ملفات وتقارير

هذه هي المعضلة التي يواجهها رعاة الحرب بالوكالة في ليبيا

تقرير: خسائر حفتر لا تبشر بالخير لعلاقاته مع الداعمين الخارجيين

قال معهد "بروكنغز" إن الأحداث في ليبيا أخذت انعطافة، بعد أن أعادت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والمعترف بها من الأمم المتحدة سيطرتها على كامل مناطق العاصمة، وهو ما أدى بخليفة حفتر وجيشه أن يتخلوا عن المدن والبلدات في غرب البلاد، كما أصبح بقاء حفتر السياسي موضع شك، فهناك استياء (بما في ذلك انشقاقات) في صفوف المعسكر المهلهل في الجنوب والشرق، حيث لا تزال قوات حفتر تسيطر على مساحات من الأراضي.

وأكد المعهد في تقرير ترجمته "عربي21" أن إخفاقات حفتر العسكرية المتتالية خيبت آمال داعميه الخارجيين؛ الإمارات وفرنسا وروسيا ومصر. فقد دعموا حملته العسكرية للسيطرة على طرابلس، وقدموا لها دعما عسكريا وسياسيا مهما برضى أمريكي.

وبعد نصف عام من الهجوم، تدخلت روسيا لتساعد حفتر الذي كان يعاني، فأرسلت له عدة مئات من مرتزقة واغنر؛ لمساعدته في محاولة السيطرة على طرابلس، وزادت من تواجدها العسكري في ليبيا. ولكن انسحاب المرتزقة الروس (بما في ذلك مرتزقة واغنر والمليشيات المؤيدة للأسد) من غرب ليبيا، والذي تم بعد ما يزعم أنه اتفاق بين موسكو وأنقرة، أدى إلى هزيمة لقوات حفتر في غرب ليبيا بشكل كامل.

ويؤكد التقرير أن داعمي حفتر حاليا يعيدون تقييم مواقفهم، وهذا يوفر فرصة مهمة لأمريكا التي بقيت لحد الآن متفرجة على الصراع لردع كل من تركيا وروسيا من الخرق الصريح لحظر تصدير الأسلحة لليبيا، ولمنع روسيا من التحرك نحو إيجاد موطئ قدم دائم لها في شرق ليبيا الذي يعتبر معقلا لحفتر. كما يمكن لواشنطن أن تستغل المكاسب العسكرية التي حققتها تركيا للدفع باتجاه حل مستدام للصراع لا يؤدي إلى المزيد من الاقتتال.


دور اللاعبين الخارجيين
اللاعبون الخارجيون، كما يقول التقرير، أساسيون بالنسبة للصراع في ليبيا، فانتصار حكومة الوفاق الوطني كان مدعوما بأنظمة الدفاع الجوية التركية، وأساطيل الطائرات المسيرة والمرتزقة الذين سحبتهم تركيا من الصراع في سوريا. وقدمت تركيا الدعم العسكري منذ كانون أول/ ديسمبر 2019، عندما قامت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة بتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع أنقرة. ومع أن داعمي حفتر دعوا إلى وقف إطلاق النار، فإن لدى تركيا القليل من الأسباب للاستجابة. ويواجه حفتر المزيد من الانشقاقات؛ بسبب تراجع الثقة في إمكانياته، وقد لا ينجو سياسيا من تداعيات هزائمه العسكرية.

وبإمكان أنقرة أن تحدد شكل المرحلة القادمة للصراع. ويمكن لتركيا وحكومة الوفاق الوطني الاستمرار في الهجوم، وحتى تكثيفه للاستفادة من الزخم مؤخرا. وهذا سيساعد على انشقاقات إضافية في معسكر حفتر، ما قد يؤدي إلى انهيار تحالفه. وهذا سيضمن أيضا أنه عندما يصل الأمر في المحصلة إلى وقف إطلاق النار، فلن يكون المشهد تغير سياسيا وعسكريا لصالح حفتر وداعميه. وبالنسبة لحكومة الوفاق، فإن شروط وقف إطلاق النار تحتاج أن تضمن أن سيطرة حفتر على الشرق لن تصبح أقوى، وأن تضطره للتضاؤل وفقدان الأهمية.

