تقارير

يوسف حنا ونقولا زيادة.. مؤرخ وفنان جمعتهما دمشق وعكا

نقولا زيادة ويوسف حنا.. جمعتهما دمشق وتركت فيهما مدينة عكا على الساحل الفلسطيني أثرا كبيرا (عربي21)

شخصيتان من فلسطين، أحدهما يعتبر من رواد المسرح الفلسطيني والسوري والسينما السورية وفنان ترك إرثا فنيا غنيا وهو الفنان الفلسطيني السوري يوسف حنا، والثاني هو نقولا زيادة، واحد من أبرز المؤرخين العرب ومن رواد الفكر العربي الحديث المستنير وأكاديمي ومؤلف بارز. جمعتهما دمشق وتركت فيهما مدينة عكا على الساحل الفلسطيني أثرا كبيرا. 

نقولا زيادة
 
كان أستاذا لأجيال من الطلاب والطالبات في عدد من الجامعات العربية. تميز بروحه وفكره القومي العربي، واعتباره، على الرغم من مسيحيته المشرقية، الحضارة العربية الإسلامية حضارته.
 
عرف بأخلاقه الطيبة، وذاكرته التي لم تشخ أبدا، وغزارة إنتاجه، إذ بلغ عدد مؤلفاته 41 كتابا باللغة العربية، و6 كتب باللغة الإنجليزية، كما ترجم العديد من الكتب من الإنجليزية إلى العربية، وكتب مئات المقالات والدراسات والأبحاث. وأتقن زيادة عدة لغات أجنبية كالإنجليزية والألمانية والفرنسية واليونانية واللاتينية. 

ولد نقولا زيادة في أحد أحياء منطقة الميدان في دمشق عام 1907 من أبوين فلسطينيين من الناصرة، وكان والده مهندسا في قسم الهندسة في الإدارة العامة لسكة حديد الحجاز التي كان مركزها دمشق. 

عند بداية الحرب العالمية الأولى، جند والده للقتال مع الجيش العثماني، وأثناء مكوث والده في أحد مراكز تجميع الجنود في انتظار إرسالهم إلى جبهات القتال تعرض والده للمرض ومات قبل أن يذهب إلى جبهة القتال. 

بعد وفاة والده عادت أسرته إلى الناصرة عام 1917 حيث يقطن خاله الذي تعهدهم بالرعاية. وما لبث أن قُتل خاله في انفجار قنبلة ألقتها طائرة بريطانية فاضطرت أمه للبحث عن العمل لإعالة العائلة ووجدت عملا في جنين فانتقلت الأسرة للعيش هناك. 

التحق عام 1921 بـ"دار المعلمين" في القدس، وعمل مدرسا للتاريخ والجغرافيا في عكا وكان لذلك القرار تأثير على حياته إذ تعرف على بعض بعثات التنقيب عن الآثار الأجنبية في فلسطين التي كانت تقوم بالتنقيب في عكا وبيسان، وحرص على زيارة الكثير من المناطق الأثرية في فلسطين، وكان في بداية حياته يعتبر نفسه "مؤرخا تحت التدريب". 

اختير عام 1935 لبعثة لدراسة التاريخ القديم في "جامعة لندن" قضى ما يقرب من 4 سنوات في أوروبا، منها حوالي 6 أشهر في "جامعة ميونخ" بألمانيا، والتي كان يفرض نظامها على الطالب أن يتعلم لغتين أوروبيتين بخلاف الإنجليزية، فاختار تعلم الألمانية والفرنسية القديمة، واستطاع الحصول على البكالوريوس عام 1939. 

 



عاد نقولا إلى فلسطين قبل أن تبدأ الحرب العالمية الثانية، فدرّس التاريخ القديم وتاريخ العرب في "الكلية العربية" بالقدس، وصدر أول كتاب له عام 1943 بعنوان "رواد الشرق العربي في العصور الوسطى". 

وفي عام 1947 سافر إلى "جامعة لندن" ثانية للإعداد للدكتوراه، وكان اهتمامه قد انتقل من التاريخ الكلاسيكي إلى التاريخ الإسلامي، وقضى نقولا في لندن عامين أعد خلالهما رسالة الدكتوراه عن "سوريا في العصر المملوكي الأول" وفي 1950 نال الدكتوراه. 

وبعد احتلال فلسطين نزح نقولا إلى لبنان حيث التحق بـ"الجامعة الأمريكية" في بيروت فعين بداية أستاذا مساعدا ثم عين أستاذا عام 1958، وظل يدرس فيها حتى عام 1973. وبعد تقاعده، أشرف في "جامعة القديس يوسف" ببيروت، على رسائل الدكتوراه في التاريخ العربي، حتى عام 1992. كما أنه درّس في "الجامعة الأردنية" لمدة سنتين ما بين عامي 1976 و1978 عاد بعدها إلى بيروت، محاضرا ومشرفا في "الجامعة اللبنانية". 

ودرّس زيادة تاريخ الإسلام والحضارة الإسلامية بصفته أستاذا زائرا في عدد من الجامعات العربية والأجنبية، وألقى محاضرات في عدد كبير من العواصم العربية والأجنبية، وشارك في عدد من مؤتمرات المستشرقين. 

زار زيادة الدول العربية جميعها تقريبا، فضلا عن تركيا والهند وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، كي يتعرف على معالم الحضارة الإسلامية. 

