قضايا وآراء

"متلازمة" أردوغان!

1300x600
وجب التأكيد بداية أنني لست "أردوغان- فيليا" ولا "أردوغان- فوبيا". فبكل موضوعية، الرجل له ما له وعليه ما عليه، ولا أبالغ لو قلت إنني أثرت "ما عليه" في عدة مناسبات أكثر مما له من نقلة نوعية، بل عملاقة حققتها تركيا في عهده.

لكنني صراحة ألاحظ اتجاها يبدو لي "مرَضيَا" في التهجمات الموجهة له، فيما يبدو "تحت الطلب" أو كـ"تكليف بمهمة" من بعض "المسقفين" أو "المقفسين" العرب أو من "المنطقة المسماة عربية"، كما يحلو لأحد هؤلاء تسميتها، وهو كمال داود الكاتب الجزائري المعبّر بالفرنسية، والذي ليس من المبالغة القول إنه ربما أشهر كاتب جزائري في فرنسا والغرب عموما، لموهبته الكتابية التي لا نقاش فيها، ولكن صراحة كذلك لدعم إعلامي "تلميعي" حظي به من لوبيات نافذة بسبب مواقفه من بينها القضية الفلسطينية ومن البعد العربي- الإسلامي أساسا.

لا تكاد تمر مناسبة دون أن يستهدف كمال داود الرئيس التركي. يكتب داود مقالا أسبوعيا في مجلة "لوبوان" الفرنسية اليمينية المملوكة لواحد من أغنى أغنياء فرنسا. واللافت أنه بين أسبوعين وأسبوعين تقريبا يعود داود ليكتب عن أردوغان وتركيا بما يأخذ أحيانا شكلا "هذيانيا"، مثلما فعل في آخر مقال له.

يزعم الكاتب الجزائري، في مقاله المتهافت المليء بالتناقضات، أن أردوغان يريد خوض حرب ضد فرنسا بسبب "لائكيتها" (مقابل العلمانية في فرنسا وإن كانت أكثر تطرفا)، مثله مثل "داعش"، الذي لا يقول داود إنه بقدر ما استهدف فرنسا، فإن التنظيم الإرهابي ضرب تركيا كذلك، ولا ينوه إلى حقيقة أنه رداً على الاتهامات الموجهة لها حول عبور الجهاديين الفرنسيين إلى سوريا عبرها، أكدت تركيا أن كثيرا من هؤلاء اتضح في النهاية أنهم كانوا معروفين، بل تحت مراقبة مصالح الأمن الاستخبارات الفرنسية، ولكنهم تمكنوا من السفر بطريقة شرعية من فرنسا وبجوازات فرنسية، وأن تركيا لا يمكن أن تراقب كل زوارها، وأن هؤلاء الإرهابيين ليسوا في النهاية إلا نتاجا فرنسيا، في بلد يعرف مشاكل حقيقية مع العنصرية واندماج مواطنيها، فيما يقدم الكاتب الجزائري، رغم أنه يعرف جيدا حقيقة الوضع، صورة "تلميعية" مغايرة عن فرنسا!

يذهب داود إلى حد "التشيات" (التمسح بالتعبير الشعبي الجزائري) الغريب لفرنسا عندما يعتبر أنها تمثل الآن لوحدها الغرب، يدرج حتى ترامب ضمن "المتآمرين" على فرنسا، مع أردوغان والإسلاميين الحالمين "بماض الإمبراطورية الإسلامية مقابل فرنسا، التي تمثل المستقبل، وأن لها مسؤولية عالمية"، كما يزعم!

