سياسة عربية

لماذا بدأت حكومة مصر خطة للتخلص من الصحف القومية؟

خسائر الصحفي الورقية تجاوزت 20 مليار جنيه (125 مليون دولار)- جيتي

انتقد صحفيون مصريون، القرارات التي أصدرها رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، لتصفية المؤسسات الصحفية القومية، تحت مبرر الإصلاح والتطوير، مؤكدين أن الإصلاح ليس في وقف التعيينات، أو تحويل الإصدارات الورقية لإلكترونية، وإنما في المحتوى الذي يتم تقديمه بهذه الصحف التي تخضع لرقابة صارمة من الأجهزة الأمنية.

وفي أول رد فعل على خطة تصفية المؤسسات القومية، طالب السكرتير العام المساعد ورئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، عمرو بدر، بعقد اجتماع عاجل لمجلس النقابة، مؤكدا في بيان له، أن الاجتماع الذي عقده مدبولي، انتهى بثلاثة كوارث تهدد مستقبل الصحافة بمصر.

وأكد بدر أن أبرز الكوارث تتمثل في قرار وقف التعيين دون الرجوع لنقابة الصحفيين، ودون مراعاة لحقوق الزملاء العاملين بتلك المؤسسات على مدار سنوات وكانوا بانتظار التعيين، بالإضافة إلى أن التلويح بدمج عدد من إصدارات أو تصفية وإلغاء مؤسسات أخرى، يعني القضاء على الجانب الأكبر من المؤسسات الصحفية العاملة بمصر، كما أن وقف المد لسن المعاش يخالف قانون نقابة الصحفيين وقانون تنظيم الصحافة والإعلام.

 

اقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي يرد على خطاب لرموز معارضة مصرية

وفي تعليقه على نفس القرارات، أكد الخبير الدستوري، وعضو لجنة الخمسين لصياغة دستور 2014، نور فرحات، أنهم في الاجتماع "تحدثوا عن كل ما يتعلق بمشاكل الصحافة، ولكنهم تجاهلوا أصل الداء"، مؤكدا عبر صفحته على "فيسبوك"، أن هذا الداء يتمثل في "غياب حرية الصحافة وسيطرة الأمن عليها"، وأكد "لا صحافة بلا حرية".

 

 

وكان مدبولى، قد عقد اجتماعا يوم الأحد 26 كانون الثاني/ يناير الجاري، بحضور وزراء المالية والإعلام والتخطيط، ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية ورؤساء التحرير، لمناقشة خطة تطوير وتحديث المؤسسات الصحفية القومية.


وتم الاتفاق على عدم فتح باب التعيين بأي مؤسسة صحفية قومية، ومنع التعاقدات، ومنع المد فوق سن المعاش، إلا في حالات الضرورة القصوى، ودراسة إمكانية دمج عدد من الإصدارات، وإلغاء أخرى، وتحويلها لمواقع إلكترونية، وإلغاء الإصدارات الورقية، واستغلال الأصول المملوكة لهذه المؤسسات، بما يحقق عائدا ماديا يساعد في وقف نزيف الخسائر المستمر لها.


عبء مادي


ويؤكد الوكيل السابق للمجلس الأعلى للصحافة المصري، قطب العربي لـ "عربي21"، أن هناك سببين أساسيين يدفعان نظام الانقلاب لإنهاء وجود المؤسسات الصحفية القومية، الأول يتمثل في رغبة النظام بتنفيذ سياسة "تبريد الحالة السياسية والإعلامية"، في ظل إجراءاته المستمرة لغلق المجال السياسي والحريات، واكتفائه بصحيفة أو اثنتين، بالإضافة لعدد محدود من القنوات الفضائية، أما الباقي فلم يعد هناك حاجة لوجودهم، وفقا لخطته.


ويشير العربي إلى أن السبب الثاني الذي يدفع النظام لتصفية المؤسسات القومية، هو رغبته في التخلص من العبء المالي لها، خاصة وأن خسائرها تجاوزت 20 مليار جنيه (125 مليون دولار)، نتيجة ضعف التوزيع، مقابل زيادة تكلفة إنتاج من رواتب للصحفيين والفنيين والموظفين، وتجهيزات فنية وغير ذلك.


ويضيف العربي قائلا: "الصحف القومية بمصر يصل عددها لأكثر من 60 إصدارا يوميا وأسبوعيا وشهريا، ومجمل توزيع الصحف اليومية الصباحي والمسائي، لا يتجاوز في أفضل الأحوال 200 ألف نسخة، بينما قبل عشر سنوات كان عدد الجمعة بالأهرام، أو عدد "أخبار اليوم" يوزع أكثر من مليون نسخة".

 

اقرأ أيضا: ماذا يعني استحواذ المخابرات المصرية على "ماسبيرو"؟

ويوضح العربي، أن النظام الحالي بالإضافة لمعاداته الواضحة للصحافة والإعلام، بما فيها المؤسسات الواقعة تحت سلطته المباشرة وغير المباشرة، إلا أنه كذلك يعمل وفقا لمنظور اقتصادي محدد، وهو ألا يتحمل مشاكل غيره، حتى لو كان هو الذي صنعها بسياساته الفاشلة، وبالتالي فهو يعتبر أن الصحف القومية تمثل استنزافا لموارد الدولة، بينما لو استغل منشآتها المتميزة، ببيعها أو تأجيرها قد يحقق عائد مالي أفضل.


المشكلة في المضمون

 

وتوقع رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام ونقيب الصحفيين الأسبق، ممدوح الولي، ألا تدخل هذه الإجراءات حيز التنفيذ، مشيرا إلى أن خسائر المؤسسات القومية ليست جديدة، هي موجودة منذ أكثر من 30 عاما، وفي كل مرة يتم الحديث عن تطوير المؤسسات القومية، كانت الحلول التي تطرحها الحكومة الآن، هي نفسها التي طرحتها قبل ذلك.


ويؤكد الولي لـ "عربي21"، أن وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، وضع خطة شاملة للتخلص من الصحف القومية، وتقليص عدد العاملين فيها، وضغطت الحكومة على مجالس الإدارات من أجل وقف التعيينات، وقامت في مراحل أخرى بدمج بعض المؤسسات الصغيرة بالمؤسسات الكبرى، بحجة تطويرها وتقليل الخسائر، ولكن في النهاية ظل الحال على ما هو عليه وفشل يوسف بطرس غالي، في تنفيذ مخططه.


ويشير الولي إلى أن المشكلة ليست في عدد الصحف والعاملين بها، وإنما في المنتج الذي يتم تقديمه من خلالها، وهو ما جعل القارئ يبتعد عنها، ويذهب للمواقع الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ليبحث عن المنتج الذي يريده.

ويعتبر بأن الأهم من تنفيذ القرارات التي اتخذتها الحكومة السابقة، هو البحث عن آلية يتم من خلالها عودة القارئ للصحف الورقية مرة أخرى.