ملفات وتقارير

7 سنوات على "مذبحة رابعة".. هل دُفنت العدالة مع الضحايا؟

جددت "هيومن رايتس ووتش"، في يونيو الماضي مطالبتها بفتح تحقيق دولي مستقل في مذبحة رابعة- الأناضول

"اصحي يا ماما.. يا ماما .. اصحي بالله عليكي".. عبارة كانت الأشهر تداولا عبر مقاطع فيديو "يوتيوب"، صيف 2013 إبان فض اعتصام ميدان "رابعة العدوية" شرق العاصمة المصرية القاهرة، وكان يصرخ بها طفل بجوار أمه، غير مدرك أنها فارقت الحياة.


بعد أيام تحل الذكرى السابعة للفض، في 14 آب/ أغسطس، ولا فارق كبيرا.. نظام يتجاهل ومناصرون للاعتصام، الذي كان يطالب بعودة الرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي للحكم (2012- 2013)، يريدون إيقاظ حقوق من قُتلوا، وهم مئات القتلى، حسب إحصاءات رسمية، ونحو ألفي قتيل، وفق أخرى للمعارضة.


هل ماتت القضية؟


في وجهة نظر البعض، تبدو قضية "حقوق من قُتلوا في رابعة" كحال تلك الأم.. ماتت، ولن تعود إلى الحياة، لأسباب عديدة، بينها أن "اعتصام رابعة في نظر النظام إرهاب للدولة، فكيف سيعطي حقوقًا لإرهابيين؟ إذن فالأمر انتهى"، وفق البعض.


والنظام يترأسه منذ 2014 عبد الفتاح السيسي، وهو وزير الدفاع الذي أعلن بيان عزل مرسي من منصبه، ولا يزال موقفه قائما على مواجهة من يعتقد أنهم كانوا يواجهون الدولة واستقرارها آنذاك.


وأقوال السيسي دالة على ذلك، أبرزها في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2014: "مصر تخوض حرب وجود (..) الدولة كانت تعلم أن هذا (الإرهاب) سيحدث بعد 3 يوليو/ تموز (يقصد الإطاحة بمرسي) وكانت مستعدة لذلك".


وفي 19 كانون الثاني/ يناير 2018، قال السيسي: "في هذه الفترة (عقب الإطاحة) كان تحرك عنيف وتعدٍ على قوات الأمن، وكان هناك بؤرتان (لفظ أمني يطلق على التجمعات الإجرامية) قائمتان (يقصد اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر)، والتعامل معهما كان يستلزم زخما شعبيا تم ونزل ملايين لذلك (التفويض)".


وأضاف: "في أعقاب فض رابعة والنهضة، كانوا (المعتصمون) مستعدين للمظلومية، ونشروا قتل 3 أو 4 آلاف، ومؤسسات الدولة كانت في وضع صعب لم تكن قادرة على مجابهة (تلك الأكاذيب)".


إذن لم تغير السنوات رؤية النظام من عزل مرسي وما تلاه من أحداث، لا سيما فض "رابعة" و"النهضة"، وربما يكون ذلك مفهوما في إطار أن شرعية النظام قامت على ذلك العزل، وستكون هناك صعوبة بالغة في تبديل ذلك، طالما لا حاجة له ولا ثقل لأنصار ذلك الاعتصام يغير معادلات الواقع.


وللتدليل على استحالة إحداث فارق في هذه المرحلة بشأن تلك الحقوق، يستشهد البعض بعدم إنجاز البرلمان لقانون العدالة الانتقالية، الذي يرى فيه البعض خروجا من هذا النفق المظلم، رغم أنه نص ملزم بحسب المادة  214 من الدستور.


وعقب الإطاحة بمرسي، تقدم حقوقيون إلى الرئاسة المصرية وإلى وزارة كانت موجودة آنذاك باسم "العدالة الانتقالية" (أُلغيت عام 2015) بمشروع قانون شامل لتطبيق العدالة الانتقالية، من دون جديد في هذا المضمار.


وفي أيار/ مايو 2017، وصف أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب آنذاك، وزير الإعلام الحالي، خروج القانون بـ"المستحيل".


