تقارير

صورتان لمدينة القدس.. تختصران ألف كلمة!

صورتان اختصرتا المشهد بتفاصيلهما المرة التي تشكل بالنسبة للفلسطينيين وللعرب سنوات من الانكسار ـ عربي21

الصور لا تكذب، الصور تفتح نوافذ وأبوابا في ذاكرتنا ودفاترنا القديمة المتهرئة.

التاريخ الحديث هو سلسلة طويلة من الصور المترابطة رغم بعد المسافات بينها واختلاف الشخوص وتفاصيل الحدث.

ذاكرتنا العربية مرهقة بالأسئلة والأحداث والجراح والصور التي وثقت لتاريخ العرب منذ بدايات القرن الماضي وحتى اليوم.

في الصور تظهر الحقيقة؛ لأنها تغني عن ألف كلمة، من بينها كانت صورتان لدخول الفاتحين أو المحتلين أو الجنرالات أو الغزاة لمدينة القدس.

صورة دخول الجنرال البريطاني ألنبي للقدس عام 1917، وصورة دخول الجنرالات الإسرائيليين إسحق رابين وموشيه ديان وعوزي نركيس للقدس القديمة عام 1967. بينهما زمن يصل إلى نحو خمسين عاما، لكنه زمن مترابط ومتداخل بشكل عجيب.

اشتهر الجنرال إدموند ألنبي بدوره في الحرب العالمية الأولى في الاستيلاء على فلسطين وسوريا.. ولد ألنبي لأسرة متدينة من طائفة الكنيسة الإنجيلية الشرقية، وتخرج من الكلية العسكرية الملكية في "ساندهيرست" عام 1881، والتحق بعد ذلك بكلية الأركان في "كامبرلي" بإنجلترا .

أرسل إلى مصر ليكون القائد الأعلى لقوات الجيش المصري لحرب العثمانيين في فلسطين عام 1917، وكلف بمهمة محددة تقضي باحتلال فلسطين ودخول القدس قبل عيد الميلاد المقبل.

كما قام بدعم جهود الضابط البريطاني الشهير توماس إدوارد لورنس، المشهور باسم "لورنس العرب"، في إشعال الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية.

وبعد انتصاره في معركة غزة الثالثة في الحرب العالمية الأولى، دخل ألنبي القدس مع جنرالاته من المسيحيين الصهاينة، ممن أداروا حملة فلسطين باندفاع ديني محموم.

وسقطت المدينة بعد معركة مع الوحدة العثمانية التي كانت تحمي المدينة، وقوبلت القوات الإنجليزية من العثمانيين بنيران شديدة، إلى أن قامت بينهم وبين الإنجليز قتال بالسلاح الأبيض، وكان القتال دون جدوى، وفشلت محاولات الأتراك استرداد القدس، واضطروا لمغادرتها بعد أن قضوا فيها 400 عاما من عام 1517 وحتى عام 1917.

وحين أيقن المتصرف التركي أن القدس لا محالة واقعة لانهيار المقاومة، أعلن الاستسلام حفاظا على الأماكن المقدسة في المدينة.

ودخلت القوات البريطانية بقيادة ألنبي مدينة القدس في 11 كانون الأول / ديسمبر 1917 وأعلن ألنبي بيانه الأول الذي فرض فيه الأحكام العرفية، وطالب الناس بمباشرة أعمالهم دون أي إضراب واحترام الخصوصية الدينية لمدينة القدس وأماكنها المقدسة.

دخل ألنبي القدس ماشيا من باب الخليل، وقال كلمته المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية"، وتم إهداء النصر إلى الأمة البريطانية في عيد الميلاد المجيد. وقال عبارته المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية".

حمل جيش ألنبي معه إلى فلسطين جيشا صهيونيا بقيادة فلاديمير جابوتنسكي القيادي في الحركة الصهيونية، و"حكومة ظل" يهودية تحت مسمى "المفوضية اليهودية" برئاسة حاييم وايزمان.  ونزل وايزمان باعتباره رئيسا لـ"المفوضية" في معسكر النبي في الرملة.

كان هذا الانتصار القوة العسكرية التي مكنت إنجلترا من إهداء فلسطين للصهاينة تحت مظلة "وعد بلفور" عقب هزيمة العثمانيين بأيام قلائل.

بعد تقاعده عام 1925 عن العمل كمندوب سامي في مصر عاد إلى إنجلترا قضى فترة رئيسا لجامعة "أدنبرة" وتوفي عام 1936.

 

مشهد نشر الحزن والكآبة

المشهد الأخر الذي نشر الكآبة والحزن في فضاء القدس كان دخول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي اسحق رابين مع وزير الدفاع موشيه ديان والجنرال عوزي نركيس مدينة القدس القديمة في 7 حزيران /يونيو 1967 بعد هزيمة الجيوش العربية في الحرب واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان.

عوزي ناركيس كان قائد وحدات الجيش الإسرائيلي في المنطقة الوسطى في حرب 1967. ولد في لأبوين يهوديين من بولندا، وكان عضوا في عصابة "البلماخ" الصهيونية التي ارتكبت عدة مجازر بحق الفلسطينيين في حرب عام 1948، عين قائدا للواء المركز في الجيش الإسرائيلي عام 1965، وعمل على ضم شطري القدس بعد احتلالها عام 1967 بعد أن عين حاكما عسكريا في الضفة الغربية المحتلة، وبعد تقاعده من الجيش عين مديرا لقسم "الاستيعاب" في "الوكالة الصهيونية"، ثم رئس قسم الإعلام فيها. وتوفي عام 1997 في القدس.

