كتاب عربي 21

عملية تحرير السيسي!

1300x600
عندما جرى اختطافه، تم استدعاء قوات الاحتياط لتعمل على تحريره، فتحولت الأبواق والأذرع الإعلامية للانقلاب العسكري إلى قوات كوماندوز، قامت بعملية إنزال بهدف انتشال السيسي وتحريره!

عقب عملية الإنزال كان تحرك هذه القوات بدون وعي، ليتم اختزال المشكلة في أن محمد علي لص، قام بالسطو على مال شقيقه المتوفى. وتراوحت الاتهامات بين كونه ملحدا، وكونه منتمياً لجماعة الإخوان، وبين أنه عميل للمخابرات التركية والقطرية، ورميه بالعمالة للمخابرات الإسبانية والإسرائيلية. كما تم اختزال المشكلة في حرمان بعض المستحقين من بطاقات التموين، وعليه فقد عبّر عبد الفتاح السيسي عن أنه يتفهم هذا، وأنه يتابع بنفسه الإجراءات التي كانت سبباً في تأثر المستحقين سلباً، لحرمانهم من هذا الحق!

واختزلت المشكلة السياسية في الحديث عن إصلاحات سياسية، تم الدفع بياسر رزق (كليم السيسي) للتبشير بها، في مقابلة تلفزيونية قال إنها ستتم في عام 2020، أي بعد الانتخابات البرلمانية، دون تحديد معالم هذه الإصلاحات، وعندما لم تؤثر الرسالة في الناس، جاء من جديد وفي مقابلة أخرى، ليتحدث عن إصلاح سياسي على الأبواب، لم يحدد معالمه كما لم يحدد موعده، وأبدى أسفه لاعتقال من ينتمون لمعسكر 30 يونيو. وفي صباح اليوم التالي، كان اعتقال أحد الذين ينتمون لهذا المعسكر، وهو الناشط السياسي علاء عبد الفتاح!

محاولة فاشلة:

وكأن الأزمة التي أحدثها الفنان والمقاول محمد علي يمكن حلها في الإفراج عن بعض المعتقلين من قوى 30 يونيو، أو أنها بسبب اعتقالهم، أو أنها يمكن أن تحل بإعادة تسليم البطاقات التموينية لبعض المستحقين الذي جرى حذف أسمائهم، أو أنها تحل بحوار يجريه عبد الفتاح السيسي مع المعارضة الرسمية، ينتهي بتعيين بعضهم في المجالس النيابية! الأمر الذي يؤكد أننا حيال محاولة إنزال فاشلة، لن تتمكن من تحرير السيسي وإن اعتمدت النصب والتلفيق، كما يفعل بعض الإعلاميين، تنفيذاً لخطط أمنية فاشلة، مثل القبض على بعض السائحين وتصويرهم على أنهم جزء من مؤامرة كونية تستهدف الإطاحة بعبد الفتاح السيسي، بالمشاركة في المظاهرات ضده!

وكأن الأزمة في الحكومة، حتى يتم الترويج لأخبار عن تعديل وزاري وشيك، وحركة تغييرات واسعة في المحافظين، فتحل الأزمة، وتتوقف الدعوة للتظاهر ومطالبة السيسي بالرحيل!

إنه العبث بشحمه ولحمه، ذلك بأن الأزمة كما حددها المقاول والفنان محمد علي؛ هي في شخص عبد الفتاح السيسي، وأن عملية الإفقار بسبب سوء إدارته للدولة المصرية؛ تتجاوز فكرة استبعاد بعض الأسماء من الحق في الحصول على سلع تموينية شبه مدعومة، أو حتى في إنقاص أسعار المحروقات قليلاً.

قنبلة محمد علي التي فجرها في وجه أهل الحكم، تتمثل في إهدار موارد الدولة المصرية على بناء قصور رئاسية، تكلفت المليارات بدون ضرورة أو بدون الحاجة إلى ذلك، ومن الإسكندرية، إلى القاهرة، إلى العلمين، انتهاء بالعاصمة الإدارية الجديدة. وإن كان السيسي قد اعترف بذلك، فقد أكد أن الأمر ليس له نهاية، فهو بنى وسيبني، بحجة أن مصر دولة كبيرة. فمن أعطاه الحق في أن يبني قصورا رئاسية في دولة فيها ثلاثين قصراً، ولم يقم أحد من رؤساء مصر السابقين ببناء قصور جديدة، ولم يهبط هذا من قيمة مصر؟ فقد قال السيسي في دفاعه: إن مصر بلد كبير. وبعيداً عن أن هذا يتناقض مع مقولاته السابقة من أنها شبه دولة، وأنها بلد العوز والفقر الذي يجب على أبنائها التبرع لها ولو بجنيه، فلا نعرف من قال له إن قيمة الدول تستمدها من وجود أكبر عدد من القصور الرئاسية؟!

الانتشال من الورطة:

وإذ ظهر للعيان تهافت دفاع السيسي عن نفسه، فقد تدخلت قوات الكوماندوز لانتشاله من هذه الورطة، فاختزل أحدهم كل ما قاله محمد علي عن القصور في قصر واحد هو المنتزه، فقال إنه أعيد تجهيزه قبل سنة 2011، بينما قال آخر إنهم اضطروا إلى إعادة بنائه في سنة 2017 بعد تعرض السيسي لمحاولة اغتيال، وكأن هذا مبرر ليكلف قصرا في بلاد العوز إلى قرابة النصف مليار جنيه، ليبيت فيه ليلة واحدة!

