سياسة عربية

صحيفة: مصر منزعجة للغاية من موجة التطبيع الثانية

صحيفة "مدى مصر" قالت إن موجة التطبيع مع إسرائيل تهمش نفوذ القاهرة في المنطقة أكثر فأكثر- مواقع التواصل

نشرت صحيفة "مدى مصر" المصريّة المستقلة تقريرا، تحدّثت فيه عن إعلان السودان وإسرائيل والولايات المتحدة اتفاقا مبدئيا على التطبيع التدريجي للعلاقات بين السودان وإسرائيل، في صفقة ستجلب المليارات من أموال المساعدات، وحصانة محتملة لكبار الشخصيات العسكرية السودانية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه جاء في بيان مشترك صادر عن الدول الثلاث أن "القادة اتفقوا على تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، ووقف حالة العداء بينهما". ويُعدّ السودان ثالث دولة عربية تطبّع العلاقات مع إسرائيل خلال الشهرين الماضيين، بعد الاتفاقات التي أبرمتها كل من الإمارات والبحرين.

وأشار هذا البيان المشترك إلى أن التركيز الأولي سيكون على الزراعة، ومن المقرر أن تجتمع وفود من كل دولة في الأسابيع المقبلة للتفاوض بشأن اتفاقيات التعاون في مجال تكنولوجيا الزراعة والطيران وقضايا الهجرة وغيرها من المجالات. وصرّح مسؤولان سودانيان لوكالة "أسوشيتد برس"، يوم الخميس، بأن هذا الاتفاق صدر عقب زيارة وفد أمريكي إسرائيلي إلى السودان في وقت سابق من هذا الأسبوع؛ لمناقشة التطبيع بين البلدين.

وصرح أحد المسؤولين السودانيين لوكالة "أسوشييتد برس" بأن هذا الوفد، الذي ضمّ القائم بأعمال المدير العام لمكتب نتنياهو، رونين بيرتس، ومدير شؤون الخليج في مجلس الأمن القومي الأمريكي، الجنرال ميغيل كوريا، التقى رئيس المجلس السيادي الانتقالي في السودان اللواء عبد الفتاح البرهان، وكبير مستشاري رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

وأوضحت الصحيفة أنه مع بدء المفاوضات خارج حدود مصر، عبّر المسؤولون المصريون عن مخاوف كبيرة من أن عملية التطبيع هذه قد تفقدهم نفوذهم في السودان. بدأت التطورات بين السودان والولايات المتحدة في وقت سابق من هذا الأسبوع، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن المسؤولين في واشنطن والخرطوم توصلوا إلى اتفاق بشأن إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى رفع العقوبات التجارية عنه المفروضة منذ سنة 2017.

ونقلت الصحيفة عن مصدر مصري مطلع على المفاوضات، قائلا إن "حمدوك امتنع في البداية عن الموافقة على التطبيع مع إسرائيل، لكنه وافق لاحقا بعد أن زادت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة من حجم المساعدات التي ستمنحها للسودان".

ويضيف المصدر المُقرب من حمدوك أن رئيس الوزراء كان يصر على أن التطبيع هو عملية تدريجية كانت تتبلور على مدى عامين، وذكر حمدوك سابقا أن الحكومة الانتقالية "ليست مخولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل"، مشيرا إلى أن "مثل هذه الخطوة يجب أن تأتي بعد تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيا. ومع ذلك، يبدو أن رئيس الوزراء أقل قلقا بشأن رد الفعل العكسي المحتمل الذي قد يحدثه اتخاذ مثل هذا القرار الآن".

وأكد المصدر ذاته أنه خلال اجتماع في بداية تشرين الأول/ أكتوبر لمناقشة التطبيع مع إسرائيل، أخبر السفير السوداني لدى الولايات المتحدة، نور الدين ساتي، القادة السياسيين السودانيين المجتمعين في الولايات المتحدة أن "رئيس الوزراء يؤيّد التطبيع ويعتبره خطوة جيدة، لكن هناك رغبة قوية في تحقيق ذلك تدريجيا خلال الفترة الانتقالية".

 

اقرأ أيضا: انفراد: اتهامات فساد تلاحق مسؤولا عينه السيسي (وثيقة)

ولفتت الصحيفة إلى أن "السودان يسير على طريق هش نحو الديمقراطية، ومشحون بالانقسامات بين الجناحين العسكري والمدني للحكومة الانتقالية، بعد انتفاضة شعبية أدت السنة الماضية إلى الإطاحة بعمر البشير، حيث تداولت النقاشات حول إمكانيّة إجراء الانتخابات في أواخر 2022".

وأردفت: "بالإضافة إلى أن أموال المساعدات ستكون حيوية لدعم الاقتصاد السوداني المتعثر، فإن الجناح العسكري للحكومة، لا سيما البرهان ومحمد حمدان دقلو، يتطلع أيضا إلى اعتماد التطبيع لتجنب الملاحقة القضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم حرب حكومة البشير والإبادة الجماعية في دارفور. ووفقا للمصدر المصري المُطلع، أبلغ بومبيو البرهان أنه سيكون هناك ضغط أمريكي قوي لإعفاء حميدتي والبرهان من محاكمتهما من قبل المحكمة الجنائية الدولية".

