صحافة دولية

FP: لماذا يعد هذا الانهيار في أسعار النفط مختلفا؟

فورين بوليسي: تسبب انهيار أسعار النفط بصدمة في الأسواق المالية- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لجيسون بوردوف، الذي عمل سابقا مساعدا خاصا للرئيس أوباما ومديرا للموظفين لمجلس الأمن القومي الأمريكي، يقول فيه إن انهيار أسعار النفط تسبب بصدمة في الأسواق المالية، مشيرا إلى أن الزلزال الجيوسياسي قد يصل إلى أبعد من ذلك.

 

ويبدأ بوردوف مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إنه "عندما اجتمعت السعودية وروسيا وغيرهما من الدول المنتجة للنفط في فييناk الأسبوع الماضي، فإنها ناقشت إن كان عليها تخفيض إنتاج النفط لمعادلة النقص في الطلب بسبب تفشي وباء كورونا، وعندما انتهى الاجتماع كان الجواب واضحا: أمريكا".

 

ويشير الكاتب إلى أن "دراما الأسبوع الماضي بين السعودية وروسيا، وهما أكبر دولتين منتجتين للنفط في العالم بعد أمريكا، جعلت من اجتماع أوبك اجتماعا تاريخيا قد يؤدي إلى شل مصداقية المنظمة لسنوات عديدة، بالإضافة إلى تقويض ثورة الصخر الزيتي في العملية".

 

ويقول بوردوف إنه "في الوقت الذي كانت فيه الصدمات النفطية في الماضي تحصل بسبب العرض أو الطلب، إلا أن انهيار أسعار النفط عام 2020 مختلف جدا في تاريخ سوق النفط: حيث أنه حصل بسبب تراجع كبير في الطلب وتزايد كبير في الإنتاج في الوقت ذاته". 

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "مع تباطؤ الاقتصاد بسبب تفشي فيروس كورونا، فإنه من المتوقع أن يسبب أكبر تراجع في الطلب على النفط منذ الأزمة الاقتصادية عام 2009، فتراجعت أسعار النفط قبيل اجتماع أوبك والدول المنتجة للنفط الأخرى، وعلى رأسها روسيا، بنسبة 20%، وعندما اتضح حجم التراجع في الطلب، دفعت السعودية أعضاء أوبك زائد للموافقة على أكبر تخفيض للإنتاج في أكثر من عقد". 

 

ويفيد بوردوف بأن "روسيا أظهرت ترددها حول تخفيض إنتاجها، بسبب عدم التأكد من أن تخفيض الإنتاج سيساعد مع التردد في رفع أسعار النفط، بالإضافة إلى خشيتها من مساعدة خطوة كهذه منتجي الصخر الزيتي الأمريكيين الذين يعانون من تدني الأسعار والديون العالية، وكانت روسيا رفضت خلال اجتماع طارئ أن تخفض من إنتاجها، ومع ذلك فإنه من المتوقع أن توافق روسيا في المحصلة على تخفيض الإنتاج للحفاظ على الأسعار من الانهيار".

 

وينوه الكاتب إلى أن "السعودية فاجأت، عشية اجتماع يوم الجمعة، شركاءها بالدعوة علنا إلى تخفيض أكبر للإنتاج ولفترة أطول مما كان متوقعا، وشعرت موسكو بأن السعودية تحاول الضغط عليها لإقناعها بالموافقة على تخفيض أكبر للإنتاج، من خلال حشر روسيا في زاوية تجعلها إما أن توافق أو تراقب أسعار النفط تنهار، فتحدت روسيا السعودية، وبعد ساعات من المفاوضات، غادر الوزراء فيينا دون اتفاق وتدهورت أسعار النفط".

 

ويذكر بوردوف أنه "في اليوم التالي، ردت السعودية بحملة صدمة وترويع تذكر موسكو بحجم الألم الاقتصادي الذي يمكن للسعودية أن تتسبب به لغيرها من منتجي النفط، فقامت السعودية بتخفيض ثمن النفط الخام ووعدت بزيادة إنتاجها، وعندما فتحت أسواق النفط أبوابها مساء الأحد انخفضت أسعار النفط إلى نصف ما كانت عليه في كانون الثاني/ يناير".

 

ويشير الكاتب إلى أنه ستكون هناك تداعيات كبيرة لانهيار التعاون السعودي الروسي، وحرب الأسعار التي نتجت عنه، ويسرد بوردوف تداعيات هذا الانهيار على النحو الآتي:

 

فأولا، قرار السعودية أن تخرب سوق النفط هو مغامرة إن كانت تهدف لإعادة روسيا إلى طاولة المفاوضات، والمشكلة بالنسبة للمملكة هو أن روسيا أكثر مرونة عندما يتعلق الأمر بأسعار النفط المنخفضة منها بعد أن أضافت بشكل كبير إلى احتياطيها من العملة الأجنبية، في الوقت الذي تراجع فيه الاحتياطي السعودي منذ انهيار أسعار النفط عام 2014. وإن كانت السعودية لا يزال لديها احتياطي نقدي كبير، إلا أن فترة طويلة من الأسعار المنخفضة ستؤثر على الميزانية السعودية، وتقلل من ثقة المستثمرين، وتؤدي إلى التفكير في تخفيض قيمة الريال السعودي، وإن أجبرت هذه الأسعار السعودية على أن تعود عن طريقها قبل أن تستسلم روسيا فإن سياستها النفطية ستفقد مصداقيتها.

