صحافة دولية

FT: الفنزويليون اللبنانيون "بين نارين"

بدأ العديد من الفنزويليين اللبنانيين، مثل عيسى، بخوض غمار الهجرة العكسية، لكن كثيرا منهم ندموا- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية مقالا يسلط الضوء على وقوع مواطنين فنزيوليين- لبنانيين،  في مأساة المقارنة بين تدهور الأوضاع المعيشية في كلا البلدين.

 

ونقلت الصحفية "تشولي كورنيش"، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، عن "ماريا عيسى"، وهي أم لطفلتين تقيم حاليا في لبنان، أنها منذ أن غادرت فنزويلا عام 2018، باتت تفتقد للبلد اللاتيني المحاصر، رغم تعرض عائلتها للسرقة هناك تحت تهديد القتل.

 

وتقول "عيسى" إن رجالا ملثمين "لم يعاملونا معاملة سيئة، لقد قالوا لنا فقط إنهم جائعون"، مضيفة أن أحد اللصوص "جلب لي الماء".

 

لكن السيدة التي هربت من تدهور الأوضاع في فنزويلا، انتهى بها الأمر في أخرى ربما تكون أسوأ في لبنان.

 

وعندما غادرت عيسى فنزويلا عام 2018، كانت الدولة غارقة في أزمة متعددة الأبعاد؛ اقتصادية وسياسية وإنسانية.

 

كانت المرأة البالغة من العمر 35 عاما تأمل في الحصول على فرصة أفضل في موطن والديها، ولم تكن لديها أدنى فكرة أن الاقتصاد اللبناني على وشك الانهيار.

 

وبعد عامين ونصف، أصبحت عيسى وعائلتها من بين اللبنانيين الذين اختاروا العودة بأنفسهم والذين يتساءلون عما إذا كانوا قد اتخذوا القرار الصحيح.

 

وتقول: "لبنان الآن أسوأ من فنزويلا.. أريد العودة للوطن".


وأشارت الصحيفة إلى التاريخ الطويل للهجرة من لبنان إلى أمريكا اللاتينية، مفرزا نجاحات كبيرة في قطاعات مختلفة، وصولا إلى ظهور أسماء لامعة مثل كارلوس سليم، قطب الاتصالات المكسيكي، وكذلك شاكيرا، نجمة البوب الكولومبية، وميشيل تامر، رئيس البرازيل السابق.

 

وتشير تقديرات إلى أن نحو 13 مليون لبناني انتقلوا للعيش في الخارج، من بينهم والدا عيسى، اللذين انتقلا في عام 1985 إلى فنزويلا الغنية بالنفط آنذاك للانضمام إلى جديها.


وولدت عيسى بعد فترة وجيزة، قبل وصول هوغو شافيز إلى السلطة، وتزوجت في النهاية من فنزويلي.

 

وبحسب الصحيفة، فقد عاشت الأسرة "حياة طبيعية" في منزل مريح تحيط به أشجار المانجا والأفوكادو، ولكن بعد ذلك تعمقت أزمات فنزويلا المتعددة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مما دفع حوالي خمسة ملايين شخص إلى الفرار.

 

وبدأ العديد من الفنزويليين اللبنانيين، مثل عيسى، بخوض غمار الهجرة العكسية.


وهذه القصة، بحسب الصحيفة، شائعة بين المغتربين الذين لطالما كانوا شريان الحياة للاقتصاد اللبناني، من خلال الحوالات المصرفية لذويهم، وشراء المنازل والاستثمار في الأعمال التجارية.

 

اقرأ أيضا: التايمز: لبنان يسير نحو كارثة اقتصادية.. ومخاوف من العنف

 

ولكن في عام 2016، بدأ تدفق الأموال من الخارج بالانحسار، وبعد ذلك بثلاث سنوات، انهار الاقتصاد اللبناني.


وقالت سارة ويزاني هوي مديرة فعاليات ومصممة غرافيك لبنانية فنزويلية، عادت قبل 14 عاما: "هناك أشخاص جلبوا كل أموالهم من فنزويلا إلى لبنان"، وكان من بين هؤلاء والداها: "فقدوا نصف أموالهم.. وضعوها في حساب مصرفي هنا. والآن ماذا حدث؟ إنهم يخسرون مرة أخرى".


وبالنسبة للفنزويليين اللبنانيين الذين يسعون إلى الهروب من كارثة فنزويلا، فإن السقوط الحر في لبنان أصبح مألوفا جدا.

 

وقد تعرض كلا الاقتصادين للدمار بسبب النزاعات الأهلية والتضخم المفرط. وأصبح ما يقرب من نصف سكان لبنان وأكثر من 70 بالمئة من سكان فنزويلا يعيشون في فقر الآن.

 

وفي صفعة أخرى من سوء الحظ المضاعف، اجتمع الوباء مع الأزمة الاقتصادية لقتل مطعم عيسى اللبنانية الفنزويلية الصغير. 

 

وقالت: "أصبحنا مفلسين تماما"، حيث تسببت قروض العمل والإيجار غير المسدد بأن تغرق بديون تصل إلى 5000 دولار.


إنه اختيار صعب بين البلدين، وكثير من الفنزويليين اللبنانيين البالغ عددهم 12000، الذين يُعتقد أنهم مسجلون في لبنان، غادروا بالفعل أو يريدون ذلك، تحت ضغط تنامي معدلات الجريمة في فنزويلا.

 

وفي المقابل، فإن أصدقاءهم الذين عادوا بالفعل يقولون إن هناك طرقا لكسب العيش في فنزويلا، على الأقل.

 

وتقول ويزاني: "عليك أن تقرر بين الأمن والاقتصاد"، فيما تضيف عيسى، التي تريد المغادرة عندما تستطيع تحمل تكاليف تذاكر الطائرة: "نحن نعاني حقا".


"هل هناك أي دروس هنا حول كيفية النجاة من الخراب والحسرة في بلدين كانا ثريين في السابق؟ ربما أهمية التواضع والفكاهة"، تقول الكاتبة.

 

وتصنع عيسى الآن الكعك بدون بيض أو زبدة، وهي تقنية تم جلبها من فنزويلا التي تعاني من ضائقة خانقة؛ وتضحك قائلة: "لقد تعلمت الكثير من الأشياء"، بحسب ما نقلت عنها الصحيفة.