وذكرت: "في حين أن إدارة ترامب قد تنظر إلى التقارب بين السودان وإسرائيل على أنه إضافة جيّدة لسجل إنجازاتها قبيل الانتخابات الرئاسية، خاصّة أن الرئيس الأمريكي الحالي يتخلف عن خصمه جو بايدن في استطلاعات الرأي الوطنية، فإن مصر تولي أهميّة أكثر للتنمية". ويقول المصدر المصري المطّلع: "هناك قلق معين بين بعض دوائر السلطة في القاهرة بشأن التنمية، لأن التقارب مع السودان سيسمح لإسرائيل بتأسيس منظمات إغاثة في جميع أنحاء السودان، مما يمنحها نفوذا كبيرا في البلاد".

ووفقا لمسؤول سوداني ثان، زارت عدة وفود سودانية القاهرة خلال الأيام الأخيرة لاطلاع المسؤولين المصريين على تفاصيل المفاوضات مع إسرائيل. ومع ذلك، أشار مسؤول مصري مُقرب من أطراف السلطة الرسمية إلى أن مصر "منزعجة للغاية بشأن الموجة الثانية من التطبيع التي تلت اتفاقات التطبيع الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين في الشهرين الماضيين، إذ لم يتم إبلاغ أو طمأنة مصر بشكل كاف عن الغاية الحقيقيّة لهذه الصفقة"، بحسب "مدى مصر".

وخلصت الصحيفة إلى أن مصر لطالما كانت المُتحاور الرئيسي مع إسرائيل على مدى السنوات الأربعين الماضية، منذ أن أصبحت أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل بعد معاهدة كامب ديفيد للسلام سنة 1979. وعلى مدى العقد الماضي، تضاءل نفوذ مصر في المنطقة، مع بروز الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كوسطاء إقليميين. لذلك، يهدّد قرار الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ثم البحرين بمباركة السعودية، بتهميش نفوذ القاهرة في المنطقة أكثر فأكثر".

"أدوات البلطجة الأمريكية"


من جهته، قال المحلل السياسي المصري، محمد شريف كامل، إن "المنطقة محكومة بأدوات تتحكم فيها البلطجة الأمريكية؛ فالسودان المُدمر اقتصاديا يقترض من البنك الدولي ليدفع للولايات المتحدة ليُرفع أسمه مما يسمى لائحة الإرهاب التي فرضتها البلطجة الأمريكية على كثير من دول العالم بلا وجه حق، وعليه أن يُطبّع من الكيان الصهيوني لتكتمل الصفقة".

ولفت، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن "الشعوب تُوعد بالرخاء مقابل ما يسمى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا ما حدث مع مصر من خلال اتفاقية كامب ديفيد، التي لم تجلب إلا الخراب للاقتصاد المصري، ولم تجلب إلا الملايين لحكام مصر بالوكالة، واليوم سيتم الشيء ذاته في السودان، حيث سيتم تمكين قوى استغلالية من الحكم، وربط الحكم والاتفاقات مع مصالحها الشخصية وليست مصالح الشعوب".

وتابع "كامل": "بهذا الترتيب، نجد أن التجربة المصرية والنظام المصري قد امتدا ليشملا السودان، وليبيا ليست ببعيدة عن هذا، فما بدأ في السودان بتطويع ثورة الشعب للتحول إلى انقلاب مماثل لـ3 تموز/ يوليو 2013 في مصر، وكلاهما جاء بتمويل إماراتي ومباركة سعودية أمريكية صهيونية، وما يُشاع عن الديمقراطية في السودان هو المسرحية الهزلية ذاتها الجارية في مصر".

واستطرد قائلا إن "الحديث عن الاستثمار في الزراعة ما هو إلا إحلال للاتفاقيات الصينية السودانية باتفاق من إسرائيل والولايات المتحدة لمصلحتهم، والتأكد من تحكمهما في الاقتصاد العربي، وهو ما حدث مع مصر، وليُسأل عن ذلك تاريخ وزير الزراعة الراحل يوسف والي".

وأوضح "كامل" أن "النظام المصري يتظاهر بأنه حريص على ضمان حقوق مصر، ولكن دوره وللأسف هو التأكد من أن الاتفاق لا يمس مصالح الطبقة الحاكمة في مصر وليس الأمن القومي المصري ومصالح الشعب المصري والعربي".

وأضاف: "لقد تحدث نتنياهو عن أن تلك الاتفاقيات جيدة لكيانه، ويجب أن ندرك أنه لا يمكن أن يجلب ذلك للمنطقة غير عدم الاستقرار والكراهية والإفلاس، ويجب أن نتابع الأنباء حول طريق التجارة بين الإمارات والكيان، الذي سيشمل الأردن والسعودية، وسيُعتبر الممر البديل لقناة السويس، وهو ما يعتبر شكل من أشكال الإضرار المتعمد بما تبقى من المكانة المصرية الاقتصادية والسياسية".

واختتم  "كامل" بقوله إن "الحديث عن مشروعات الإغاثة الصهيونية للسودان ما هو إلا مشروع سيطرة كاملة على المنطقة، وعلى منابع النيل، ما يمثل إضرارا مباشرا بمصلحة مصر ومستقبل المنطقة كلها".