وأضاف هيكل: "نص الدستور متضمن عمل مصالحة وطنية، والمقصود بها مصالحة (جماعة) الإخوان (المنتمي إليها مرسي)، وهو أمر لا يمكن تقبله في ظل العنف الممنهج من الإخوان".


وهو اتهام عادة ما تنفيه الجماعة، وتشدد على أنها تنتهج السلمية في الاحتجاج على ما تعتبره "انقلابا عسكريا على مرسي"، بينما يراه آخرون "استجابة من الجيش لاحتجاجات شعبية".


فضلا عن أن النظام القضائي، وفق تصريحات وبيانات حقوقية سابقة، لم يحقق في أي اتهامات للسلطة بشأن ما حدث للضحايا في فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" على أيدي قوات من الجيش والشرطة.


وأقر البرلمان المصري قانون معاملة بعض قادة الجيش، في 16 تموز/ يوليو 2018، وهو يحظر مباشرة التحقيق أو اتخاذ إجراء قضائي عن أي فعل ارتُكب أثناء تأديتهم لمهامهم أو بسببها بين 3 يوليو/ تموز 2013 و8 تموز/ يونيو 2014 (منذ العزل وحتى بعد الفض) إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة (يترأسه السيسي).


إذن السلطات الحالية، الرئاسية والبرلماينة والقضائية، لن تفتح هذا الملف، طالما أن النظام الحالي موجود، خاصة أنه لا يزال يصف وجوده بالمستقر، ولا أفق قريبا يفيد بحدوث تغييرات جذرية في بنيته.


ولذلك يرى البعض أن حقوق من قُتلوا في "رابعة" ستلحق بحقوق من قُتلوا منذ ثورة يناير 2011، فالرئيس الأسبق الراحل، حسني مبارك (1981- 2011) تمت تبرئته هو وأغلب مسؤولي عهده من قتل المتظاهرين.


ما ضاع حق وراءه مُطالب


"حق رابعة لن يضيع، رابعة الصمود".. شعار رفعته قبيل الذكرى السابعة، جماعة الإخوان، التي تزعمت إدارة الاعتصام الشهير، ودفعت بسببه ثمنا باهظا وفق دوائرها، عقب ما تقول إنه توقيف طال أعدادا كبيرة من قياداتها وعناصرها، على رأسهم مرشدها العام محمد بديع، فضلا عن مقتل أعداد مماثلة جراء الفض.


وهذا الشعار يلخص رؤية المناصرين للاعتصام، في عبارة تاريخية: "ما ضاع حق وراءه مطالب".


في هذا الشق يتحرك هؤلاء المناصرون، في ثلاثة مسارات أشبه بوصايا تتكرر سنويا، هي: الإعلامي، الميداني، القضائي والحقوقي، وفي المسار الأخير يبرز مطلبا التدويل والعدالة الانتقالية.


‎وتحت لافتة أن "الجرائم لا تسقط بالتقادم"، يأتي في صدارة وسائل إحياء ذكرى الفض، التحرك إعلاميا وعلى منصات التواصل، إذ انتشرت صور ومقاطع فيديو تحمل مؤثرات حزينة، وأغاني تتحدث عن الذكرى وتكيل عشرات الاتهامات للنظام الحالي، وتحمله مسؤولية قتل المعتصمين.


ويسعى التحرك الإعلامي المتكرر سنويا إلى ترسيخ ما يذهب له مناصرو الاعتصام لبقاء القضية حية.


وهنا يعتمد المناصرون على إحياء الذاكرة سنويا، وليس الذكرى فقط، فهناك شهود عيان لا يزالون على قيد الحياة، مثل ذلك الطفل الذي ماتت أمه بجواره في ميدان الفض، وغيره، وبالتالي يعولون على أن عامل الوقت سيكون في صالحهم رغم مرور السنوات.


ويساعدهم في ذلك حشد في الميادين، تراجع كليا في مصر، بسبب الملاحقات الأمنية، وينشط خارجها، لا سيما في الدول الغربية، حيث ينفذون وقفات للمطالبة بمحاسبة القتلة، وعادة ما يهاجمون السيسي والنظام.