نقولا زيادة مفكر وكاتب غزير الإنتاج، من كتبه: "رواد الشرق العربي في العصور"، "وثبة العرب"، "العالم القديم"، "صور من التاريخ العربي"، "شخصيات عربية تاريخية"، "صور أوروبية"، "عالم العصور الوسطى في أوروبا"، "برقة الدولة العربية الثامنة"، "العروبة في ميزان القومية "، "قمم من الفكر العربي الإسلامي"، "الجغرافيا والرحلات عند العرب"، "شاميات دراسات في الحضارة والتاريخ "، "أفريقيات دراسات في المغرب العربي والسودان الغربي"، "لبنانيات تاريخ وصور"، "أيامي.. سيرة ذاتية"، "مشرقيات في صلات التجارة والفكر"، "المسيحية والعرب"، "الفكر اليوناني والثقافة العربية: حركة الترجمة اليونانية-العربية في بغداد والمجتمع العباسي المبكر" تأليف: ديمتري غوتاس، ترجمة: نقولا زيادة".

توفي نقولا زيادة في 27 تموز/ يوليو عام 2006 في بيروت ودفن فيها. 

يوسف حنا
 
يعد أحد أبرز مؤسسي المسرح الوطني الفلسطيني في دمشق منتصف القرن العشرين. ولعب عدة أدوار تلفزيونية في نحو 15 عملا دراميا، وشارك ولعب دور البطولة السينمائية في 11 فيلما سوريا وإنتاجا مشتركا، ولعب أدورا مختلفة في عدد من المسرحيات. 

واكب الإنتاج الدرامي السوري، وعاش مراحل تطوره، وصولا إلى مرحلة الإنتاج الكثيف والناضج الفني. 

ويصفه نقاد سينمائيون بأنه "جندي" في عدد من الأفلام السينمائية، خاصة تلك التي تدور موضوعاتها حول جانب من القضية الفلسطينية. 

ولد يوسف حنا، ويعرف أيضا باسم "يوسف خليل" عام 1941 في قرية الرامة قرب عكا في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني، وكان والده يعمل مدرسا في مدارس عكا، وبعد النكبة عام 1948 انتقل إلى سوريا عندما كان عمره 7 سنوات، وفي دمشق تلقى علومه حتى المرحلة الجامعية حيث درس الأدب الإنجليزي. 

 


اشتهر يوسف حنا بأدوار البطولة في "المسرح القومي" على مدى عشرين عاما، وقدم العديد من العروض منها "ماكبث"، "زيارة السيد العجوز"، "رحلة حنظلة"، "رقصة التانغو" وقد لعب فيها أدوارا تراجيدية وكوميدية.
 
امتاز منذ بداياته بتنوع أدواره وشارك في فرقة "ندوة الفكر والفن" إلى جانب رفيق الصبان مخرجا، وصلحي الوادي مؤلفا موسيقيا إلى جانب كبار الممثلين منهم منى واصف وهاني الروماني وأسامة الروماني، انتقل بعدها إلى "فرقة المسرح" مع سعد الله ونوس وعلاء الدين كوكش وهاني الروماني عام 1966. 

كما عمل مع الفنان دريد لحام في مسرح "الشوك وأسرة تشرين"، ولعب أدوارا مهمة في مسرحيتي "كاسك يا وطن" و"شقائق النعمان". 

ومن أعماله التلفزيونية: "حارة القصر"، "أسعد الوراق"، "عز الدين القسام"، "حصاد السنين"، "شجرة النارنج"، "أبو كامل"، "المليونير الصغير"، "الشريد"، "البديل"، "اختفاء رجل"، "الدغري"، "العروس". 

ويعتبر فيلمه "المخدوعون" عام 1972 للمخرج المصري الشهير توفيق صالح عن رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس"، وبطولة عبد الرحمن آل رشي، محمد خير حلواني، بسام لطفي، وثناء دبسي، أحد أهم مائة فيلم في تاريخ السينما العربية، وواحدا من الأعمال التي تقترب من رؤية كنفاني للقضية الفلسطينية. فيما يشكل الفيلم على الجانب الآخر، رائعة من روائع توفيق صالح، الذي يعد مدرسة إخراجية في تاريخ السينما العربية. 

ومن أشهر أعمال يوسف حنا السينمائية: "رجال تحت الشمس"، "المخدوعون"، "المطلوب رجل واحد"، "وجه آخر للحب"، "العار ثلاثية"، "حبيبتي يا حب التوت"، القلعة الخامسة"، "قتل عن طريق التسلسل"، "الشمس في يوم غائم" وكان آخر أفلامه قبل وفاته فيلم "شيء ما يحترق" عام 1993.
 
بدأ التمثيل في زمن الهواية، وما يطلق عليه "الزمن الجميل"، فأخلص مع رفاقه للفن، واعتبروا التمثيل الـوجـه الأهـم والأجـمـل لوجـودهـم في الحياة. إذ ظل حتى اللحظة الأخيرة من عمره القصير مسكونا بالفن، يحلم بأدوار جديدة في أعمال أهم وأجمل من تلك التي أنجزها. لكن الموت لم يمهله طويلا فتوفي في الأول من كانون الأول / ديسمبر عام 1993 في العاصمة دمشق عن عمر يناهز الخمسين إثر معاناة مع مرض القصور الكلوي.