كتاب عربي 21

"قفا الإخوان".. واستباحة اسم نجل السيسي!

1300x600

عدت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ساعات قضيتها بعيدا عنها، لأجد "فرح العمدة" منصوباً، فالسيساوية في سعادة وحبور، وهم يعلنون تارة أن "عمرو أديب علّم على قفا الإخوان"، وتارة أخرى ينتقلون من التعميم إلى التخصيص، فالمذكور وضع بصمته ليس على قفا الجماعة ككل، ولكن على إعلامها، فيقولون إن عمرو أديب علم على قفا إعلام الإخوان!

لم أعرف حقيقة ما جرى في غيابي، فانطلقت في مناكبها، بحثاً عن "أصل الحكاية"، حتى عثرت على سبب ذلك بعد "مقطع" فيديو، من حلقة "أديب" في هذه الليلة التي "علّم" فيها البطل المغوار المنافس لأسد الميكرفون، على "قفا الإخوان" وقفا إعلامهم، فإذا بنا أمام جريمة مهنية مكتملة الأركان!

وإذا كان الناس في بيئات معينة يرون "الفهلوة" شطارة، "والانتهازية" تعبيراً عن الذكاء الحاد، فإن السلطة الحاكمة تعتمد سياسة "كيد النساء"، ولا ترى فيها بأساً، وما ضر القوم لو حدث خروج على قيم مهنة الإعلام؟ فالأبواب الإعلامية في القاهرة لا تلتزم بمدونات السلوك لممارسي هذه المهنة. ومن هنا لا بأس إذا كان "عمرو أديب" قد خالف أداب المهنة، ما دام قد أوقع هزيمة بالإخوان وصفعهم على أقفيتهم، لكن البأس الشديد أن ما جرى هو هزيمة لمعسكر السيسي، ليس فقط لأن البوق عمرو أديب كذب، ولكن لأنه كشف أن القوم يشعرون بالهزيمة، فلا يجدون (والحال كذلك) وسيلة للتخلص منها إلا بهذا الأداء البائس شديد البؤس!

 

البأس الشديد أن ما جرى هو هزيمة لمعسكر السيسي، ليس فقط لأن البوق عمرو أديب كذب، ولكن لأنه كشف أن القوم يشعرون بالهزيمة، فلا يجدون (والحال كذلك) وسيلة للتخلص منها إلا بهذا الأداء البائس شديد البؤس

في حانة:

المقطع الذي تم ترويجه على السوشيال ميديا، يُظهر عمرو أديب مع ضيوف برنامجه، ثم يتحدث عن إعلام الإخوان الذي ينشر الأكاذيب، ويشير على الشاشة فنجد محمد ناصر، المذيع بقناة مكملين، وهو يتحدث عن استضافة عمرو أديب لنجل عبد الفتاح السيسي، ضابط المخابرات العامة "محمود"، وتنتهي الفقرة وتحط الكاميرا على عمرو فإذا به ينتقل من وضع الجلوس في استوديو، إلى حالة السكر في حانة وهو يتراقص على أغنية "العنب.. العنب"، أو أغنية "وأركب الحنطور واتحنطر"، حيث الإيقاع السريع وجو البهجة، الذي هو من موجبات الحالة!

وقد تبين أن ضيف "عمرو أديب" ليس هو نجل الجنرال عبد الفتاح السيسي، ولكنه شخص آخر يحمل نفس الاسم (محمود السيسي)، وهو أداء أرعن يستهدف أن يقف المشاهد على خفة الإعلام الإخواني في التعامل، وعدم التزامه بالدقة وتحري الموضوعية عندما يتعلق الأمر بأولي الأمر في القاهرة، فها هو إعلامهم يتحدث عن استضافة "نجل الرئيس السيسي"، في حين أن الضيف الجالس في الأستوديو شخص آخر، هو مالك لسلسلة صيدليات حديثة، تردد مؤخراً أنها ملك الجيش، وهو ما نفاه المتحدث العسكري في بيان له. لكن اللافت هنا أن هذه السلسلة بدأت كصيدلية واحدة منذ عامين، فلم يكد يمر عامان إلا وقد تحولت (بقدرة قادر) إلى سلسلة من مئة صيدلية، ولا تسأل كيف هذا، فملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب/ الله يعطي من يشاء فقف على حد الأدب!

خبر جريدة الوطن"

الرد بأن محمد ناصر ليس إخوانياً، وأن قناة "مكملين" ليست قناة الإخوان، هو كلام لا قيمة له، فالحكم العسكري في مصر اتهم شيوعيين يعرفهم الجميع بشيوعيتهم بأنهم إخوان، ويُعد من إضاعة الوقت الاستغراق في نفي هذا الاتهام.

لا بأس، فمكملين هي محطة الإخوان، وناصر هو المرشد العام للجماعة، فما صح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل!

اعتقدت في البداية أنه عندما تم الإعلان عن أن "عمرو أديب" سيستضيف "محمود السيسي"، اعتقد "إعلام الإخوان" أنه "نجل عبد الفتاح"، قبل أن يقول لهم "عمرو": "بصرة"، وهو أمر قد نتقبله إذا علمنا أن كلاماً حول نجل قائد الانقلاب العسكري أثاره الناشط السيناوي "مسعد أبو الفجر"، فيتم افتعال هذا الموقف لنسف كل ما قيل عنه، وإذا حدث هذا فلا تكون هناك مشكلة لو أعتقد "ناصر" أن المقصود به هو نجل والي مصر، ليتين بعد ذلك أنه "محمود آخر" وسيسي آخر"، وهل يجوز مثلاً أن يتم الإعلان عن استضافة "انتصار" في هذه الأجواء لنجد على الشاشة الفنانة "انتصار"!

