أخبار ثقافية

هكذا حوّل الأطفال كورونا إلى ذات من ألوان (صور)

استطاعت رسومات الأطفال الكشف عن تأثر الأطفال بكورونا واختراقه لعوالمهم الصغيرة وملاحقتهم حتى في أحلامهم

لم يعد العالم يتعامل مع كورونا كفيروس بمفهومه الطبي وتفسيره العلمي وإنما تحول الفيروس إلى موضوع يخاطب حياة الناس وبناهم النفسية بعد أن بات جزءاً من لازمتنا اليومية.

 

نحن اليوم نتحدث عن كورونا -وليس كوفيد19- كذات فاعلة غيرت من شكل الحياة وفرضت نفسها عليها ولا يزال لديها خطط للسيطرة على العالم. حولت خيالاتنا كورونا إلى كائن له ذات عاقلة يخضع لحكمنا الأخلاقي وانطباعاتنا الشخصية. فتارة يُصوّر كورونا كذات غير أخلاقية جاءت لتفتك بالبشرية دون رحمة، وأحياناً كذات حكيمة جاءت لتنقذ العالم وتكشف زيفه وتعطيه درساً في التواضع.

 

ولأن الإنسان لا يطيق الحديث عن كائن لا وجه له، فإنه يحول فيروسا -لا يُرى بالعين المجردة- إلى أيقونة لها ملامحها ومشاعرها التي تعبر عنه متمثلة في عالمه المحسوس. وإن كان موضوع كورونا قد شكل تحدياغ للجميع فقد استطاع خلق عالم خاص للأطفال الذين استطاعوا من خلال الرسم والألوان الكشف عن بعض ما في هذا العالم من قصص وأساطير وتفاعلات ومشاعر.

 



كورونا كما يتخيله الطفل آدم أبو عجمية (5 سنوات- أبوظبي)

لم يكن ظهور كورونا بالحدث العابر بالنسبة للأطفال الذين شعروا بتغيرات سريعة في البيت والمدرسة والمحيط الخارجي. تغير فجأة عالمهم الصغير ووجد الأطفال أنفسهم في البيت مع عائلاتهم لأيام وساعات طويلة، وأصبح الخروج للعب حلم قد يتحقق ولكن بحذر شديد. حاول بعض الأهالي إشراك الأطفال في هذا الحدث وتقديم الشرح المناسب لهم عن الفيروسات وكيفية انتقالها بين الأجسام وطرق الوقاية منها. ولأن خيال الأطفال يسبق البالغين أحيانا في تفسير الأمور الغامضة، اتجه كثير من الأطفال بشكل عفوي نحو الرسم لأسباب كثيرة منها الحاجة لتمثيل كورونا بشكل بصري يساعدهم على تخيله وفهمه، ولحاجات تفاعلية أخرى يعبر من خلالها الأطفال عن أنفسهم.

 



كورونا كما يتخيله الطفل عمر السخني (4 سنوات- الأردن)

من خلال مشروع تم إنجازه خلال الفترة الأولى للحجر المنزلي، شارك أكثر من 28 طفلا رسوماتهم لكورونا بعد التواصل مع مجموعة من العوائل الفلسطينية في: القدس، طولكرم، باقة، الناصرة، غزة، الأردن، أمريكا، الإمارات، السعودية.

 

شارك المتطوعون رسومات أطفالهم مرفقا بتسجيل صوتي أو مقطع فيديو لحوار الطفل مع أهله يشرح من خلاله رسمته ويقدم سرديته الخاصة عن كورونا. أكدت هذه التسجيلات أن لدى الطفل شيء ليقوله عن كورونا وما يحدث حوله، بالإضافة إلى أنها كانت فرصة مهمة للأطفال ليعبروا عن أنفسهم من خلال حوار صحي يعطيهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم.

