قضايا وآراء

تجديد فكر الإخوان المسلمين: القوة والثورة (6)

1300x600

يقول الإمام البنا: "أما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها، وإن كانوا يصارحون كل حكومة في مصر بأن الحال إذا دامت على هذا المنوال ولم يفكر أولو الأمر في إصلاح عاجل وعلاج سريع لهذا المشاكل، فسيؤدي ذلك حتما إلى ثورة ليست من عمل الإخوان المسلمين ولا من دعوتهم، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال، وإهمال مرافق الإصلاح".

غيرت الجماعة وجهة نظرها في الثورة، فساند الإخوان في مصر ثورة 1952، ثم انقلب عليهم عبد الناصر. وحاول الإخوان في مصر قبل ثورة يناير القيام عدة مظاهرات محدودة لم تلق الظهير الشعبي الذي راهنت عليه الجماعة، وقوبلت باعتقالات وتضييق أمني واسع، وكان سقف مطالبها إصلاحات وليس تغيير النظام.

إبان الربيع العربي شاركت الجماعة في مصر على وجه التحديد في دعم الثورة، وعززت صمود جموع الشعب.

ثم تغيرت وجهة نظر الإخوان إلى الثورة من كونها وسيلة لتغيير نظام فاسد فحسب، إلى وسيلة لتحقيق التمكين للإسلام الذي نادت به الجماعة لعقود، ومن ثم لم تتوان في حصد أغلبية برلمانية في مصر وتونس، ثم تطورت إلى سدة الحكم في مصر.

من الناحية الفكرية، كانت هذه قفزات سريعة هضمها جموع الإخوان في مصر تحت نشوة النصر.

أما في تونس فقد اعتمدت الجماعة مبدأ المراوغة السياسية لتجنب الصدام، وبدأت بتقديم تنازلات سياسية سرعان ما تطورت إلى تنازلات فكرية، ولحقها اختزال الجماعة في حزب سياسي، وانتهت بتنازلات شرعية ما زال الإخوان في تونس لم يستوعبوها بعد.

في ظني أنه يجب على الجماعة أن تري الثورة استحقاقا وطنيا تتبنى فيه الجماعة خيار الشعب حين يثور في وجه الحاكم الظالم الغاصب للسلطة. وفي تبني هكذا خيار تكون الجماعة كتفا إلى كتف في جانب الشعب وليست بديلا عنه. وحين يشارك الإخوان في أي ثورة فهم لا يقودونها بالضرورة، ولا يهدفون من ورائها لتحقيق اية مصالح شخصية او حزبية ضيقة، بل يكون هدفهم رفع الظلم وتحقيق العدل، ودعم خيار الشعب الحر وترشيده ما أمكن دون تنافسية ولا إملاءات.

كما يجب على الجماعة ألا تجبر الناس على الحرية مكرهين إذا استمرأوا العبودية، ولا تؤزهم عنوة إلى محراب الكرامة إذا استلذوا المهانة؛ لأنهم حينها سيكونون أول المقاومين لتغيير ما اعتادوا عليه.

هناك فرق بين مؤازرة ثورة شعبية عارمة، وأن تخرج أنت ومناصروك وحدكم لتحقيق مطالب شعبية حتى لو كان مناصروك بالملايين!!!

في المقابل، يجب ألا تكون القرارات التنظيمية مخالفة للقواعد الشرعية ومنافية للطبيعة البشرية.

لقد أمرنا شرعا أن نتجب دخول أماكن فيها الطاعون، ليس خوفا من قدر الله ولكن حفاظا على أرواح أمرنا الله بالحفاظ عليها، أو كما قال عمر بن الخطاب: "نفر من قدر الله إلى قدر الله".

حين تأمر أعضاء جماعتك بالخروج في مظاهرات سلمية بصدور عارية ويقتلون بالرصاص مرة واثنين وعشرة دون جدوى، فهذا فهم خاطئ، والخروج في وجه دبابة في نظري انتحار.

 

إذا اتخذت نهجا شرعيا بعدم اللجوء للعنف، فلا تضع أبناءك وبناتك في موقع المضطر الذي لا يجد فيه ملجأ من العنف إلا إليه.