ملفات وتقارير

ماذا بعد خطوة إيران الرابعة لخفض الالتزام بالاتفاق النووي؟

إيران أعلنت عن تنفيذ خطوتها الرابعة لخفض التزامها بالاتفاق النووي- جيتي

في خطوات ثابتة ودون تردد، تواصل طهران خفض التزامها بالاتفاق النووي، ردا على الانسحاب الأمريكي منه، والعقوبات التي فرضت عليها، معلنة الأربعاء الماضي تنفيذ الخطوة الرابعة بتشغيل أجهزة الطرد المركزي في مفاعل "فوردو"، جنوب العاصمة.


ووسط هذا التوتر، ومع ارتفاع حدة تصريحات المسؤولين في طهران، تبرز أسئلة حول سقف التصعيد الإيراني، والخطوات الإيرانية الجديدة، فضلا عن مساراته المتوقعة.

 

وأعلنت إيران، الأربعاء، اتخاذ أول تنفيذ عملي للمرحلة الرابعة من خفض التزاماتها في الاتفاق النووي، وبموجب هذه الخطوة تم "نقل ألفي كيلوغرام من غاز سادس فلوريد اليورانيوم من مفاعل نطنز إلى مفاعل فوردو تحت رقابة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية)". بحسب وكالة إرنا.


وبهذه الخطوة تعيد إيران تفعيل المنشأة، بعد أن أوقفت النشاط فيها بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015.، وقالت طهران إن التخصيب في فوردو بلغ 5 بالمئة، وأنها قادرة على القيام بذلك حتى مستوى 20 بالمئة.

 

تصعيد تدريجي


وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في بيان، إنها تحققت من "تركيب طهران أو بدئها في تركيب 56 جهازا للطرد المركزي".


وكانت هذه الخطوة الإيرانية في إطار المرحلة الثالثة، عقب إعلانها في مرحلة أولى تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، قبل أن ترفع في المرحلة الثانية تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يحظره الاتفاق.
وتطالب طهران الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق بالتحرك لحمايته من العقوبات الأمريكية، وذلك منذ انسحاب واشنطن منه في أيار/ مايو 2018.

 

اقرأ أيضا: إيران تعلن تشغيل 1000 جهاز طرد مركزي بمفاعل فوردو

وأبرم الاتفاق النووي عام 2015 بين إيران من جهة، وكل من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا من جهة أخرى.

 

الخبير في الشؤون الإيرانية طلال عتريسي قال، إن إيران تنتهج سياسة التصعيد والانسحاب المتدرج من الاتفاق النووي، ولم ترغب منذ البداية في تركه دفعة واحدة، حتى لا تحرج حلفائها مثل الصين وروسيا، ولا تترك أوروبا وحيدة في دفاعها عن الاتفاق النووي.


ورأى في حديث لـ"عربي21" أنه إذا انسحبت إيران من الاتفاق، فإنها تفقد ورقة الخلاف الأوروبي الأمريكي، وهي تأمل أن تسهم خطواتها التدريجية في الضغط على أوروبا، لكي تضغط الأخيرة بدروها أكثر، من أجل ايجاد حلول للتعامل مع إيران.


وفي هذا الإطار قال أضاف عتريسي إنه "يمكن لايران الانتقال إلى خطوة جديدة إن لم تلمس تحركا دوليا تجاه خطوتها الرابعة، لكنها ما زالت في إطار الاتفاق، إذ أنها تواصل الحفاظ على العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لديها صلاحيات التفتيش، ولا تمنع المفتشين من دخول منشآتهاالنووية".


ولفت إلى أن في إطار الخطوة القادمة، ربما تعود إيران لرفع مستوى تخصيب اليورانيوم، وزيارة أجهزة الطرد المركزي بشكل علني كما فعلت في منشأة فوردو في قم، وكأنها عودة إلى ما قبل الاتفاق لكن دون الإعلان رسميا عن الانسحاب منه، مستندة إلى أنها ما زالت ضمن الاتفاق، ولم تخرج عن البنود الرئيسية، وإلى المواقف الروسية الصينية المؤيدة لها، والتي تتفهم الضغوط التي تقوم بها لحث الأطراف على العودة إلى الاتفاق النووي.