عذراً، فلست من الذين يستهويهم الحديث عن الزوجات، ولو كن زوجات الرؤساء، لكن هذا من باب ذكر مثال لا أكثر!

 

الترويج لضيف عمرو أديب لم يكن مبنيا للمجهول، فقد نشرت جريدة "الوطن"، التي تدار من قبل الأجهزة الأمنية في مصر، الخبر في البداية على هذا النحو: " في أول ظهور.. نجل الرئيس السيسي ضيف عمرو أديب بعد قليل"، ثم قامت بتغيير العنوان

الحقيقة التي وقفت عليها بعد ذلك، أن الترويج لضيف عمرو أديب لم يكن مبنيا للمجهول، فقد نشرت جريدة "الوطن"، التي تدار من قبل الأجهزة الأمنية في مصر، الخبر في البداية على هذا النحو: " في أول ظهور.. نجل الرئيس السيسي ضيف عمرو أديب بعد قليل"، ثم قامت بتغيير العنوان بعد أن أدى الغرض منه إلى "محمود السيسي ضيف عمرو أديب بعد قليل".

لاحظ أنه في النشر الأول تم التحديد بأنه نجل (الرئيس) السيسي، وبعد التعديل لم يتم تحديد صفته وتم الاكتفاء باسمه "محمود السيسي"، فأين "التعليم" هنا على "قفا الإخوان"؟!.. والموضوع برمته يمثل جريمة نشر، تسيء للإعلام المصري، حيث يمثل ما حدث أداء هابطاً بمعايير مهنة الصحافة، وينتمي لصحافة الإثارة، فمن تم "التعليم" على "قفاه"، عندما يكون هذا الإعلام محسوبا على من يحكم مصر، ويجري استباحة اسم نجل الحاكم على هذا النحو، والأصل أنه يشغل وظيفة مرموقة بعيداً عن الوضع الوظيفي لوالده؟!

الغش والتدليس:

إن النشر الثاني يُدخل على المشاهد الغش والتدليس، والنشر الأول يمثل إهانة للمشاهد، تستدعي تدخل الجهات المسؤولة عن الإعلام فتقضي بوقف البرنامج، كما تستدعي تدخل نقابة الصحفيين فتحيل المذيع إلى لجنة التأديب بها تمهيداً لتوقيع العقوبة المناسبة عليه، وتستوجب تدخل نقابة الإعلاميين فتمنعه من ممارسة مهنة التقديم التلفزيوني، باعتباره (بما فعل) دخيلا عليها!

 

 

كيف يصمت نجل السيسي على هذه الاستباحة لاسمه؟ ليكون السؤال الأهم: هل تمت الاستباحة من وراء ظهره، ومن وراء ظهر أهل الحكم؟ وإذا كان عمرو أديب لا يمكنه هذا إلا بإذن، أو بتوجيه، فما هو الدافع له؟!

ثم كيف يصمت نجل السيسي على هذه الاستباحة لاسمه؟ ليكون السؤال الأهم: هل تمت الاستباحة من وراء ظهره، ومن وراء ظهر أهل الحكم؟ وإذا كان عمرو أديب لا يمكنه هذا إلا بإذن، أو بتوجيه، فما هو الدافع له؟!

تحضرني هنا قصة قيام رئيس تحرير صحيفة، من صحف بئر السلم، بكتابة مقال يتقرب فيه إلى نجل مبارك بالنوافل قبل الثورة، وكان عنوانه: "جمال مبارك حقه مهضوم"، تقوم فكرته على أن حرمان جمال مبارك من الترشح للانتخابات الرئاسية لمجرد أنه ابن الرئيس؛ فيه جناية على حق من حقوقه الدستورية.

وكان في البلد من يدركون خطورة هذه الاستباحة بدون إذن، فكان من موضوعات النشر القليلة التي تدخلت فيها المخابرات العامة، واستدعت الكاتب، الذي لم تروّعه طريقتها التقليدية، وتتمثل في تركه في قاعة كبيرة، بها أبواب من كل جانب لفترة طويلة، قبل أن يدخل عليه الضابط المختص ويأمره بعدم العودة للكتابة مرة أخرى عن السيد جمال مبارك، لكنه في الأسبوع التالي كتب: "نعم جمال مبارك حقه مهضوم"، مما استدعى تدخل وزير الإعلام صفوت الشريف ليأمره بالتوقف!

ولم تكن ثمة إساءة لنجل الرئيس مبارك في المقالين، فقد كانا وصلة نفاق لشخصه، لكن دولة مبارك وجدت في ذلك تجرؤا على ذكر اسمه، ما دام الأمر تم بدون توجيه، أو موافقة مسبقة، وإقرار الحق في التمجيد سيجعل هناك من ينتزع الحق في النقد!

فهل يعاني نظام السيسي أزمة دفعته لهذا التفريط، أخذاً بقاعدة أخف الضررين؟!

يا لها من صفعة، لكنها ليست على قفا الإخوان!