صحافة دولية

فورين بوليسي: هذا ما يعكسه وعد نتنياهو بضم الضفة الغربية

فورين بوليسي: عندما حاولت دولة يهودية ضم جيرانها اختفت- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأستاذ في جامعة بنسلفانيا إيان لاستيك، يقول فيه إنه عندما قام الملكان يوحنا هركانوس والإسكندر جنايوس من الأسرة الحشمونية، في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد بغزو وضم مساحات واسعة خارج من حدود مملكتهم، وحولوا السكان المحليين إلى اليهودية بحد السيف، عارضت الحركة الإصلاحية التي كان يقودها حاخامات الفريسيين تلك السياسة؛ خوفا من أن يؤدي استيعاب تلك المساحات والأعداد الجديدة من غير اليهود إلى تدمير الدولة اليهودية وطريقة الحياة اليهودية.  

 

ويشير لاستيك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "في المقابل عندما تحول الأدوميون وغيرهم، فإن الفريسيين أصروا على أن يتمتع المتحولون بحقوق متساوية، في حين دعم السدوسيون -الذين يمثلون رجال الدين الأرستقراطيين- الغزو والتحويل القسري، لكنهم سعوا لمعاملة المتحولين الجدد على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ومع وفاة الإسكندر جنايوس تفجرت الخلافات بين الفريقين حتى وصلت إلى حرب أهلية، أدت إلى نهاية استقلال الدولة اليهودية، والوقوع تحت حكم الرومان".

 

ويقول الكاتب: "إن كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يحب رفع شعار أننا في (عام 1938 وإيران هي ألمانيا)، لكنه برفع شعار ضم الضفة الغربية جعل الأمر يبدو أنه عودة إلى 78 قبل الميلاد، وإسرائيل خلال الحكم الحشموني". 

 

ويلفت لاستيك إلى أنه "في وقت تلوح فيه التهم الجنائية لنتنياهو في الأفق، فإنه يخوض مرة أخرى الانتخابات لرئاسة الوزراء، ويعد مرة أخرى بأنه إن انتخب فإنه سيضم الضفة الغربية أو أجزاء كبيرة منها، وفي الغالب أنه سيعلن الضم، لكنه لن يطبق ما يترتب على ذلك قانونيا، وهذا فرق كبير".

 

ويفيد الكاتب بأن "إسرائيل أصبحت بالنسبة لأمريكا دولة حمراء -بلد من بلدين فقط ينظر فيهما إلى الرئيس دونالد ترامب بشكل أفضل من الرئيس السابق باراك أوباما (الأخرى هي روسيا)- وتظهر الاستطلاعات بشكل متسق أن غالبية الناخبين الإسرائيليين اليهود يعدون أنفسهم يمينيين، وأن ثلثيهم تقريبا يفضلون ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، ولذلك فإن الوعد بالضم له أهمية تكتيكية كبيرة بالنسبة لسياسي يسعى بيأس للحصول على أكبر عدد من أصوات اليمين".

 

ويستدرك لاستيك بأن "هذه التكتيكات قد تكون لها أهمية استراتيجية كبيرة، وبالرغم من حديث الخبراء والدبلوماسيين عن الأضرار التي سيلحقها الضم على حظوظ اتفاقية السلام المفترضة، إلا أن هذا مجرد وهم، ولأن المفاوضات على دولتين لا فرصة حقيقية لها في النجاح، فلا بد من الضم على المدى الطويل، لكن السؤال هو كيف يتم تطبيق ذلك؟ وماذا يحمل المستقبل لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين؟".

 

وينوه الكاتب إلى أن "نتنياهو قد وعد في انتخابات نيسان/ أبريل بأنه سيقوم بضم المستوطنات، وقال إنه كان يتحدث عن ضم ليس فقط (تجمعات المستوطنات الكبيرة) في الضفة الغربية، بل حتى مئات البؤر الاستيطانية في أنحاء الضفة، بالإضافة إلى الشوارع والأراضي التي يحتاجها لحماية تلك المستوطنات، وهذه المرة يقول بأنه يريد ضم وادي الأردن وربما أكثر، ما يكفي على أي حال لمحاصرة المناطق الفلسطينية بأراض إسرائيلية ذات سيادة".  

