ملفات وتقارير

قضاة الجزائر يتمردون على وزير العدل.. هل يتدخل بن صالح؟

تشهد المحاكم الجزائرية حالة شلل غير مسبوقة إثر الإضراب الذي دعت إليه النقابة الوطنية للقضاة- جيتي

تشهد المحاكم الجزائرية حالة شلل غير مسبوقة، إثر الإضراب الذي دعت إليه النقابة الوطنية للقضاة، احتجاجا على قيام وزير العدل بحركة تحويلات واسعة شملت نصف القضاة العاملين في البلاد.


وتطور هذا الصدام بين الوزير والقضاة، لما يشبه حربا مفتوحة هدّد فيها الأول بتطبيق القانون الذي يمنع على القضاة الإضراب بينما تمسك الطرف الثاني بموقفه، مستثنيا فقط خدمات الحدّ الأدنى من الإضراب.


وفي موقف لم يكن واردا على الإطلاق، تدخل المجلس الأعلى للقضاء باعتباره أعلى سلطة قضائية في البلاد في القضية، منحازا إلى صف القضاة ضد الوزير، ومُعلنا تجميد حركة التنقلات.


لكن الوزير لم يستسلم لما أعلنه المجلس الأعلى للقضاء، واعتبر أن البيان المنسوب له الذي تضمن الإعلان عن تجميد نتائج الحركة السنوية للقضاة "غير قانوني وغير شرعي".


واعتبر الوزير في بيان له، أن ما بدر عن المجلس الأعلى للقضاء، يعتبر مساسا بصلاحيات وسلطات رئيس الدولة بوصفه رئيس المجلس الأعلى القضاء ونائبه وزير العدل اللذين يحوزان دون سواهما صلاحيات استدعاء المجلس الأعلى للقضاء.


وأوضحت الوزارة أن ما أقره المجلس الأعلى للقضاء، هو بدون قيمة أو آثار قانونية كون الاجتماع انعقد في مكان غير معلوم وخارج المقر القانوني للمجلس مع غياب أغلبية أعضائه.

 

اقرأ أيضا: كيف يبدو المشهد قبيل إغلاق باب الترشح لانتخابات الجزائر؟

ويعود احتجاج نقابة القضاة على الوزير، إلى كونه تصرف بشكل منفرد في مصير 3000 قاضي قام بتحويلهم من أماكن عملهم في وقت قياسي لا يتعدى الساعة من الزمن ودون العودة إلى المجلس الأعلى للقضاء.


واتهمت النقابة الوزير بالتعالي في تصرفه مع القضاة وباستغلال هذه الحركة في سلك القضاة لمحاولة إيهام الرأي العام بأنه يحارب الفساد، في حين أن ما قام به، يكرس حسبها، هيمنة الجهاز التنفيذي على دواليب السلطة في الجزائر.


ورفض الوزير الذي يحرص كثيرا على صورته في الإعلام، هذه الاتهامات، مُحذّرا من أن القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاة يمنع على القاضي المشاركة في أي إضراب أو التحريض عليه.


"تركيبة القضاء"


وحول الرأي القانوني في هذه القضية التي تشغل كثيرا الرأي العام في الجزائر، قال القاضي السابق عبد الله هبول، إنه لا بدّ في البداية من معرفة تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، الذي يتكون من 22 عضوا، هم رئيس الجمهورية الذي يرأسه ووزير العدل الذي ينوبه ورئيس المحكمة العليا والنائب العام لدى المحكمة العليا و6 شخصيات خارج قطاع العدالة و12 قاضيا نصفهم قضاة حكم والبقية يمثلون النيابة.


وأوضح هبول في تصريح لـ"عربي21"، أن المجلس الأعلى للقضاء من بين مهامه تسيير المسار المهني للقضاة ويتم اتخاذ القرار فيه عن طريق الاجتماع والتداول. لكن في القضية الحالية، تشير المادة 19 من قانون المجلس الأعلى للقضاء بوضوح، حسبه، إلى أن المكلف بتنفيذ قرارات المجلس هي وزارة العدل باعتبارها الجهة التنفيذية. 