 

وثانيا، فإن هناك خطرا بأن يتسبب انهيار اتفاق أوبك زائد في فيينا إلى دمار دائم للمنظمة، وقد تأثرت أوبك في السنوات الأخيرة بسبب الارتفاع في إنتاج النفط من الصخر الزيتي، ما أدى إلى تراجع نصيبها من السوق، وفي الوقت ذاته وبسبب مزيج من العقوبات والاضطراب السياسي الذي يؤثر على الكثير من أعضاء أوبك، فإن هذا يعني أن بعض أعضائها فقط، السعودية والإمارات والكويت، كانت مستعدة أو قادرة على أن تخفض إنتاج النفط، وغادرت قطر المنظمة قبل أقل من عام، ولذلك رأت السعودية أن مشاركة دول من خارج المنظمة، خاصة روسيا، ضرورية لنجاح المنظمة، ومع ذلك فإن السماح لبلد ليس عضوا في المنظمة أن يخرب اتفاقا توافق عليه دول المنظمة جميعها يشكل ضربة كبيرة لمصداقيتها، واحتمال انسحاب روسيا من التحالف مع المنظمة سيقوض إمكانيتها إدارة أسواق النفط بفعالية.

 

وثالثا، الخاسر الأكبر من الخلاف السعودي الروسي قد يكون في المحصلة، صناعة النفط الأمريكية من الصخور الزيتية، وقام كثير من المنتجين بحماية إنتاجهم، لكن ان استمرت أسعار النفط في حدود 30 دولارا للبرميل لفترة طويلة فقد تكون هناك حالات إفلاس واسعة، وحتى الشركات التي تتمتع بصحة مالية جيدة ستكون محظوظة إن هي حافظت على مستوى الإنتاج والأرباح، وسينخفض عدد منصات الإنتاج بشكل أسرع من الإنتاج التقليدي، وستبدأ مستويات الإنتاج الأمريكي بالتراجع بشكل حاد أيضا، وقال مدير شركة بيونير، سكوت شفيلد، بأنه يقدر بأن يتراجع الإنتاج بأكثر من مليون برميل في اليوم مع حلول العام القادم إن بقيت الأسعار على ما هي عليه الآن.

 

وتم توقع انهيار قطاع النفط من الصخر الزيتي عام 2014، عندما انهارت أسعار النفط أيضا، والآن كما حصل سابقا، فإن الإنتاج سيعود للنمو مع تعافي أسعار النفط؛ لأن الاحتياطي لا يزال موجودا، لكن قد يطول أثر الانهيار في الأسعار لفترة أطول، ويتسبب بضرر دائم، وحتى قبل اجتماع الأوبك كانت هناك توقعات بأن يتباطأ إنتاج قطاع النفط من الصخر الزيتي بسبب تراجع أسعار النفط، وبسبب القيود على رؤوس الأموال، حيث بدأ المستثمرون يتشككون تجاه هذا القطاع لقلة ربحيته. 

 

وستؤدي حالات الإفلاس إلى حالات اندماج بين الشركات وهو ما سيؤدي إلى شركات أقوى، وسيخرج شركات أخرى من السوق كانت تسعى للاستمرار في الإنتاج مهما كانت العملية غير اقتصادية، وقد تؤدي حرب الأسعار هذه إلى منع نمو قطاع نفط الصخر الزيتي بالسرعة ذاتها في المستقبل، كما حصل في الماضي.

 

ورابعا، كشفت حرب الأسعار هذه أن نفط الصخر الزيتي لا يجلب لأمريكا فقط قوة اقتصادية وسياسية، بل يجلب لها جوانب ضعف أيضا، وجزء من دوافع روسيا في هذه الحرب ليس ضرب نفط الصخر الزيتي الأمريكي فقط، بل غضب فلاديمير بوتين على السياسة الأمريكية، خاصة تجاه أنبوب نورد ستريم 2.

 

وخامسا، إن انهيار أسعار النفط في عصر نفط الصخور الزيتية يعني وجود رابحين وخاسرين مختلفين عن الماضي، فمناطق الإنتاج في أمريكا ستكون الأكثر تأثرا اقتصاديا، وليس فقط من ناحية استثمارات الشركات ومداخيل العائلات، بل أيضا المجتمعات المحلية، ما سيؤثر على التعليم والبنى التحتية والخدمات العامة.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)