صحافة إسرائيلية

قراءة إسرائيلية لفرص المصالحة بين حماس وفتح.. تقارب وفجوات

اتضح للفلسطينيين أن اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين عمل على تأجيل الضم ولم يلغه- أ ف ب

تدارس معهد بحثي إسرائيلي، فرص التقارب بين القطبين الفلسطينيين؛ حماس وفتح، مؤكدا أن استئناف المسيرة السياسية بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، سيعزز مكانة السلطة وسيجعل من الصعب على القطبين تحقيق المصالحة، وبلورة استراتيجية نضالية قتالية مشتركة ضد "إسرائيل".

وأوضح "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، في ورقة بحثية من إعداد يوحنان تسورف وكوبي ميخائيل، أن اللقاء الذي عقد في إسطنبول يوم 24 أيلول/سبتمبر الماضي، بين أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح"، جبريل الرجوب، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" صالح العاروري، "حقق تعبيرا عن المعنى الجسيم الذي توليه قيادتا المعسكرين للتطورات التي تدحر القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الإقليمي".

وأشار إلى أن حماس وفتح تعتبران نشر "صفقة القرن" الأمريكية، وخطة الضم الإسرائيلية، إضافة إلى تطبيع الإمارات والبحرين "تهديدا على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني وحصرية تمثيل الفلسطينيين له"، منوها إلى أن اللقاء، جاء ضمن سلسلة المساعي الفلسطينية لتحقيق المصالحة.

وبالتزامن مع عقد اللقاء في إسطنبول، أجرى المعهد الإسرائيلي حوارا بالخصوص، وعُرض خلاله نهجان حول فرص التقارب بين القطبين الفلسطينيين، الأول قدمه يوحنان تسورف؛ وهو نهج يرى أن التغيير يمكن أن يؤدي إلى المصالحة، وأن العزلة الإقليمية والدولية للفلسطينيين، تجبرهم على وضع فكر وطني محدث".

 

اقرأ أيضا: حماس تنفي لـ"عربي21" مباحثات "هدنة طويلة" مع الاحتلال

وأما النهج الثاني الذي عرضه كوبي ميخائيل، فقد "عرض الفجوات بين الفصيلين غير القابلة للجسر، معتقدا باحتمالية متدنية بتوافقهما لدرجة عدم حدوث المصالحة".

نهج التقارب

وحول نهج إمكانية التقارب، نبه تسورف، إلى أن "الاحتكاك مع إسرائيل هو المحرك شبه الحصري لمنظومة العلاقات بين فتح وحماس، وهو سبب الانقسام بينهما، وهو الكفيل أيضا في الظروف الحالية بالمساعدة في التقارب بينهما"، زاعما أن "الاحتكاك في الوقت الحالي، يهدد بالتراجع عن الإنجازات السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية".

وأوضح أن مخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (صفقة القرن)، "حرك الأمور باتجاه الموقف الموحد للمعسكرين الفلسطينيين، فهو لا يجيب على مطالب الحد الأدنى للجناح الأكثر اعتدالا في الساحة الفلسطينية؛ حيث الضم الإسرائيلي لكل الأرضي بين البحر والنهر، مما يبقي المسؤولية الأمنية لإسرائيل، إضافة للسيادة على الأماكن المقدسة في القدس في يد إسرائيل حتى بعد قيام دولة فلسطينية".

وفضلا عن ذلك، فقد اتضح للفلسطينيين أن "اتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين، عمل على تأجيل الضم ولم يلغه، كما أن هذا الاتفاق جسد عمق العزلة التي علقوا فيها وضياع التضامن العربي الذي بنوا عليه سواء استراتيجية الكفاح أو التفاوض مع إسرائيل".

وبناء على ما سبق، فإنه يسود اليوم في الساحة الفلسطينية الإحساس، بأنه "إذا لم أكن أنا لي فمن لي، والذي يستوجب وضع خطوط عمل فصائلية مشتركة، كرد فعل على حالة الضعف الراهن، بحيث تشارك فيه كل الفصائل، و تعرب عن استعدادها للعمل في إطاره"، كما قال تسورف.

وذكر أن "الإحساس في معسكري فتح وحماس، بأن مجرد محاولات التقارب هذه توجد استجابة لمطلب الجمهور الذي يرى في الانقسام سببا للضعف الفلسطيني، الذي يسمح لكل جهة خارجية بالتدخل في شؤونهم".