فيما بدأ موشيه دايان حياته عضوا في عصابة "الهاغانا" التي ارتكبت هي الأخرى مجازر بحق الفلسطينيين.

وبعد أن قررت بريطانيا وفرنسا "تحرير" لبنان وسوريا من قوات حكومة فيشي بالتعاون مع بعض القوات الصهيونية استدعي ديان لقيادة إحدى الفصائل الصهيونية، وفي إحدى العمليات العسكرية عام 1941 فقد عينه اليسرى فاضطر إلى وضع العصابة السوداء التي اشتهر بها.

اشترك ديان في حرب 1948 وكان قائدا القوات اليهودية التي احتلت اللد عقب انسحاب القوات العربية منها دون قتال، ثم عهد إليه بعد ذلك بقيادة "قوات القدس".

عين رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي عام 1953 وفي تلك الفترة تولى قيادة القوات الإسرائيلية التي هاجمت مصر عام 1956 بما عرف بـ" العدوان الثلاثي" وترك ديان الجيش مؤقتا عام 1958.

اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، ديان وزيرا للدفاع ليقود حرب 1967، ولم تمض أيام قليلة على الوزارة حتى كان العدوان قد بدأ وانتهى بـ"نكسة" العرب وجنى ديان ثمار "الانتصار" رغم أن الاستعدادات العسكرية كانت مكتملة قبل توليه الوزارة.

تعرض موشيه ديان للوم الشديد في حرب عام 1973 بعد الانتصارات السريعة والمفاجئة التي حققها الجيش المصري، وتحت هذا الضغط قدم هو ورئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير استقالتيهما عام 1974.

لم يطل بقاء موشيه ديان خارج السلطة فقد اختاره رئيس الوزراء مناحيم بيغن عام 1977 وزيرا للخارجية، وبعد عام واحد من توليه المنصب دخل في مفاوضات مباشرة مع الرئيس المصري محمد أنور السادات انتهت بالتوقيع على اتفاقية " كامب ديفيد" عام 1979.


توفي بعد إصابته بسرطان في القولون عام 1981 .

 

الطريق إلى أوسلو

ثالثهما في الصورة كان أسحق رابين الذي ولد لأبوين هاجرا من روسيا إلى الولايات المتحدة، انضم إلى قوات "البالماخ" الصهيونية التي أصبحت بعد ذلك الذراع الضاربة لقوات "الهاغاناه"، وأصبح قائدا لعمليات " البالماخ" التي ارتكبت مجازر في حرب عام 1948.

وفي الفترة بعد عام 1951 ظهر في الجيش الإسرائيلي بقوة عن طريق "معسكرات الإيواء" التي وفرها آنذاك لاستقبال 100 ألف مهاجر يهودي قدموا من مختلف الدول العربية والإسلامية للاستقرار في الدولة العبرية. وفيما بعد تولى قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي.

وعمل نائبا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي عام 1961 ثم رئيسا للأركان بين عامي 1964 و1968 وهي الفترة التي شهدت حرب 1967، وأصبح رابين بعد هذه الحرب "بطلا" عند الإسرائيليين.

وبدأ رابين حياته السياسية عام 1968 عندما اختير سفيرا لدى الولايات المتحدة، ثم اُنتخب عضوا في "الكنيست" عن حزب "العمل" واختارته رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير وزيرا للعمل. وإثر اندلاع المظاهرات المطالبة باستقالة الحكومة بعد أن اتهمت الجيش بالتقصير في حرب 1973 اختير رابين رئيسا للوزراء بعد استقالة غولدا مائير.

وبدأ رابين مفاوضات سلام مع مصر أسفرت عن انسحاب إسرائيلي جزئي من سيناء عام 1975.

وفي عام 1984 فشل الحزبان الكبيران في الفوز في انتخابات "الكنيست" فشكلت على أثرها حكومة "وحدة وطنية" واختير رابين وزيرا للدفاع، وكان من أهم القرارات التي اتخذها قرار الانسحاب من لبنان مع الاحتفاظ بشريط حدودي في المنطقة الشمالية.

وخلال توليه وزارة الدفاع اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 وحاول إخمادها بشتى الطرق لكنه فشل في ذلك.

وفي عام 1992 انتخب مجددا رئيسا للوزراء بعد فوز "العمل"، وأضيف إليه منصب وزير الدفاع. وتوصل مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى "اتفاق أوسلو" في 13 أيلول/ سبتمبر 1993 ووقع الاثنان عليه في البيت الأبيض بحضور الرئيس بيل كلينتون.

ووقع رابين "اتفاقية وادي عربة" مع الأردن في عهد الملك الحسين بن طلال في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994.لم ترض أحزاب اليمين الإسرائيلية المتشددة عن تحركات رابين السياسية فاغتاله إسرائيلي "متطرف" عام 1995.

في النص أعلاه نحو ألف كلمة، صورتان اختصرتا المشهد بتفاصيلهما المرة التي تشكل بالنسبة للفلسطينيين وللعرب سنوات من الانكسار. شكلتا مرحلتين مهمتين في تاريخ مدينة القدس التي احتلت أكثر من 40 مرة على مدى تاريخها وكانت تنتصر دائما على الغزاة.

نعم أغنتا عن ألف كلمة دون أن تغفل عن المعنى!