كتب

دراسة استراتيجية: إسرائيل نجحت في منع قيام ثورة سورية وطنية

كتاب بحثي يسلط الضوء على الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية- (عربي21)

أكدت دراسة بحثية استراتيجية، أن إسرائيل وإن تمكنت من منع نجاح ثورة وطنية سورية غير مرتهنة للخارج، فإنها فشلت من جهة أخرى في منع تسليح إيران وحزب الله، والسيطرة بشكل كامل على الوضع الأمني في سوريا.

ورأت الدراسة، التي نشرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، حول "الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية"، أن "إسرائيل" كانت في وضع استراتيجي مريح جراء استمرار الصراع في سوريا بما يدمر الدولة المركزية والجيش المركزي، دون أن تحلّ مكانه قوة ثورية مركزية فاعلة، وبما يسمح بنشوء مليشيات وقوى طائفية وعرقية تسيطر على مساحات جغرافية محددة في ظلّ سلطة مركزية ضعيفة.

وقد سلطت الدراسة، التي أعدها الباحث باسم جلال القاسم، وحصلت "عربي21" على نسخة منها، الضوء على الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية من خلال: رصد تطورات الأزمة السورية وانعكاساتها على الأمن القومي الإسرائيلي، وتناول الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحديات والتهديدات في الساحة السورية، وإماطة اللثام عن الطريقة التي أدارت بها "إسرائيل" العلاقات مع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية.
 
وأوضحت الدراسة، أن "سياسة الإدارة الأمريكية بدت متماهية مع المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية، على الرغم من ادعاءات إسرائيل أن سياسات واشنطن لم تكن وفق تطلعات تل أبيب". 

وقالت: "قامت الإدارة الأمريكية من ناحية أولى بدعم قوى المعارضة في المطالبة بإسقاط الأسد، وغضت الطرف عن تسليح المعارضة وقيامها بالسيطرة على أجزاء من سوريا، ووضع النظام في مرحلة صعبة، لكنها لم تسمح إطلاقاً بتسليح المعارضة بأسلحة نوعية تؤدي لهزيمة النظام أو لإسقاطه، ومنعت الدول الداعمة للمعارضة (كقطر والسعودية وتركيا) من توفير هذا السلاح، حتى لو توفر التمويل اللازم لذلك".

سياسة إطالة أمد الصراع

كما أشارت الدراسة إلى أن "أمريكا سكتت من ناحية ثانية عن التدخل الإقليمي لدعم النظام السوري (إيران وحزب الله…)، وغضت الطرف عن تدفق السلاح والمقاتلين الداعمين للنظام بحيث يتمكن النظام من البقاء، وأخذ زمام المبادرة والتوسع؛ ثم يتبع ذلك سماح أمريكا بتدفق السلاح للمعارضة لاسترداد المواقع التي خسرتها… بحيث تتواصل حالة الشعور لدى كلا الطرفين بإمكانية الانتصار والحسم العسكري للمعركة، وبالتالي تستمر عملية التدمير والقتل والإنهاك المتبادل. وهذا مشهد بات مألوفاً ومتكرراً في الحالة السورية".

وساعد سياسة إطالة أمد الصراع، وفق الدراسة، على تدفيع أثمان سياسية وعسكرية واقتصادية لمعظم الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية؛ خصوصاً إيران وحزب الله، كما أدى إلى حرف أنظار الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي عن القضية الفلسطينية. 

كما أن انخراط قوى دولية وإقليمية بصورة فاعلة في مسار الأحداث؛ أدى إلى وجود مقيدات سياسية وعسكرية، حدت من النشاطات الإسرائيلية في الساحة السورية، خصوصاً مع دخول العامل الروسي.

خطوط حُمر

وذكرت الدراسة أن "إسرائيل وضعت خطوطاً حمراً في ما يتعلق بالأنشطة العسكرية لإيران وحزب الله في سوريا، وركزت أنشطتها العسكرية في تثبيت وترسيخ هذه الخطوط، من خلال العمليات العسكرية المباشرة التي شنّها سلاح الجو الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، مستفيدة من غض الطرف الروسي عن هذه الأنشطة، خصوصاً في الفترة التي تلت التدخل الروسي المباشر في 30 أيلول (سبتمبر) 2015 إلى ما قبل حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 17 أيلول (سبتمبر) 2018".

ورأت الدراسة أن "التدخل الروسي أنقذ النظام السوري من حالة تراجع متسارعة شهدها في ربيع وصيف 2015... وبالتالي أدى إلى العودة إلى حالة النزيف المتبادل بين الجانبين، التي يرغب الأمريكان باستمرارها". 

كما أن "التدخل الروسي أضعف من النفوذ الإيراني على النظام السوري وعلى مجريات الأحداث، وإن بدا وكأنه تخفيف للعبء الإيراني في سوريا. بالإضافة إلى أن هذا التدخل خدم الأمريكان ضمناً، لأنه أسهم في توسيع حالة الغضب والعداء ضدّ الروس لدى معظم شعوب المنطقة". 

 

إسرائيل وضعت خطوطاً حمراً فيما يتعلق بالأنشطة العسكرية لإيران وحزب الله في سوريا، وركزت أنشطتها العسكرية في تثبيت وترسيخ هذه الخطوط


وأكدت الدراسة أن "التفاهم الأمريكي مع الروس بشأن مستقبل سورية وفق ترتيبات استراتيجية وبراجماتية بين الطرفين، بحيث يحصل الروس على نصيب مقبول من الأمريكان من الكعكة، يظل أسهل بالنسبة للأمريكان من التفاهم المباشر مع الإيرانيين أو النظام السوري".