 

ويفيد لاستيك بأن "الكثير من التقارير تعد هذه الإعلانات بأنها نوايا (لضم الضفة الغربية)، فإن قصدوا أن نتنياهو أعلن عن التزامه بالسيطرة الإسرائيلية الدائمة على الأراضي وعلى شعبها، فإن تلك التقارير صحيحة، لكن الفرق بين فرض سيطرة دائما والضم الحقيقي كبير ومهم، والآن أصبح الضم مسألة عملية وليس فقط نظرية، وفهم ذلك الفرق مهم جدا".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "في عام 1967 غزت إسرائيل، وفي لغة الحكومة (حررت)، أجزاء مهمة من (أرض إسرائيل) التاريخية، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، وانقسم الرأي السياسي مباشرة على كيف يتم التصرف مع هذه الأراضي، دعاة الضم رأوا أن تستوعب تلك الأراضي، في الوقت الذي أراد فيه معارضو الضم أن تستخدم الأراضي لاستبدالها مقابل السلام، وكانوا يخشون التهديد الديمغرافي الذي تشكله الضفة الغربية، وقال رئيس الوزراء وقتها، ليفي أشكول، إن المشكلة هي أن الإسرائيليين يريدون (المهر وليس العروس)، أي أن إسرائيل أرادت أرضا دون ناس". 

 

ويلفت لاستيك إلى أنه "في ضوء هذه الحقيقة، فإن دعاة الضم ترددوا في التعامل مع الضفة الغربية وغزة كما تعاملوا مع الأراضي التي غزوها عام 1948 خارج المساحة التي حددتها خطة التقسيم الصادرة عن الأمم المتحدة، بما في ذلك الجليل الغربي والأوسط، بالإضافة إلى قرى المثلث، التي كان عدد سكانها 30 ألفا، التي اضطر الملك عبد الله، ملك الاردن، للتنازل عنها لإسرائيل في نيسان/ أبريل 1949، وأطلقت اسرائيل ابتداء على هذه المناطق الأراضي المحتلة، لكنها سرعان ما ضمتها وفرضت قانون الجنسية وسيادتها عليها". 

 

ويبين الكاتب أن "هذه الإجراءات لم تطبق عام 1967، وبدلا من ذلك قررت إسرائيل أن تحكم هذه الأراضي بموجب قوانين لاهاي لعام 1907، وهو القانون المتعلق بـ(الاحتلال العسكري)، واتخذ القرار بناء على أنه يمكن في النهاية مبادلة بعض تلك المساحة مقابل السلام، لكن الاعتبارات الديمغرافية أيضا مهمة لدولة ترى الأكثرية اليهودية مهمة لهويتها". 

 

ويقول لاستيك: "كما أشار أشكول فإنه كان هناك في الضفة الغربية وقطاع غزة عدد كبير من العرب لم يردهم الحمائم ولا الصقور مواطنين إسرائيليين، وحتى أن مؤيدي الضم توقفوا عن استخدام المصطلح بحجة أنه لا يمكنك ضم ما هو ملك لك أصلا، وبدأوا بالإشارة إلى أنفسهم على أنهم (المعسكر القومي) والملتزم بحكم إسرائيل لأكبر قدر ممكن من (أراضي إسرائيل جميعها) دون تحديد مصير العرب غير المواطنين الذين يعيشون في الأراضي التي احتلت عام 1967، وما أصر عليه هذا المعسكر هو معارضة قيام دولة فلسطينية، أو حتى الاعتراف بحق تقرير المصير للفلسطينيين، وما سعى هذا المعسكر لإخفائه هو أمله في القيام بعملية نقل (ترانسفير) لجميع أو معظم العرب في تلك المناطق، وهذا يمكن تحقيقه بجعل حياتهم لا تطاق، أو بعرض أموال عليهم للمغادرة، أو من خلال النفي الجماعي".

 

ويرى الكاتب أن "وعد نتنياهو الانتخابي بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية يعكس توجها متناميا في حزب الليكود، وأكثر منه بين أعضاء اليمين المتطرف، وعلى مر العقود الماضية كانت هناك عدة محاولات لتمرير قانون لضم الضفة الغربية في الكنيست، لكن نتنياهو عارضها، إلا أن هناك عدة عوامل دفعت اليمين الإسرائيلي للدفع بهذا الاتجاه".

 

ويجد لاستيك أنه "مع موت حل الدولتين إلا كشعار لتشتيت الانتباه، لا يخشى دعاة التوسع ردة فعل من الشعب الإسرائيلي، الذي توقف عمليا عن النظر إلى حل تفاوضي مع السلطة الفلسطينية على أنه خيار واقعي، وحتى المنافس الرئيسي لليكود، حزب أزرق وأبيض، لا يقدم أي خطة لتأمين التوصل إلى اتفاقية سلام عبر التفاوض".

 

وينوه الكاتب إلى أن "المشكلات العملية الناتجة عن عيش نسبة 10% من الإسرائيليين اليهود في مستوطنات شرق حدود 1967 -المعروفة بالخط الأخضر- يجعل معظم الإسرائيليين يرون أن من المنطق غير المثير للجدل أن تتم تسوية أوضاع هؤلاء الإدارية والقانونية، ومن ناحية منطقية فلأن من الصعب التخلص من العرب الذين يعيشون بين البحر والنهر، فإنه لا يوجد أي منطق في انتظار أن يغادروا قبل التقدم بعملية الضم".