وقال: "إن الاستراتيجيتين المختلفتين لفتح وحماس في الكفاح ضد إسرائيل، تطرح علامة استفهام على قدرتهما على التقارب أو المصالحة، وهنا ثلاث مسائل يمكنها أن تشكل عقبة خلاف؛ الأولى: المقاومة المسلحة واستخدام السلاح، حيث أمر محمود عباس بعد انتخابه في 2005 رئيسا للسلطة، بوقف أعمال العنف ضد إسرائيل، والتنسيق الأمني الكامل معها، وسعى إلى تحكم السلطة بالسلاح كشرط للمصالحة مع حماس، أما الأخيرة، فرفضت ذلك وتمسكت بالمقاومة المسلحة كطريق عمل مركزي".

والمسألة الخلافية الثانية، هي "ميزان القوى بين الفصائل؛ فحركة حماس جسم متماسك وقوي، وهي لا تعترف بإسرائيل، وفي ذات الوقت، أصبحت على وعي أكبر بالحاجة للعمل الفصائلي المشترك والانخراط في الأسرة الدولية، وعليه، فإن من الصعب الحديث اليوم عن منظومة علاقات فصائلية بين فتح وحماس كلعبة نتيجتها صفر".

وأشار تسورف، إلى أنه "في حال سيطرت حماس على منظمة التحرير الفلسطينية، فستكون مطالبة بأن تتصدى لمسائل معقدة"، متسائلا: "هل ستبقى فتح مركزية في المنظمة، إذا ما سيطرت حماس عليها؟ أم إن حماس ستربط المنظمة بالمحور الراديكالي، وهكذا تخاطر بمواجهة دائمة مع إسرائيل؟".

ولفت إلى أن المسألة الثالثة، هي "الارتباط بمحور تركيا-قطر"، مبينا أن "الخطوات التي نفذتها حماس وفتح حتى الآن، تشير إلى التقارب نحو هذا المحور، والذي من شأنه أن تكون له معانٍ ثقيلة الوزن من ناحية فتح"، مضيفا أنه "ينبغي علينا أن نرى تقارب فتح مع محور تركيا-قطر كاحتجاج على الدول العربية التي أيدت التطبيع مع إسرائيل، وبقدر أقل كمحاولة للانفصال عن المعسكر البراغماتي".

وتابع: "في كل الأحوال يبدو أن فتح لن تتخلى عن علاقاتها مع المعسكر البراغماتي، بينما حماس تبذل منذ زمن جهودا للتقرب منه"، موضحا أنه "يلوح تسويف في عقد المحافل التي يفترض بها أن تقر استمرار المصالح، وهناك في الجانب الفلسطيني ما يربط ذلك بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، حيث يأمل عباس أن ينتخب جو بايدن، فيتراجع عن خطوات دونالد ترامب ما يجعل مسيرة المصالحة لا داعي لها".

نهج حفظ الفجوات   

أما الباحث الإسرائيلي كوبي ميخائيل، فرأى أن "الساحة الفلسطينية، توجد في إحدى لحظات الدرك الأسفل التاريخي لها، حيث فقد الفلسطينيون قوة الفيتو على التطبيع مع إسرائيل، والقدرة على التأثير على السياسة الأمريكية حول النزاع والحل، فضلا عن الدعم الاقتصادي الأمريكي، وعلقوا في أزمة اقتصادية، وفقدوا دعم المعسكر العربي البراغماتي وبقوا مع دعم المعسكر الراديكالي، وطرأ تآكل دراماتيكي في ثقة الجمهور بقيادة السلطة الفلسطينية، وكل هذا بينما تنقسم الساحة الفلسطينية بين كيانين مستقلين، يمثلان فكرين مختلفين".

وأضاف: "في القيادتين الفلسطينيتين، يسود إحساس بحالة الطوارئ، ولكن ضائقة كل منهما ليست متشابهة، ففي نظر حماس، تراجع مكانة القضية الفلسطينية، دليل على فشل استراتيجية المفاوضات التي يقودها عباس، ودليل قاطع على صحة خطها، وضرورة مواصلة الكفاح المسلح ضد إسرائيل، ومن هنا ينشأ فكر قيادة حماس، بأن هذه لحظة مناسبة لإلغاء الهيمنة التاريخية لفتح"، بحسب تقديره.