وفي ظل هذا الصراع الإقليمي والدولي المحموم، رأت الدراسة، أنه "مع إعادة سيطرة النظام السوري، بدعم من حلفائه، على مناطق شاسعة من الأراضي التي خسرها خلال السنوات التي تلت اندلاع الأحداث، وجدت إسرائيل نفسها أمام واقع استراتيجي جديد، فرض تحديات جديدة على الكيان، ووضعها أمام متطلبات عملية لتحسين وضعها الاستراتيجي؛ فقامت ببناء منظومة العلاقات الاستراتيجية الناشئة مع روسيا، وذلك وفق مبدأ المصالح الأمنية والاستراتيجية المشتركة، كما حاولت الضغط على الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، من أجل تبني سياسات أكثر حزماً تجاه الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، من أجل تأمين المصالح الأمنية الإسرائيلية، خصوصاً خلال المرحلة الانتقالية بعد انتهاء الصراع".

 

التدخل الروسي أضعف من النفوذ الإيراني على النظام السوري وعلى مجريات الأحداث، وإن بدا وكأنه تخفيف للعبء الإيراني في سوريا


وحول أهم ملامح الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأزمة السورية، قالت الدراسة بأن "تل أبيب ركزت في بداية الأزمة، على إطالة أمد الصراع بين الأطراف لإنهاكها واستنزافها، مع عدم السماح لقوى المعارضة الثورية الإسلامية المعادية لـ"إسرائيل" بالسيطرة على البلاد، مع الارتياح لبعض فصائل المعارضة التي من الممكن أن تقيم علاقات مستقبلية مع الكيان في حال انتصارها".

وتتعامل إسرائيل مع عودة سيطرة النظام على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وفق نظرية الردع والمنع الإسرائيليتين، ووفق مفهوم الحرب الوقائية والحرب الاستباقية، على الحدّ من نفوذ إيران وحزب الله في سوريا، من خلال منع أو إفشال التموضع العسكري هناك، بالإضافة إلى منع وصول الأسلحة النوعية إلى مخازن حزب الله في لبنان. 

لكن هذه الاستراتيجية واجهت عقبات عدة، منها ما يتعلق بقدرة هذه الأطراف (إيران وحزب الله) على التكيف مع الوقت، والقدرة على التعامل مع الخطط والأنشطة العسكرية الإسرائيلية، على الرغم من تكبدها خسائر فادحة في العتاد والأرواح، أو بمعنى آخر مدى قدرة تأثير الفواعل الإسرائيلية على هذه الأطراف، ومنها ما يتعلق بالرؤية الدولية والإقليمية للصراع ومدى التوافق أو التعارض مع الرؤية الإسرائيلية؛ ما شكّل كوابح ومقيدات في كثيرة من الأحيان.

 

يكمن التحدي الجديد أمام "إسرائيل" وجيشها في حالة الاستنزاف التي تعيشها أمام عدة جبهات عسكرية قتالية في وقت واحد


وحسب الدراسة فإن "بعض الأهداف الإسرائيلية قد تحققت في سوريا، خصوصاً فيما يتعلق بمنع نجاح ثورة سورية وطنية، غير مرتهنة للخارج، وتضع الكيان الصهيوني على رأس قائمة أعدائها. وفيما يتعلق بمنع تمركز إيران وحزب الله في سوريا وانتقال الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في لبنان، وفق استراتيجية المنع، فهذا الهدف، على ما يبدو، لم يتحقق بالشكل الذي كانت تريده "إسرائيل"، على الرغم من تصاعد وتيرة الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع العسكرية لحزب الله وإيران في سوريا، وكذلك فيما يتعلق باستهداف القوافل العسكرية، التي تزعم "إسرائيل" أنها تنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان".

ويكمن التحدي الجديد أمام "إسرائيل" وجيشها في حالة الاستنزاف التي تعيشها أمام عدة جبهات عسكرية قتالية في وقت واحد، لأن بناء منظومة عسكرية معادية محيطة بـ"إسرائيل"، تشمل القوات التابعة لإيران وحزب الله في سوريا ولبنان، والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، تشكل استنزافاً عسكرياً وقتالياً متلاحقاً لـ"إسرائيل"، يجعلها مطالبة باحتوائها، وعدم التسبب بإنجاحها. وبات على الجيش الإسرائيلي الاستعداد لشن حروب ومواجهات تشمل عدة جبهات في آن واحد.

وخلصت الدراسة إلى أن الاهتمام الإسرائيلي سيبقى موجهاً نحو مخرجات المرحلة الانتقالية من الأزمة السورية، والتي ستشهد صراع إرادات من كافة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة على الساحة السورية، في محاولة لحصد المكاسب، ولا يغيب ذلك عن أعين القيادة الإسرائيلية التي ستحاول توظيف كافة الإمكانات والعلاقات للحصول على بعض المكاسب، أو على الأقل لمنع تأثيرات الواقع الجديد على الأمن القومي الإسرائيلي؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتمركز الاستراتيجي لإيران وحزب الله في سوريا.

يذكر أن التقدير الاستراتيجي، الذي يصدره مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت، هو تقدير دوري يتميز بكثافة مادته وتركيزها، ويحاول دراسة حدث أو قضية معينة، والنظر في مساراتها المستقبلية، مع ترجيح السيناريو الأقوى، ثم تقديم الاقتراحات للتعامل معه بالشكل الأفضل.

وعادة ما تتناول مواضيع التقدير، الشأن الفلسطيني وما يتعلق بذلك من أبعاد عربية وإسلامية ودولية، بالإضافة إلى اهتمامه بالخطوط الأخرى التي تدخل ضمن عمل المركز.