وعلى هذا الأساس، قال هبول إن المجلس الأعلى للقضاء ليس من صلاحياته تجميد الحركة التي تم إقرارها في اجتماع رسمي له، مشيرا إلى أن وزير العدل لا يخوله القانون بدوره صلاحية وقف الحركة بعد أن باشر تنفيذها.


ولفت القاضي السابق إلى أن هذه الأزمة اليوم أصبح من غير الممكن حلّها عبر الاجتهادات القانونية، ما يتطلب قرارا سياسيا ممن يمتلك السلطة وهو في هذه الحالة رئيس الدولة الذي يعتبر قانونا رئيس المجلس الأعلى للقضاء.

 

ويبرر القضاة موقفهم الرافض لحركة التحويلات، وفق ما ذكر بعضهم لـ"عربي21"، بكون القرار تزامن مع الدخول الاجتماعي، ما أضر كثيرا بهم من الناحية الاجتماعية كون لديهم أولاد يدرسون ولا يمكن نقلهم في منتصف السنة. كما أن هناك بعض الحالات يشتغل فيها الزوج وزوجته في سلك القضاء ولم يُراع ذلك خلال الحركة.

 

اقرأ أيضا: هل توقف دعوات الإضراب العام بالجزائر قطار الانتخابات؟

 

"تأويلات"


وسريعا، ظهرت تأويلات مُصاحبة لقرار القضاة بالإضراب، تشير إلى خلفيات سياسية وراء هذا الصدام مع وزير العدل، هدفها عرقلة الانتخابات ومنع الوزير من تطهير القطاع من الفساد.


ويُحاول وزير العدل الذي اشتغل لسنوات نائبا عاما في العاصمة، منذ اعتلائه المنصب قبل أشهر، الظهور بمظهر الحازم ضد كل أشكال الفساد في القطاع، مُرددا خطابا سياسيا مفاده أن العدالة تحررت من كل أشكال الضغوط.

غير أن هناك من يرى أن القضية لا تحمل أبعادا سياسية، بدليل تعقيب القضاة على الوزير وتأكيد أنهم لن يقاطعوا الانتخابات الرئاسية رغم إضرابهم، ما يؤكد أنهم ضمن نفس التوجه السياسي للسلطة.

 


"صراع شخصي"


وقال المحامي والحقوقي المدافع عن سجناء الرأي في الجزائر، عبد الغني بادي، إن موقف نقابة القضاة ارتبط بشكل كبير بشخص الوزير وهذا ما جاء واضحا من خلال احدى بياناتهم التي اتهموه فيها بالتعالي في التعامل والنرجسية المرضية، ما يشير، حسبه، إلى أن الصراع شخصي.


وأوضح بادي في تصريح لـ"عربي 21"، أن "قرار التحويلات الواسعة هو ما فتح جبهة الصراع المباشر بين النقابة والوزير حتى لا نقول الوزارة، وبالتالي لا دوافع سياسية واضحة في الموضوع".


وتابع بادي أن ربط استقلالية القضاء بمطالب اجتماعية تضعف الموقف بصراحة، فالاستقلالية مطلب منفصل لا يمكن ان يدرج أو يضم لأي مطلب شخصي مهني يتعلق بالتحويل او الامتيازات المادية.
عامل الوقت


وعموما، لم يلق موقف القضاة على الرغم من كونه سابقة، تعاطفا كبيرا في البلاد، بسبب أن كثيرا من الجزائريين يُحملون القضاة مسؤولية الخضوع لأوامر السلطة في الزج بالعشرات من نشطاء الحراك في السجون.


ولفت الكاتب الصحفي حميد غمراسة المتابع لشؤون القضاء، أن تستمر القبضة الحديدية بين وزير العدل ورئيس النقابة يسعد مبروك، مشيرا إلى المتوقع هو إنزال عقوبات ضد المضربين لشق الصفوف.


وذكر غمراسة في تصريح لـ"عربي 21"، أن الاستجابة القوية للقضاة في الأيام الأولى للإضراب، ما سيجعل رهان وزير العدل على عامل الوقت لكسر شوكة القضاة ووقف إضرابهم بالوسائل الردعية التي يمتلكها.