ملفات وتقارير

دستور جديد للجزائر جاهز للمناقشة.. ما أبرز مواده المثيرة؟

من النقاط الجدلية الجديدة بالدستور المقترح إرسال قوات للخارج بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان- الأناضول

أعادت مسودة التعديل الدستوري التي طرحتها الرئاسة للنقاش العام، الجدل حول مواضيع الهوية وتوازن السلطات وتقييد صلاحيات رئيس الجمهورية والعقيدة العسكرية للبلاد.

 

وجاء الكشف عن مسوّدة الدستور التي أعدّته مجموعة من الخبراء، متأخرا عن التاريخ الذي سبق للرئيس عبد المجيد تبون التعهد به، بسبب الأزمة الصحية التي لم تكن تسمح بالمناقشة.


وتسلّمت الأحزاب السياسية وكبريات جمعيات المجتمع المدني، الخميس، نسخة عن المشروع التمهيدي لتعديل الدستور، الذي يقع في 56 صفحة ويتضمن 7 أبواب تنقسم إلى مجموعة فصول، ويضم إجمالا 240 مادة. 


ورغم أنّ هناك من تحفظ على الطريقة المنتهجة لتعديل الدستور، إلا أن كثيرين انخرطوا في مناقشة محتوى الوثيقة وأبدوا آراءهم بالإيجاب أو السلب حولها.


واستأثرت مواد جديدة أو معدلة، بالنصيب الأكبر من الاهتمام، لكونها لم تكن منتظرة مثل إرسال وحدات عسكرية إلى الخارج أو استحداث منصب نائب الرئيس، أو لأن المتوقع كان أن تتغير مثل عدم إلزام الرئيس باختيار رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، أو لأنها تخوض في جدل الهوية مثل إدراج اللغة الأمازيغية ضمن المواد الصمّاء غير القابلة للتعديل.


تغيير في العقيد العسكرية؟

ومن أبرز ما لفت في الوثيقة، هو تمكين رئيس الجمهورية لأول مرّة في التاريخ الدستوري الجزائري من إرسال قوات للخارج بعد موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، وفق ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 95 من المشروع المقترح.

 

وفور الاطلاع عليها، أثارت هذه المادة الجدل، بعد أن اعتبرها البعض تغييرا في العقيدة العسكرية للجزائر التي كانت تقوم أساسا على فكرة عدم إرسال جنود جزائريين خارج الحدود.


ويرى أكرم خريف، الخبير في الشؤون العسكرية، بأن هذه المادة لا تغيّر في العقيدة العسكرية الجزائرية، بل تحاول تأطيرها وتقنينها واستعمالها ضمن ضوابط محددة.

وقال خريف في حديث لـ"عربي 21"، إن توضيح مسألة التدخل يعدّ أمرا إيجابيا، لأن عدم وجود إطار دستوري وقانوني يترك كل الخيارات متاحة للرئيس في حين سيكون عليه بعد اعتماد الدستور الخضوع لموافقة ثلثي أعضاء ممثلي الشعب.

وأوضح خريف أن البعض يعتقد خطأ أن العقيدة العسكرية للجزائر تتمثل في رفض إرسال أي جندي للخارج، في حين سبق للجيش الجزائري أن أرسل قواته إلى تنزانيا ولبنان والتشاد سنة 2004.

وأشار الخبير إلى أن عدم وجود قائد بعد مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في السنوات الأخيرة، هو ما دفع لهذا الاعتقاد، في حين أن الواقع كان يشير لعدم وجود من يتحمل مسؤولية اتخاذ قرار مثل هذا، في مواجهة معضلات إقليمية عديدة كانت تحيط بالجزائر آنذاك خاصة أزمة الساحل.

نائب رئيس ورئيس حكومة
وفي الشق المتعلق بتسيير الدولة، استحدث التعديل الدستوري منصبين، هما نائب الرئيس الذي يعينه رئيس الجمهورية ويستطيع إنهاء مهامه، ورئيس الحكومة الذي سيعوض الوزير الأول ويكون تعيينه بيد الرئيس بعد استشارة الأغلبية البرلمانية.


وانتقدت فكرة استحداث منصب "نائب الرئيس" التي رآها البعض محاولة فقط لتلافي الوقوع في أزمة شبيهة بما حدث بعد مرض الرئيس بوتفليقة، ولا تتناسب مع طبيعة النظام شبه الرئاسي التي تنقسم فيه السلطة التنفيذية إلى رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة.