 

صمت أوروبي

 
ومتحدثا عن موقف أوروبا من الاتفاق، قال: "الصمت الأوروبي هو صمت المرتبك الضعيف في التعامل مع سياسيات وتصعيد طهران، فهي من جهة (أوروبا) حريصة على بناء علاقات استثمارية مع إيران ولديها مصالح، ولهذا السبب لا تريد قطع العلاقة، وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تختلف مع الولايات المتحدة، رغم انزعاجها  من سياسيات الرئيس دونالد ترامب تجاه عدد من القضايا".


وتابع: "أوروبا لا تستطيع أن تشكل موقف موحد من السياسات الأمريكية تجاه الاتفاق النووي، ولهذا السبب هي تعلن رفضها للاجراءات الايرانية والانسحاب التدريجي، ولكن في الوقت نفسه لا تستطيع أن تدين إيران".
ورجح عتريسي أن تبقى الأمور على حالها تجاه الملف النووي الإيراني دون تغيير كبير في المواقف الدولية، مردفا: "إيران من جهة تمارس الضغوط، والولايات المتحدة تفرض العقوبات، وأوربا تعمل بشكل وسطي، فيما تنصب الاهتمامات على مشروع عزل ترامب وتأثيره على السياسيات الأمريكية، لا سيما الاتفاق النووي".


أهمية "فوردو"


الكاتب والمحلل الإيراني صابر كل عنبري قال إن إعلان إيران عن تفعيل موقع "فوردو" النووي، تحمل أهمية كبرى، إذ أن المنشأة كانت تمثل إحدى أهم القضايا ومن أكثرها حساسية في المباحثات النووية التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي.

 

اقرأ أيضا: أمريكا تدعو لتشديد الضغط على إيران بعد تخصيب اليورانيوم

ولفت عنبري في مقال اطلعت عليه "عربي21" إلى أن أهمية هذه الخطوة التي أعنتها إيران في إطار المرحلة الرابعة لخفض التزامها تكمن في أن أهمية عمل المنشأة في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قياسية، حيث وصل فيها مستوى التخصيب قبل الاتفاق إلى 20 في المائة، ومن جهة أخرى أن "فوردو" تقع بعمق منطقة جبلية محصّنة للغاية على بعد 170 كيلومترا من طهران، بالقرب من مدينة "قم" الدينية، الأمر الذي يصعّب تدميرها في أي هجوم جوي محتمل، إذا ما اتخذت واشنطن وحلفائها اللجوء إلى الخيار العسكري في التعامل مع الملف النووي الإيراني. 


وحول الموقف الأوربي قال: "يستبعد أن تقدم أوروبا في الوقت الحاضر على تفعيل آلية فض النزاع بالاتفاق النووي، لتنسحب منه وتعيد العقوبات الأوروبية وتحيل القضية إلى مجلس الأمن، لأن الخطوات الإيرانية الأربعة حتى اليوم رغم أهميتها وخصوصا الخطوة الأخيرة، إلا أنها تبقى مضبوطة تحت سقف محدد لم يتعد الخطوط الحمراء الأوروبية، مثل زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي إلى أكثر مما يسمح به الاتفاق النووي وهو 5060 جهازا، بينما كان العدد قبل الاتفاق قرابة 19 ألف جهازا، وكذلك رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20% أو أكثر من ذلك، وأيضا المس بالرقابة الأممية على برنامجها النووي، ويلاحظ هنا التأكيد الإيراني على أن خطواتها لتقليص تعهداتها النووية تُنفذ بإشراف ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية". 


وأردف: " أوروبا غير قادرة أو غير راغبة أن تخطو أي خطوة في سبيل تحقيق مطالب إيران بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية، لأن أي خطوة ستكلفها الكثير  أمنيا وسياسيا واقتصاديا، حيث ستطغى هذه التكاليف والأثمان كثيرا على ما قد تخسره بفعل انهيار الاتفاق النووي، الأمر الذي يكبّل يدها في الوقوف أمام العقوبات الأمريكية ضد إيران".


ورأى أن الصراع الإيراني الغربي سيتخذ مسارا تصعيديا في المستقبل القريب، ولكن في الوقت ذاته، ستبقى على الأغلب مضبوطة الإيقاع، أقله خلال العام المقبل قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2020، وذلك لأهمية هذا الاستحقاق الانتخابي والأزمة الداخلية التي يواجهها ترامب.