وإذا سلمنا بصحة الروايتين، الأولى للقاضي خالد محجوب رئيس اللجنة المشرفة على جرد القصور الرئاسية بعد الثورة، والثانية لعمرو أديب، فهل يعني هذا أن قصر المنتزه أعيد ترميمه قبل 2011، ومع هذا تم هدمه وإعادة بنائه من جديد في سنة 2017؟!

لقد اختزل أحد قوات الكوماندوز (عبد الحليم قنديل) موضوع القصور الرئاسية في قصر وحيد هو قصر العاصمة الإدارية الجديدة، وعاد وزاد، ولت وفت في أنه كيف لا يكون في هذه العاصمة قصرا للحكم، فمن أين سيحكم السيسي بعد انتقاله إلى هناك؟ مع أن محمد علي لم يتطرق لهذا القصر في حديثه، والذي تبين أنه يعادل في مساحته عشرة أمثال مساحة البيت الأبيض. فقصر هذا للحكم أم متحف لتخليد روحه ولسكنه بعد البعث والنشور، بحسب استعداد قدماء المصريين من ملوك الفراعنة لهذه العودة الميمونة للحياة؟!

إن حديث محمد علي يدور حول قصور أخرى ذكرها، وهي التي قامت شركته (أملاك) ببنائها، ومن الزيتون، إلى الهايكستب، إلى المنتزه، فضلاً عن قصر العلمين، ولم يذكر قصوراً أخرى علمها عند ربي، قامت بها شركات أخرى. ولا يجوز هنا الدفع بأنها مملوكة لمصريين، فما هو وجه الاستفادة من القصور القائمة للمصريين، وهناك دعوة قديمة بالتصرف في كل هذا العدد من القصور لعدم الحاجة إليه، ومن يحدد لمصر أولوياتها؟ ولماذا كانت هذه القصور تتم في السر، حتى يعتبر نشر صورة لقصر من الأمور المزعجة للحكم؟!

لقد تحدث محمد علي عن واقعة تعميد شركته الطريق لمقابر عائلة السيسي التي سيمر منها لتشييع جثمان والدته بما يليق بإمبراطور، ولم ينكر السيسي نفسه هذا، وإن كان قد فكر في أن ينفي أن الإنفاق تم من ميزانية الدولة، فقد تراجع عندما وجد أن المبلغ المصروف أكبر من أن يدعي ملكيته له (مليونين و300 ألف جنيه)، ولو صرف إنسان هذا المبلغ من ماله الخاص على عمل كهذا، لكان من حق الورثة أن يحجروا عليه، وأن يمنعوه من التصرف مع أنه يتصرف في ماله الخاص!

قصة الفندق:

ثم أين هو الرد على بناء فندق بتكلفة ملياري جنيه، بدون دراسة جدوى، وبدون معنى، وفي منطقة لا يقبل عليها سائح عاقل، إلا إذا كان الأمر مجاملة للجنرال صديق السيسي، ففي بلد العوز والفقر، تكون المجاملة من قبل السيسي لأصدقائه بالمليارات!

لقد تطوع واحد من فريق الإنزال، وقال إنه فندق خاص بضيوف القوات المسلحة من الدول الأجنبية، وكأن مصر لم تكن تستقبل قبل هذا عسكريين أجانب.. والفنادق في مصر كثيرة، وفنادق القوات المسلحة ونواديها تتسع لأي عدد من الضيوف. وما هي المشكلة في اختلاط العسكريين الأجانب بالعامة في الفنادق السياحية؟!

ومهما يكن، فقد قمت عبر موقع بوكينج بالحجز في هذا الفندق، الذي وجدته مفتوحا للجميع وليس قاصرا على العسكريين، وخريطته موجودة وليس منطقة عسكرية يُمنع الاقتراب منها والتصوير!

وعموما، فمن الواضح أنه تطوع بالدفاع بدون اتفاق مسبق، فأوقع القوم في حرج فقاموا بوقف برنامجه التلفزيوني، أقصد بذلك مصطفى بكري!

دولة أم شركة مقاولات؟

إن مما ذكره محمد علي، وكان على درجة من الأهمية، هو هيمنة جهاز المشروعات بالقوات المسلحة على أعمال البناء والتشييد والمقاولات في طول البلد وعرضه، وفي عمليات يحصل عليها بالأمر المباشر، ويسندها لشركات عدد من الأفراد المحظوظين أيضاً بالأمر المباشر، ليكون ما تحصل عليه هو من باب الجباية بقوة السلطة، وهو ما يفسر كيف تحوّل مجمل الإنجاز في مصر، إلى بناء الطرق والكباري. وإذا كان مبارك اعتمد على الاقتصاديين لرئاسة الحكومة، فقد اعتمد السيسي على من لهم علاقة بهذا القطاع، فكان إبراهيم محلب رئيس شركة المقاولين العرب، ومصطفى مدبولي القادم من وزارة الإسكان، والحاصل على شهاداته الجامعية في الهندسة المعمارية.. فدولة هذه أم شركة مقاولات؟!

ومن المؤسف أن تكون هذه الهيمنة من دولة فيها شركات عملاقة في مجال المقاولات، مثل شركة مختار إبراهيم، وشركة المقاولون العرب صاحبة الأيادي البيضاء في البناء والتشييد بدول كثيرة، ويمثل اسمها وحده علامة على الامتياز والجدية.. فمن أنتم؟!

الحقيقة أننا أمام عملية تحرير فاشلة لعبد الفتاح السيسي، وإن أعاد كل البطاقات التموينية المسحوبة لأصحابها، وإن أعاد تشكيل الحكومة من جديد!

لقد فشلت عملية الإنزال، ولا أمل إلا بالتضحية بالجنين، من أجل حياة الأم!