لكن الشق الأكبر من الانتقاد، تم توجيهه إلى طريقة تعيين رئيس الحكومة التي ستبقى وفق نص المادة 108 من الدستور، من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد استشارة الأغلبية البرلمانية فقط، أي أن الرئيس ليس ملزما باختيار رئيس الحكومة من الأغلبية.


وقال ناصر حمدادوش، عضو المكتب الوطني لحركة مجتمع السلم، إن الاقتراح الصائب من وجهة نظر حزبه، هو أن يكون رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية وجوبا، وهو ما يعطي لتمثيل الشعب في الانتخابات التشريعية معنى.


وأضاف حمداودوش في تصريح لـ"عربي21"، أن الاكتفاء بمجرد استشارة قد تكون غير ملزمة، مع تمييع مفهوم هذه الأغلبية، لن يغير كثيرا في الواقع الذي كان سائدا من قبل، مشيرا إلى أن حزبه يقترح أن يكون رئيس الحكومة من الحزب الذي يحوز أكبر عدد من المقاعد أو الأصوات.


وأردف النائب بالبرلمان، قائلا: "إن اختيار رئيس الحكومة من الأغلبية، سيُمكّن من إعطائه شرعية ومصداقية وإلزامية وقاعدة سياسية وشعبية، بحيث تكون له مسؤولية سياسية، وخضوع لرقابة المؤسسة وليس الشخص، وبالتالي يكون أداؤه وطنيا وليس شخصيا".


الأمازيغية.. مادة صمّاء
ومن النقاط الأخرى التي وجدت لها معترضين، المادة المتعلقة بإدراج اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ضمن المواد غير القابلة للتعديل أو ما يعرف بالمواد الصمّاء، وهي التي تتعلق في العادة بموضوع الهوية.


ورغم أن ترسيم اللغة الأمازيغية يعود إلى دستور 2016، إلا أن الفئة الرافضة خرجت عن صمتها بعد الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ودعت لإلغاء هذا الإجراء.

 

اقرأ أيضا : الجزائر.. "الديوان الإسبرطي" تحيي العثمانوفوبيا ورُهاب الترك


وذكر رابح لونيسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، أن الرئيس تبون قطع الطريق أمام بعض الإقصائيين ورافضي الأمازيغية، بجعلها من ضمن المواد غير القابلة لأي تعديل، بعد أن تركها الرئيس السابق محلّ تلاعب.


وأبرز بونيسي أن الهدف من هذا التعديل، هو تعزيز الوحدة الوطنية التي أصبحت مهددة بفعل التهميش الذي تعرض له البعد الأمازيغي في الجزائر منذ استرجاع الجزائر استقلالها، رغم أن الأمازيغية تشكل حسبه، مع العربية والإسلام، الأسمنت الذي تسقط أمامه كل محاولات ضرب وحدة الأمة الجزائرية.


واعتبر المتحدث أن البعد الأمازيغي لا يجب حصره في اللغة فقط، بل هو أيضا بعد ثقافي وعمق تاريخي يجب إعطاؤه أهمية أكبر كي تتصالح الجزائر مع ذاتها، وننتهي نهائيا من هذا المشكل الهوياتي الذي اختلق بسبب تعصب البعض أو ضعف الرؤية السياسية، وأخذ أبعادا خطيرة مهددة للجزائر ووحدتها ومستقبلها.


"المشكل ليس في الدستور.."
وخلافا للمنهمكين في مناقشة المسودّة المطروحة، ثمة من يرى أنه غير معني تماما بهذا الموضوع، بالنظر إلى أن أزمة الجزائر لم تكن في النصوص الدستورية ولكن في عدم تطبيقها.


وفي اعتقاد عبد الغني بادي، الحقوقي والمحامي المدافع عن سجناء الحراك، فإن السلطة التي تسجن العشرات من المعارضين بسبب اختلافهم معها لا يمكن أن تفتح آفاقا سياسية جديدة بمجرد صياغات دستورية.


وأوضح بادي في حديث مع "عربي 21"، أن عدم مد جسور الثقة من خلال التوقف عن قمع الحريات وإطلاق سراح السجناء وفتح المجال الإعلامي، يعني أن الدستور ليس حدثا، بل مجرد صياغات قانونية سيتم تجاوزها كلما تصادمت مع مصلحة النظام.


وأضاف المتحدث قائلا: "الدستور هو ثمرة توافق وعقد اجتماعي، وليس مجرد نصوص تكتب ولا تطبق، لأن التجربة أثبتت أن الأزمة في الجزائر لم تكن يوما بسبب الدساتير، بل كانت بسبب تجاوزها والدوس عليها...".