 

اقرأ أيضا: أفريكوم: هذا عدد مرتزقة روسيا في ليبيا لصالح حفتر

 

على تركيا وحكومة الوفاق المضي قدما بحذر
بهذا المنطق يبدو أن استراتيجية تركيا في ليبيا فعالة. ولكن على تركيا أن تخطو بحذر. فإن الإصرار التركي قد يتحول بسرعة إلى خطأ في الحسابات إن قام داعمو حفتر بمضاعفة دعمهم له والتخلي عن هدفهم بالسيطرة على كامل البلد سعيا وراء استقلال للشرق الليبي. الحرب في ليبيا حرب بالوكالة، قد تحاول الدول الراعية لها تجنب تصعيدها، ولكن قد تستمر في تقديم ما يكفي من الدعم لوكلائها على الأرض لاستمرار الحرب ومنع الهزيمة التامة.

خسائر حفتر لا تبشر بالخير لعلاقاته مع الداعمين الخارجيين. ولكن بالنسبة لأولئك الداعمين فإن تكاليف التداعيات الجيوسياسية لانتصار كامل لحكومة الوفاق وتركيا تزيد عن تكاليف الاستمرار في دعم حفتر. وهذا قد يؤدي في الغالب إلى تحويل شرق ليبيا إلى محمية إماراتية روسية، ويمكن على الأقل للدعم المستمر لحفتر أن يقوي موقفه في أي محادثات وقف إطلاق نار عندما تحصل.

واحتمال هذا النوع من المناورات السياسية بين اللاعبين الخارجيين أمر واقعي جدا. ففي اتفاقية برلين التي شاركت الأمم المتحدة في رعايتها في كانون ثان/ يناير 2020، التزمت القوى الخارجية بالتوقف عن دعم طرفي الصراع. وبعد ذلك قام داعمو حفتر بدفعهم نحو السيطرة على طرابلس. وبتأثير كبير من فرنسا ومصر والإمارات صممت الاتفاقية لتشكيل ظروف أمنية واقتصادية وسياسية لصالح حفتر. والآن هناك عملية شبيهة لمنع تركيا من التقدم نحو وسط وشرق ليبيا حرضت عليها كل من مصر وروسيا. 

فبعد أيام من انتهاء هجوم حفتر على طرابلس، سارع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى استضافة حفتر ورئيس مجلس النواب في الشرق عقيلة صالح في القاهرة للإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب واحد.

ويبدو أن حفتر الذي أذلته الهزيمة استسلم لخارطة الطريق، التي رسمها الروس لعقيلة صالح. فكانت مبادرة القاهرة مصممة لتقويض اتفاقية الصخيرات لعام 2015، التي تمت بوساطة الأمم المتحدة، والتي تستمد حكومة الوفاق الوطني شرعيتها الدولية منها، مع أنها ستعني في المحصلة أيضا استبعاد حفتر لصالح شخصية أخرى. والأهم من ذلك هي أنها أشارت إلى أن روسيا ومصر والإمارات ستبذل ما بوسعها للتأثير على المشهد السياسي في الأشهر القادمة. ووسط المناورات الدبلوماسية لا يزال داعمو حفتر يمدون جيشه في محاولة لمنع القوات الموالية لحكومة الوفاق وتركيا من التقدم نحو الشرق الليبي.

يمكن تحول ليبيا إلى سوريا أخرى
هذه المحاولات لتجميد الصراع ومحاولة التوصل إلى تسوية تقوم على مناطق نفوذ في شرق وغرب ليبيا تفتقر إلى بعد النظر. فكل من الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر وتحالف القوى الموالية لحكومة الوفاق الوطني هما مجرد تحالفات مصلحة. فالأول مؤلف من تكتل من المليشيات والأشخاص الذين لهم أجنداتهم المختلفة، ولكن تجمعت تحت قيادة حفتر للاستفادة من الدعم الخارجي واحتمال سيطرته على طرابلس. أما التحالف الآخر، فتشكل من مليشيات متقطعة وقوات دعم تم حشدها معا كرد فعل على احتمال سيطرة حفتر على طرابلس.

