مقابلات

حقوقية تونسية: قانون حماية قوات الأمن سيؤدي لعودة القمع

الحقوقية التونسية نبيلة حمزة قالت إن "هناك محاولات عديدة لتكميم الأفواه في تونس"- عربي21

وجّهت الحقوقية التونسية نبيلة حمزة، انتقادات شديدة إلى "مشروع قانون حماية قوات الأمن"، قائلة إنه "كُتب بطريقة ضبابية للغاية، ويسعى لمنح الأمن نوعا من الحصانة والمشروعية القانونية للاعتداء على المواطنين، ويسمح بعودة القمع والنظام البوليسي. لكننا نعتقد أنه لن يمر"، مُطالبة بضرورة التصدي لكل "محاولات تغول المنظومة الأمنية".

وأكدت، في مقابلة مُصورة مع "ضيف عربي21"، أن "هناك الآن محاولات عديدة لتكميم الأفواه في تونس، عبر تمرير قوانين مُجحفة بحق الصحافيين وغيرهم، وهناك تهديدات كبيرة بشأن مكتسبات وحقوق المرأة التونسية"، مُحمّلة "حركة النهضة المسؤولية الأكبر عما آلت إليه الأوضاع، لأنها بمثابة الحزب الحاكم الذي سيطر على مختلف الحكومات والمؤسسات"، على حد قولها.

 


ولفتت "حمزة" إلى أن فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية "سيُغيّر الكثير على مستوى الداخل بالولايات المتحدة، فضلا عن أنه سيدعم حقوق الإنسان في بعض دول الشرق الأوسط"، مستدركة بالقول: "إلا أنني لا أنتظر منه دعما حقيقيا للقضية الفلسطينية، ويجب ألا تكون هناك توقعات بتغييرات جذرية في سياساته الخارجية".

و"نبيلة حمزة"هي مناضلة نسوية، شغلت سابقا منصب رئيسة "مؤسسة المستقبل" التونسية، وحصلت على جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبي لعام 2019.

وفي ما يأتي نص المقابلة مع "ضيف عربي21":

 

كيف ترون مشروع قانون حماية قوات الأمن؟ ولماذا أثار الكثير من الجدل؟


بالفعل هو مشروع قانون مثير للجدل، وأثار الكثير من تحفظات منظمات المجتمع المدني والعديد من الشخصيات الوطنية، لأنه مكتُوب بطريقة ضبابية للغاية، ويسعى لمنح الأمن نوعا من الحصانة والمشروعية القانونية للاعتداء على المواطنين، خاصة أن صورة الأمن ما زالت مُهتزة لدينا وتقترن بالتعذيب والتنكيل والانتهاكات المختلفة، ونحن لم نؤسس بعد ما يُسمى بالأمن الجمهوري.

ولذا، يجب التصدي لكل محاولات تغول المنظومة الأمنية التي تصورنا نهايتها مع نظام "زين العابدين بن علي"، ونخاف أن يسمح هذا القانون بعودة القمع والنظام البوليسي، ولهذا نحن نرفض هذا القانون الذي يمنح شيكا على بياض لقوات الأمن للاعتداء على المواطنين.

وهذا لا يعني أنه ليس من الضروري حماية قوات الأمن والجيش، ولكن نعتقد أن قانون الجزائي التونسي، وقانون الإرهاب، يكفيان لحماية الأمنيين وعائلاتهم وتعويضهم.

وكيف تنظرون للخطوات المناوئة لمشروع قانون حماية قوات الأمن؟


هناك تحركات كبيرة أمام البرلمان والعديد من المؤسسات الحقوقية بتونس، وقمنا بإصدار بيانات مختلفة، ونسعى بكل وسعنا لإيقاف هذا القانون السالب للحرية، والذي نعتقد أنه لن يمر.

كيف ترون تجدد الجدل حول إعادة تطبيق عقوبة الإعدام في تونس خاصة بعد البيان الرئاسي المؤيد لهذه العقوبة؟


هذه القضية أثارت أيضا جدلا واسعا بالبلاد، وتونس علقت تطبيق عقوبة الإعدام منذ 1991، وخلال الفترة الأخيرة شهدنا العديد من المشاكل والجرائم الأمنية، وكانت هناك صدمة من تصاعد وتيرة العنف في المجتمع التونسي، ما دفع البعض للمطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام، لكننا كحقوقيين نُدرك أن عقوبة الإعدام لا تحد من ارتكاب الجرائم، والدستور التونسي يكفل الحق في الحياة، ولا يمكننا كحقوقيين أن نشرع القتل باسم الدولة أو باسم الشرعية القانونية؛ فهذا تعد على الحق في الحياة للمواطنين، وننادي باللحاق بركب العديد من دول العالم التي ألغت عقوبة الإعدام.

ما أسباب تعثر عملية الانتقال الديمقراطي بتونس وعلاقتها بإشكالية العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين؟


لأسباب كثيرة ومختلفة اقتصادية اجتماعية وعدم الاستقرار السياسي، والتعثر يرجع أساسا لتعدد وضعف الأحزاب وتشتت القوى التقدمية، وفي المقابل سعي حركة النهضة للتغلغل في مفاصل الدولة ومؤسساتها، وانتهاج مسار لإجهاض الانتقال الديمقراطي، والسطو المُمنهج على البرلمان والمؤسسات المستقلة، والقوانيين التقديمية، وحريات الصحفيين، وهذا جعل الحكومات المتعاقبة التي كانت تُهمين عليها حركة النهضة لم تبدأ بالإصلاحات الهيكلية والعميقة التي تحتاجها تونس اليوم، وهذا خلّف أزمة اقتصادية خانقة جدا، وأدى لتعطيل المحكمة الدستورية، وبالتالي فالنهضة والحكومات المتعاقبة هم المسؤولين عن الوضع الذي وصلنا إليه اليوم.