وهنا يحاول المناصرون تنبيه تلك الدول إلى أن الذاكرة لم تمت بعد، وهو حشد له تأثيره المعنوي فقط، ولن يجبر دول ذات علاقة جيدة مع النظام المصري على أن تغامر بفتح مسار قضائي للملاحقة بشأن "رابعة" يعكر صفو العلاقات في منطقة مضطربة وعالم متغير جراء جائحة "كورونا".


وبخلاف الحشد الإعلامي والميداني، يظهر الحشد القضائي والحقوقي، وهو لم يستطع حتى الآن إلا إنجاز مئات البيانات المرتبطة بالحدث، من دون أن ينقل المطالبات بمحاسبة الجناة إلى مربع الفعل الحقيقي بفتح تحقيقات دولية جادة.


وكان أحدث البيانات من "هيومن رايتس ووتش"، في حزيران/ يونيو الماضي، وقالت فيه إن "مذبحة رابعة، التي لم تحقق فيها السلطات المصرية حتى بعد سبع سنوات، كانت أسوأ واقعة قتل جماعي للمتظاهرين في التاريخ الحديث".


وأضافت المنظمة الحقوقية الدولية أنها "دعت مرارا وتكرارا إلى فتح تحقيق دولي مستقل في مذبحة رابعة، فيما لم يخضع أي مسؤول للتحقيق أو المقاضاة وحُكم على الكثير من الناجين بالإعدام والسجن لفترات طويلة في محاكمات غير عادلة". وهي اتهامات ينفها النظام.


وجاء بيان المنظمة، التي يشكك النظام المصري في مصداقيتها، تعليقا على تقديم محمد سلطان، وهو ناشط أمريكي من أصول مصرية، دعوى في محكمة أمريكية، مطلع حزيران/ يونيو الماضي، ضد كل من السيسي ورئيس الوزراء المصري الأسبق، حازم الببلاوي. ويتهم سلطان كلا من الببلاوي ومسؤولين آخرين بالمسؤولية عن تعذيبه خلال توقيفه قبل سنوات.


واعتبرت المنظمة أن "هذه القضية في المحاكم الأمريكية قد تمثل خطوة إلى الأمام على مسار تحديد ما حدث ومن هم المسؤولون عنه".


وأنعش تحرك سلطان آمال البعض بإمكانية تدويل قضية فض الاعتصام، وهو مطلب يتكرر سنويا.


ويعول آخرون، منهم محمد البرادعي نائب الرئيس المصري السابق، على تطبيق العدالة الانتقالية لحل أزمة مصر، بحسب تغريدة في كانون الثاني/ يناير 2019.


تنسيق غائب وخطاب مؤدلج


رغم تلك المساعي، فإن أزمتين تواجهان هذه المسارات أو "الوصايا الثلاث"، أولهما عدم التنسيق بشأن الأهداف والتحركات، فالبعض يسعون إلى المحكمة الجنائية الدولية وآخرون إلى المحكمة الأفريقية أو الأوروبية، وهنا تتشتت الجهود، ويرتفع سقف الطموحات بلا نتيجة.


وتأتي هذه الأزمة الأولى في ظل وجود عراقيل قانونية لمحاسبة المسؤولين في الخارج، لعدم تصديق مصر على اتفاقيات في هذا الصدد، أو اعتبارات دبلوماسية لن تسمح بتوقيف مسؤولين في دول أخرى، فضلا عن صعوبة التحرك القانوني داخل مصر وضخامة ملف متابعة أعداد كبيرة من الموقوفين سياسيا.


والأزمة الثانية هي تقديم "خطاب مؤدلج" في سياق طرح القضية، وكأنها معركة بين النظام وجماعة بعينها، وهو ما يجعلها محصورة لدى أنصار الفض فحسب، من دون أن تتسع دوائر الرأي العام المؤمن بتلك الحقوق على الأقل حتى الآن.


إجمالا، فـ"المعركة الصفرية" بين النظام وأنصار الاعتصام، لا تزال رحاها مستمرة في مهاجمة كل طرف للآخر، واعتقاد الطرفين أن نجاحهما قائم على فناء الآخر، وبالتالي فإن سيناريوهات "إحياء" حقوق ضحايا "رابعة" أو "وفاتها" ستبقى جدلية كل عام، ما دام "وراءها مُطالب".

 

اقرأ أيضا: رابعة.. "الثوري المصري" يدعو لصلاة الجمعة بالمساجد