 



معركة كورونا كما تتخيلها الطفلة جود طمليه (11 سنة- أمريكا)

تنوعت تصورات الأطفال لكورونا، بعضها كان أكثر واقعية متأثرا بما يتم عرضه على الشاشات، وبعضها كشف عن عالم الطفل الخاص الذي يبدو فيه كورونا أقرب إلى كائن أسطوري وأحيانا أقرب للبشري. يظهر فيروس كورونا بملامح مميزة تعطيه شيئا من الخصوصية وتعابير تكشف عن شخصيته، فهو كائن غامض، شرير، مخادع، ولكنه أيضا سعيد ومغامر، يحب السفر والمغامرات. في حديث مع بعض الأطفال المتعاطفين مع كورونا، تجد أن لدى خيالهم القدرة على التجرد وتجاوز التصورات النمطية حيث يتفاعل خيالهم مع الفيروس كأنه كائن باستطاعتهم مشاهدته وسماع قصته ونقلها من وجهة نظره.


كورونا السعيدة مقابل حزن الطفلة جوانا ياسين (5 سنوات- طولكرم)

قدم الأطفال مع رسوماتهم مجموعة من القصص والسرديات حول كورونا والتي استطاعت نقل تجاربهم الشخصية ومحاكاة واقعهم والكشف عن عناصر مستحدثة على بيئتهم وثقافتهم. تظهر بعض تلك العناصر بشكل ملفت كتكرار اليد في الرسومات واقترانها بالصابونة التي تكرر رسمها على شكل "قلب حب" دلالة على كونها مصدرا للأمان. يظهر أيضا البيت والعائلة كمصدر حماية للطفل وعزله عن الخطر الخارجي. أما العناصر البيئية فنجد مثلا تواجد الشرطة في رسومات بعض الأطفال بجانب الأطباء باعتبارهم الأبطال المدافعين عن العالم.

 


كورونا عالقة في فقاعة صابون للطفلة جنى قريقع (9 سنوات- غزة)

غيرت تجربة كورونا كثيرا من شكل الحياة التي كان قد عرفها الأطفال وكان لتجربة الحجر الصحي آثارا مختلفة عليهم حيث سبب للبعض قلق واضطرابات نفسية أثرت على يومياتهم بينما كانت للبعض الآخر بمثابة عطلة سعيدة. من خلال حديث بعض الأمهات كانت المفاجأة من حجم المشاعر السلبية للأطفال تجاه المدرسة أو الحضانة بشكل يبدو أكثر حدة وعداوة من تجربة الحجر الصحي. ملاحظة جعلت الكثير من الأمهات يفكرن بأهمية التعليم المنزلي وأهمية الفرصة التي حظيت عليها العائلة باجتماعها وقضاء وقت أكبر معا. 


لانا عيساوي تعبر عن سعادتها في فترة الحجر المنزلي (6 سنوات- الناصرة)

من خلال الرسم يعبر الطفل عن مشاعره وأفكاره والبعض يستغل مواهبه لإيصال رسائل لا يستطيع التعبير عنها من خلال الكلام. حاول الأطفال برسوماتهم تقديم مجموعة من النصائح والارشادات للوقاية من كورونا وكيفية التعامل معه، مؤكدين على أهمية الاختيار. بالنسبة للأطفال هناك دائما ما يمكن عمله وهناك مسؤولية عليهم تحملها. بل استخدم بعضهم رسوماتهم ليصنعوا دواء متخيلا ليعالجوا مريضا على الورق ويقدموا حلولا من صنع خيالهم.

 


بطاقة كورونا تحمل لقاحات لمعالجة المرضى للطفلة حلا عنبتاوي (7 سنوات- الأردن)

استطاعت رسومات الأطفال الكشف عن تأثر الأطفال بكورونا واختراقه لعوالمهم الصغيرة وملاحقتهم حتى في أحلامهم. ولكن كشفت أيضا عن قدرة الأطفال على التأقلم والتعايش مع التغيرات بشكل أكثر صلابة وأقل هشاشة مما كنا نتصوره عن الصغار.

 

يتعامل الأطفال مع هذا العالم المعقد بطريقة عملية ويتفاعلون مع مسؤولياتهم اتجاه ما يحدث حولهم ويغيرون من سقف توقعاتهم بما يتناسب مع ظروفهم. فالأطفال ليسوا فقط متلقين لمؤثرات الكبار، بل هم أيضا فاعلين مشاركين في هذا العالم وإن كانت فاعليتهم تقتصر أحيانا على أدوات بسيطة يمتلكونها كالقلم والألوان.