وتجميد الصراع سوف يؤدي إلى تصدع التحالفين، وهو نتيجة لن تتمكن الدول الداعمة من منعه على المدى البعيد. وحتى اتفاق تركي- روسي سيؤدي، في أحسن أحواله، إلى تقسيم واقعي لليبيا. وسيتحول الصراع إلى صراعات محلية، حيث ستتنافس المليشيات على السلطة والموارد على المستوى المحلي. إضافة إلى ذلك، ستقوم القوى الداعمة مثل مصر والإمارات بتقويض أي اتفاقية بين روسيا وتركيا إن شعروا بأنها تهمش دورهما.

وأخطر شيء لليبيا هو أنها قد تجد نفسها بسرعة تواجه صراعا أوسع. وإن بقي اللاعبون الدوليون يتدخلون في ليبيا فيمكن للمشهد أن يشبه سوريا، فمع سنوات من تدفق الأسلحة وسرعة انتشار المرتزقة الخارجيين. وإن خف أو توقف الدعم الدولي للاعبين الليبيين فسوف تبرز المظالم المحلية وتتصدر المشهد على شكل عنف. ويتحول تشرذم التحالفات على شكل حروب استنزاف محلية، وسيمزق المزيد من تدويل الصراع في ليبيا النسيج الاجتماعي، ويقود إلى نزوح مئات الآلاف وموت أعداد غير محصورة.

 

اقرأ أيضا: ماذا وراء زيارة وفد من الشرق الليبي إلى روسيا؟

الدور الأمريكي
وينصح تقرير المعهد واشنطن بالعمل مع الاتحاد الأوروبي، بتقديم الحد من الأضرار عن طريق إدارة الصراع. فعجز الاتحاد الأوروبي عن فرض الخطوط الحمراء أصبح واضحا. وبسبب الدعم الذي قدمته باريس لحفتر على مدى فترة طويلة، فمن الصعب للاتحاد الأوروبي أن يبدو وسيطا نزيها للسلام. ولكن الحد من التأثير الروسي أحد أولويات أوروبا، وهو ما يعني أن أوروبا سترغب في منع اتفاق تركي روسي يقسم ليبيا عمليا.


ومن ناحيتها، يمكن لواشنطن أن تدعم عملية ايريني البحرية للاتحاد الأوروبي؛ لضمان تطبيق منع تصدير الأسلحة لليبيا. وبناء على الالتزامات التي تمت خلال اتفاقية برلين، يمكن لوزارة الخزانة الأمريكية أن تحد من النفوذ الروسي من خلال فرض عقوبات على الأشخاص والمجموعات والكيانات التي يثبت تورطها في إرسال الأسلحة المتكرر والمرتزقة إلى ليبيا. وهذا سيدعم إمكانيات عملية ايريني البحرية، حيث يمكن لسفنها أن تستهدف بالذات السفن التابعة للكيانات المفروض عليها عقوبات.


ولمنع الأطراف الأجنبية من نقل الأسلحة والمرتزقة جويا إلى ليبيا يمكن للبنتاغون نشر صور الأقمار الصناعية لخروقات الحظر الجوية. ويمكن لذلك أن يبني على الزخم الذي حققته القيادة الأمريكية في أفريقيا، والتي أبرزت موضوع الطائرات الروسية التي تم نشرها في شرق ليبيا، والتي فضحت إنكار روسيا دعمها لحفتر. وذلك مع العقوبات سيحد من المجال للاعبين الخارجيين التدخل في الصراع، وهو ما سيؤدي إلى ضعف حفتر وحلفائه، ما سيقلل حاجة حكومة الوفاق للاستمرار في توسيع اعتمادها على تركيا.

ويختم التقرير بقوله إن التدخل الخارجي ليس هو التهديد الوحيد الذي يواجه ليبيا، حيث الصراعات الداخلية هي حقيقية أيضا، ولكن التقليل من تدفق الأسلحة والمقاتلين الأجانب جزء مهم من الأحجية الليبية، وهو صراع مأساوي كلف الكثير من الأرواح.