 

ويستدرك لاستيك بأن "الحديث حول الضم ليس كتطبيقه، فهناك مساحة غامضة، وإن كان الأمر مفيدا من ناحية سياسية لنتنياهو، فإنه يعني بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين كلهم بداية صراع طويل حول شكل الحكم بين البحر والنهر".

 

ويقول الكاتب: "فلننظر إلى تعامل إسرائيل مع القدس الشرقية الموسعة وهضبة الجولان، اللتين تم احتلالهما عام 1967، وتحتوي هاتان المنطقتين، اللتين حاولت إسرائيل تغيير وضعيهما القانوني، على عدد كبير من السكان العرب، ولذلك قامت إسرائيل بفرض القوانين الإسرائيلية في المنطقتين دون ضمهما رسميا، عن طريق تمرير عدد من التعديلات القانونية والإجراءات الإدارية المعقدة، والنتيجة والمحفز على الضم دون الضم رسميا هو تجنب تحويل آلاف دروز الغولان ومئات آلاف العرب في القدس الشرقية إلى مواطنين إسرائيليين".

 

ويشير لاستيك إلى أن "الآليات القانونية لهذا التمدد تقوم بتوسيع حدود البلديات الإسرائيلية المجاورة، ويصبح غير اليهود المقيمون في هذه المناطق (مقيمين دائمين) في إسرائيل، لكن ليس مواطنين إسرائيليين، وما تأمله إسرائيل هو أنها إن اعتبرت هذه المناطق مضمومة، وأشار إليها العالم على أنها مضمومة فإنها ستصبح جزءا من دولة إسرائيل دون أن تضطر إسرائيل إلى ضمها، وأن تمنح الجنسية وبالتالي الحقوق السياسية للسكان غير اليهود فيها".

 

ويجد الكاتب أنه "مع اعتراف ترامب بضم الجولان لتصبح جزءا من إسرائيل فإنه ثبت أن استراتيجية الضم بالتسلل يمكن أن تثمر، ولذلك ليس من المتوقع أن يقوم نتنياهو أو غيره (بضم) الضفة الغربية بإعلان سيادة إسرائيل عليها، ولن يعلن السيادة على مناطق (ج)، وهو ما سيحول ما لا يقل عن 70 ألف عربي إلى مواطنين إسرائيليين، والصيغ التي استخدمها لمناقشة ضم المستوطنات الإسرائيلية تتماشى مع قرار تم وضعه بحرص ووافق عليه الكنيست في كانون الأول/ ديسمبر 2017 (لتطبيق القوانين الإسرائيلية وسيادتها في المناطق المحررة كلها من مستوطنات يهودية في يهودا والسامرة)، وهو ما تسميه إسرائيل الضفة الغربية، والعنصر الأساسي هنا هو ألا يكون هناك عرب إضافيون يقطنون الحدود الجديدة لإسرائيل ذات السيادة". 

 

ويقول لاستيك: "إن فاز نتنياهو فإن حكومته ستكون عبارة عن ائتلاف يميني ديني قومي متطرف، وبالتأكيد سيسعى لتعزيز واقع الدولة الواحدة، لكن دون فتح الفرصة أمام العرب لتحقيق مكاسب سياسية في إسرائيل، وحتى إن تم تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الليكود وإسرائيل بيتنا وأزرق وأبيض، فإن تعزيز واقع الدولة الواحدة من البحر الى النهر سيستمر".

 

ويشير الكاتب إلى أن "المواطنين العرب في إسرائيل يشكلون 1 من كل 5 مواطنين، وأظهرت المرتان الماضيتان من الانتخابات بأنه حتى يبقى اليمين القومي المتطرف مسيطرا على السياسة الإسرائيلية فإنه يجب تخفيف أعداد العرب الذين يقومون بالانتخابات، وأن يمتنع الجميع حتى المعتدلين من التعامل مع ممثليهم المنتخبين في التحالفات".

 

ويختم لاستيك مقاله بالقول: "يقول المثل العبري (الإنسان يخطط.. والله يضحك) اليوم ليست روما هي التي ستقوم بغزو دولة فيها عرب عددهم كعدد اليهود، لكنها الديمقراطية.. فعلى المدى الطويل فإن النتائج غير المقصودة للاقتصارية الهودية والتمدد هي الأكثر احتمالا إن لم تكن الأكثر فعالية لتحويل ما هي الآن دولة يهودية إلى جمهورية متعددة الثقافات لمواطنيها كلهم".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)