 

اقرأ أيضا: عن حوار "حماس" و"فتح" والرجوب.. أين المصداقية؟

وبين الباحث، أن "قيادة حماس تعبر عن التقارب مع المحور التركي-القطري وإيران، وهي مستعدة للمصالحة مع فتح ولكن بشروطها"، لافتا إلى أن "سعي فتح للمصالحة، ليس سوى مدخل لحماية قبضتها في الساحة الفلسطينية، وهي ترى المصالحة ممكنة، في حال ضمنت لها الشراكة في مراكز القوة في الساحة الفلسطينية، وهذا هو الأساس لمطالبة حماس بإجراء الانتخابات: الرئاسية، والمجلس التشريعي، والمجلس الوطني الفلسطيني".

ولفت إلى أن "حماس تسعى لدخول منظمة التحرير والتمثيل المناسب لمؤسسات المنظمة، وهذه المطالب كانت ولا تزال سيفا مسلطا على رقبة فتح وقيادة السلطة، أما فتح من جهتها فتسعى للانتخابات بشكل متدرج، وقيادة فتح والسلطة تعارض إقامة حكومة وحدة للإعداد للانتخابات وتطالب بأن تكون الحكومة الحالية، هي المسؤولة عن كل الاستعدادات اللازمة".

وذكر أن "حماس مقتنعة، بأن الانتخابات ستحقق لها إنجازات واضحة، بل وانتصارا على فتح، وهو ما يثبت مكانها في الداخل، ويلزم الأسرة الدولية بالاعتراف بها، ما يسمح لها بتحطيم دائرة العزلة الدولية التي تعيشها"، موضحا أنه "في حال انخرطت حماس في المنظمة، فإنه من غير المعقول التخلي عن إنجازاتها العسكرية".

وأكد ميخائيل، أن "الوجود العسكري ليس حيويا لوجود حماس فقط، بل كوسيلة لتأكيد الاستراتيجية ولتثبيت ضرورة الاعتراف بتصدر الكفاح المسلح"، معتبرا أن "المساومة الأكبر من جانب حماس، السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى قطاع غزة، غير أن هذه المساومة قد تتبين كمنزلق يخافه رئيس السلطة، ولهذا فمن غير المعقول أن يقبل به".


"المهم لإسرائيل" 

وخلصت الورقة البحثية، إلى أنه "رغم الوضع الاستراتيجي المتهالك للساحة الفلسطينية، فلا يزال من السابق لأوانه القول إن الجواب على التحدي، سيكون إعادة التنظيم على أساس ترتيب العلاقات بين فتح وحماس؛ ذلك لأن أساس شرعية قوة فتح من خلال السلطة، وبخاصة رؤيتها للدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حدود 67، التي تلقت ضربة شديدة من الولايات المتحدة والدول العربية".

وفي المقابل، ترى "حماس في الأزمة فرصة استراتيجية لتعزيز مكانتها، ورغم ذلك فإنه يجب الأخذ بالحسبان، أن الساحة الفلسطينية ستمر بتغيير حقيقي إذا ما اعتزل عباس، أو اختار الشراكة مع حماس لوضع استراتيجية كفاح مشتركة تساعد على تعزيز وزن الورقة الفلسطينية في الساحتين الاقليمية والدولة، وتحديدا مع إسرائيل".

 

اقرأ أيضا: إقليم "فتح" بالقدس يحذر من مال إماراتي يدعم الاستيطان

وقدر المعهد، أن "عباس لا يزال يفضل المسار السياسي مع إسرائيل على المصالحة مع حماس، التي قد تؤدي بها لرئاسة السلطة والمنظمة، وهو التطور الذي يتعارض مع المصلحة الإسرائيلية"، منوها إلى أن "إسرائيل من جانبها، معنية بسلطة مستقرة تؤدي مهامها في التنسيق الأمني والمدني، مع ضمان واقع اقتصادي محسن واستقرار في الضفة الغربية، وتثبيت التهدئة في غزة".

وفي هذا الإطار، فإن على "إسرائيل أن تستأنف التنسيق الأمني، الاقتصادي والمدني مع السلطة في الضفة، ومنع تموضع حماس في المنطقة، كما أنه ينبغي العمل على تحسين واستقرار القطاع، بالتوازي مع تحسين الوضع الأمني في هذه الساحة واستقرارها، من خلال الاستعداد الإسرائيلي لتسوية واسعة مع غزة".

وفي النهاية، فقد زعم المعهد في دراسته، أن "استئناف المسيرة السياسية سيعزز السلطة الفلسطينية وسيجعل من الصعب على حماس وفتح توحيد الصفوف وبلورة استراتيجية مشتركة لكفاح قتالي ضد إسرائيل".