يزيد الكاتب الجرعة إلى حد التخبط، عندما يتهافت قائلا إن أردوغان يريد شن "حرب مقدسة" على فرنسا بالمناورات العسكرية البحرية والاستفزاز الدبلوماسي، رغم أن الموضوعية تقتضي القول إن فرنسا هي في الحقيقة من تستفز تركيا بإرسال (على بعد آلاف الأميال) فرقاطة وطائرتين على الأقل قبالة السواحل التركية، ودعما لليونان

داود لا يشير إلى أن فرنسا النموذج كما يقدمها، ولما جد الجد، راحت تتباكى لحلف "الناتو" متهمة تركيا بالـ"تحرش" ببحريتها في المتوسط، لما هددت سفينة بحرية تركية بقصف أخرى فرنسية، حاولت اعتراض طريقها نحول ليبيا. اللافت أن داود، الذي كان قد هاجم تدخل تركيا في ليبيا كم من مرة سابقا، لم يشر هذه المرة لها وإلى التدخل الفرنسي هناك دعما للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، قبل أن تخسر باريس الرهان بانتكاسة مدوية لحفتر بعد تدخل تركيا دعما للحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.

في انحدار آخر في مقاله، يذهب الكاتب الجزائري إلى القول إن أردوغان يريد "حرباً صليبية" ضد فرنسا لبيع وهم صلاح الدين، في خلط قد يبدو غريبا، لكن ليس عن كمال داود الذي كتب مقالاً، بدا مدروسا، قبل أعوام بالتزامن مع القصف الإسرائيلي لغزة، قال فيه إنه لن يتضامن مع فلسطين. وبقدر ما أثار جدلا وغضبا بقدر ما لقي ترحيبا من الأوساط الصهيونية، خاصة في فرنسا.

ويبدو لافتا أنه فيما يكتب ضد أردوغان ودفاعا عن فرنسا، حتى ضد احتجاج فرنسيين ضد نظامهم مثلما هو الشأن في مقال له عن محتجي "السترات الصفراء"، لم يعد الكاتب الجزائري الذي عرف بمقالاته النارية خلال حكم بوتفليقة، يكتب كثيرا عن الجزائر، وربما آخر مقال له في نفس المجلة الفرنسية، قبل أشهر، كان هجوما "صادما" ضد الحراك الشعبي، لم يختلف ضمنيا عن التيار "الباديسي النوفمبري" الذي ينتقده! ولم يصدر عن داود موقف مندد بالقمع الذي يتعرض له الحراكيون وسجناء الرأي، مثل زميله الصحافي خالد درارني الذي حكم عليه بثلاث سنوات سجن فقط لأنه يغطي الحراك، وتعرض لحملة تخوين واتهامات باطلة بـ"التخابر مع فرنسا"!

"هوس" كمال داود الذي أخذ بعدا مرضيا بأردوغان، الذي تحول إلى ما يشبه "ساندروم" (متلازمة) بالنسبة له ولكثيرين، يمكن التأريخ لأعراضه الظاهرة ربما قبل أكثر من سنتين، عندما أعلن رفضه زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجزائر، حينها، لاعتبارات من بينها أن تركيا كانت مستعمرة للجزائر، والمفارقة حتى لا نقول شيئا آخر أن داود كان يقول ذلك، وهو على مائدة عشاء "مسقية جيدا"، كما يقول التعبير الفرنسي، دعاه إليها مع آخرين، إيمانويل ماكرون، رئيس المستعمر الفرنسي السابق أثناء زيارته للجزائر، حينها!

لكمال داود "متلازمات" أخرى، بينها العربية التي يتقنها، فقبل سنوات صرح بمنطق فرانكفوني استعلائي غريب أن من يكتبون باللغة العربية هم في غالبيتهم بما معناه "أصوليون"!

وأنا (أعوذ بالله من كلمة أنا!)، الكاتب الذي يزعم أنه علماني (أصر على علماني غير معاد للدين وليس لائكياً!) وديمقراطي غير استئصالي، أستغرب هذا الموقف وهذه "المتلازمات" من كمال داود (الإسلامي السابق التائب من الأصولية!)، إمام قريته السابق، الذي اعترف بأنه كان أصوليا متزمتا في بدايات شبابه!