لكن لماذا قمتِ بتحميل حركة النهضة فقط كامل المسؤولية عن ما آلت إليه الأوضاع رغم أنها مُنتخبة شعبيا وديمقراطيا؟ وماذا عن مسؤولية المكونات السياسية والمجتمعية الأخرى؟


لأن حركة النهضة هي الحزب الحاكم، وكان له الأغلبية في مختلف الحكومات، ولذلك تتحمل المسؤولية الأولى عن تلك الأزمات السياسية والاقتصادية. واليوم النهضة تترأس البرلمان الذي بات أداؤه هو الأسوأ على الإطلاق، ومسؤولية النهضة أكبر لأن هدفها الأساسي أخونة الدولة رغم ما تقوله عن التونسة وفصل العمل الدعوي عن العمل السياسي. والمسؤولية مشتركة بين النهضة والأحزاب التي تحالفت معها، لكن هذا لا يعني أن بقية الأحزاب والقوى السياسية لا تتحمل جزءا من المسؤولية.

واليوم الحركة الوحيدة التي تقوم بدور أساسي للتصدي لكل محاولة لتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي، واحترام حقوق الإنسان، وإرساء المساواة، هي منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب التي ليس لديها مع الأسف تأثير يُذكر على الأرض.

قبل نحو عام أعلنتم عن تأسيس "المرصد الوطني للدّفاع عن مدنيّة الدولة" لمحاربة ما وصفتموه بـ"تمكين" الإسلام السياسي من مفاصل الدولة.. فكيف تقيمون تجربة هذا المرصد؟


قمنا بتأسيس هذا المرصد لاعتقادنا بأن هناك استهدافا لمدنية الدولة، ولكي نُتابع ونُدّد ونُراقب كل محاولات طمس مدنية الدولة وإجهاض الحريات المتعددة.

منظمة العفو الدولية قالت مؤخرا إن "حرية التعبير في تونس تتعرض للخطر" بسبب تصاعد وتيرة محاكمات المدونين ومستخدمي الإنترنت".. فهل حرية التعبير بتونس تتعرض للخطر بالفعل؟


الثورة كان لها إيجابيات بكل تأكيد، وبفضلها ارتفع سقف الحريات في بلادنا كثيرا، ولا يوجد أحد اليوم فوق الانتقاد، إلا أن هناك الآن محاولات عديدة لتكميم الأفواه، وعبر تمرير قوانين مُجحفة بحق الصحافيين وغيرهم، وهناك تهديدات كبيرة بشأن مكتسبات وحقوق المرأة التونسية، إلا أن هناك حراكا نسائيا كبيرا في بلادنا للمطالبة بمراجعة مجلة الأحوال الشخصية، والمساواة في الميراث، وسيظل النضال متواصلا.

وجهتِ اتهامات لحركة النهضة بالمساهمة في التضييق على الحريات وتكميم الأفواه بتونس.. ألا يُعد هذا الكلام غير دقيق خاصة أن بعض أعضاء "النهضة" ينفون تماما مثل تلك الادعاءات؟


حركة النهضة والأحزاب القريبة منها مسؤولون عن العديد من الانتهاكات، ويدعمون مشاريع قوانين سيتم تمريرها بالبرلمان للحد من حرية التعبير والتضييق على الصحافيين والمدونين.

كيف ترين أوضاع المرأة التونسية اليوم؟ وما مستقبلها من وجهة نظركم؟


أوضاع المرأة التونسية صعبة، إلا أنه بعد الثورة تحققت أمور إيجابية عديدة، ونجحنا في الحصول على جزء كبير من حقوقنا، ووضع المرأة لن يتغير إلا من خلال استمرار ومواصلة المقاومة النسائية؛ فلم نحصل على كل حقوقنا بعد، وسنظل نواصل نضالنا من أجل الحصول على تلك الحقوق كاملة، ومنها الحق في المساواة في الميراث بين المرأة والرجل.

أخيرا.. كيف تابعتم الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتعيين امرأة في منصب نائب الرئيس لأول مرة؟


هناك أمور إيجابية وأخرى سلبية بشأن تداعيات فوز بايدن، فالانتهاء من ترامب والشعبوية التي كان يمثلها أمر إيجابي في حد ذاته، وتعيين امرأة من أصل أسود وهندي في منصب نائب الرئيس الأمريكي لأول مرة أمر إيجابي، وكمناضلة نسوية سعدت بهذه الخطوة، فضلا عن أن هناك 3 سيدات من أصول فلسطينية فزن في الانتخابات التشريعية الأمريكية.

وأعتقد أن فوز بايدن سيأتي ببعض التغيرات خاصة على مستوى الداخل، وبالتأكيد سيدعم حقوق الإنسان في بعض دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها مصر، إلا أنني لا أنتظر منه دعما حقيقيا للقضية الفلسطينية؛ فلن يكون هناك أي تغيير جذري في هذا الملف الذي قد يُحدث به بعض التعديلات في هذا الصدد، وبالتالي يجب ألا تكون هناك توقعات بتغييرات جذرية في السياسات الخارجية لبايدن. وآمل ألا يتواصل دعم الديمقراطيين للحركة الإسلامية على غرار ما حدث في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.