حول العالم

صحيفة إيطالية: تركونا لوحدنا.. لا أحد مد يد المساعدة لنا

الصحيفة: في هذه الظروف العصيبة لم يقدّم دونالد ترامب ولا روسيا ولا حتّى باقي دول الاتحاد الأوروبي يد العون لإيطاليا- جيتي

نشرت صحيفة "انسايد أوفر" الإيطالية تقريرا تحدّثت فيه عن تداعيات فيروس كورونا المستجد.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي نشرته "عربي21" إنّ فيروس كورونا تمكّن من الإطاحة بالأفراد والدول بكل هدوء. في الواقع، لم يستغرق الأمر إلّا وقتا قصيرا لتبدأ أولى علامات تفشي الوباء بالظهور في إيطاليا ثمّ في مختلف دول العالم، فقط ليزداد الخطر مع سقوط عديد الموتى. 

نتيجة لذلك، شهد الواقع الإنساني تغييرا جذريا، مع توقّف السياسات الإيطالية والأوروبية والعالمية.

 

ومع مرور الوقت، أصبح الفيروس التاجي العدو اللدود للبشريّة جمعاء، حيث لم يستطع أحد هزيمته، وقد صار فجأة الشغل الشاغل للعالم بأسره. لقد استطاع هذا الوباء شلّ حركة العالم وتعليق كل شيء لتاريخ غير محدّد، وجعل الشعوب تدخل في حالة شكّ وذعر، باحثين عن بؤرة أمل.

وأضافت الصحيفة أنّه في ظلّ حالة السكون الناجمة عن البقاء في الحجر الصحّي الإيطالي، ومع بدء تفاعل العالم في الحرب ضدّ الفيروس لوضع حدّ للأزمة الصحية العالمية، بدأ الوباء في بثّ بعض اليقين في أنفس المواطنين. ورغم أن الرؤية لا تزال تبدو قاتمة، ولكن الأمر الإيجابي في الموضوع هو أنّ الوباء جعل الأشخاص يدركون مدى تفاهة العديد من الرسائل والشعارات والأحلام التي تصوّرها النخبة المفكّرة والمُثقّفة، والتي طالما كانت تركّز على رغباتها لدرجة أنها لم تلاحظ كيف أن الواقع يختلف تماما عن توقعاتها.

كما نوّهت الصحيفة بأن نظام العولمة الذي حفّز انتشار الوباء أيضا صار فريسة له، حيث أصبح النقل الجوي والبحري المخصّص للتجارة مشلولا تماما. ولم يشمل الخطر العولمة فقط، بل النظام الليبيرالي أيضا حيث انهارت الأسواق والبورصات والاقتصادات العالمية. فالعدوى قد أثّرت على ثقة السوق في منطق الليبرالية الجامحة، التي شهدت بدورها نهاية فورية لكل انتصاراتها.

وفي مدّة وجيزة، انهارت أسهم بورصة سلسلة فنادق بيازا أفاري الإيطالية بميلانو إضافة إلى أسهم بورصة وول ستريت، ممّا تسبّب في خسائر بقيمة مئات المليارات من اليورو. لقد ساهم كلّ هذا في تلاشي الثقة في التمويل وبثّ حالة من الذعر في الأسواق العالمية، خاصّة مع هروب المستثمرين إلى ما يسمّى بسلع اللجوء.

وأفادت الصحيفة بأن الحرب قائمة بالفعل ولكن أكثر الناس لا يدركون ذلك. في الواقع، هذه الحرب تخوضها أوروبا المشتتة بسبب الوباء الطارئ الذي كان له القدرة على تدمير سلسلة من المؤسّسات الضعيفة. في هذه الظروف العصيبة لم يقدّم دونالد ترامب ولا روسيا، ولا حتّى باقي دول الاتحاد الأوروبي يد العون لإيطاليا وربّما يعتبر العدوّ الحقيقي للاتحاد الأوروبي في هذه الحرب هو الاتحاد الأوروبي نفسه الذي بدا في التفكّك والتلاشي شيئا فشيئا.

لطالما كان هدف دول الاتحاد الأوروبي لسنوات هو التوحّد واللحمة وطالما كانت ثروات بروكسل الرائعة والتقدمية تعتبر شمس المستقبل، وكان قادة الاتحاد الحقيقيين يسعون للنهوض بأوطانهم نحو مستقبل مشرق. غير أن بضعة أيام كانت كفيلة لتغيير كلّ شيء ومحو الثّقة، حتى في أكثر المؤيدين حماسة لفكرة البناء الأوروبي.

وذكرت الصحيفة أنّ لا أحد قدم يد المساعدة لإيطاليا، إذ لم يستجب أحد للطلب اليائس لآلات التنفس الرئوي الجديدة، ولم يرسل أحد الأطباء والممرضات للمساعدة، ولم يفكر أحد في أن يأمر "مستثمريهم" بعدم المضاربة في سوق الأسهم الذي انهار بسبب استهداف الأصول الاستراتيجية الإيطالية. في المقابل، كانت النتيجة إغلاق الحدود وختم المصانع وعدم الرد على المكالمات الهاتفية وغرق الأنظمة الاقتصادية في مليارات الديون. وفي مواجهة هذا الخطر، انقلبت باقي الدول الأوروبية على ايطاليا، إلّا قلّة عبروا عن تضامنهم معها.

وأوضحت الصحيفة أنّه في خضم هذه المعاناة في إيطاليا، إنشغلت باقي الدول الأوروبية الديمقراطية في إبرام المعاهدات وفي اتفاقات تقسيم ليبيا، إلى جانب انتزاع عقود مفيدة في سوق الأغذية الزراعية، وسلب الأسهم السياحية لتشويه صورة إيطاليا. 

ومع ذلك، سيأتي يوم يجتمع فيه جميع القادة الأوروبيين حول طاولة واحدة لمناقشة أمور أخرى، مثل خلق سياسة زراعية مشتركة، أو بعث صندوق جديد "لإنقاذ" الدول التي تواجه صعوبات، أو إنشاء خطة جديدة لتوزيع المهاجرين من ليبيا أو السواحل التركية أو إنشاء مشروع بيئي وهمي. حينها، سيتذكّر الجميع أنه لأسابيع قليلة ظلّ العالم تحت رحمة فيروس كورونا وأدارت الدول الأوروبية الشقيقة ظهرها لإيطاليا وقت الحاجة ووقتها لن تعود المياه لمجاريها.