذ أول يوم، وتصدر الثورة فيها الشيخ حسن كريم آغا الذي أعدمته فرنسا 1939م. وقدموا خيرة الشباب الكرد دفاعا عن الدولة العثمانية، وقتلوا أكبر قوة فرنسية في المنطقة بعد عجز الإنجليز عن مقاومتهم.

ملاحظة:

منطقة قبر الإنكليز هي في الحقيقة نصب تذكاري لجنود اللواء الهندي الخيال الخامس عشر، الذين قتلوا في تلك المعركة في نهاية عام 1918، مع قائدهم الجنرال هولدين، وذلك النصب معروف باسم قبر الإنكليزي رغم عدم وجود قبر فيه، تعتبر هذه المعركة آخر معارك الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط.

وقد دفن قتلى الجيش البريطاني في مدفن خاص بجانب قبور الأرمن والمسيحيين في منطقة الداودية.

كانت منطقة الداودية خارج مدينة حلب، وكان فيها أراض وأملاك ليهود حلب، وتمت مصادرتها من قبل الإنجليز والحكومة الفرنسية، وتم منحها للأرمن. وتم تغيير اسم المنطقة إلى حي الأشرفية، ويقع شمال غرب مدينة حلب.

تقع مقبرة الجنود الإنجليز حاليا في بداية حي الشيخ مقصود. وكان من بين القتلى جنود هنود مسلمين، دفنوا إلى جانب الجنود الإنكليز والأستراليين، مع وضع إشارة الهلال على قبورهم لتمييزها.

وتقوم الجالية والمفوضية البريطانية سنويا بزيارة الموقع والمقبرة، بحضور المفوض العام (السفير) البريطاني، في الساعة الحادية عشرة في يوم الحادي عشر من الشهر الحادي عشر، وهو تاريخ إعلان نهاية الحرب العالمية الأولى.

* باحث - اسطنبول