ملفات وتقارير

منع التراويح في الأردن للعام الثاني يثير سخطا شعبيا

عضو بلجنة الأوبئة أشار إلى أن مسألة المنع لم تناقش داخلها- جيتي

أثار قرار الحكومة الأردنية شمول صلوات الجمعة والعشاء والتراويح خلال شهر رمضان بالحظر المطبق في البلاد، سخطا شعبيا عارما، وخصوصا أنها المرة الثانية على التوالي التي يُحرم فيها المصلون من إقامة هذه الصلوات بالمساجد في الشهر الفضيل.

وفي سياق دفاعه عن هذا القرار؛ قال وزير الأوقاف الأردني محمد الخلايلة في تصريحات إعلامية، إن عدم إقامة بعض الصلوات في المساجد اتخذ بناء على توصيات من الجهات الطبية في ظل تفشي فيروس كورونا، مشيرا إلى أن "المساجد ليست مغلقة بالكامل، وإنما تقام بعض الصلوات فيها".

ودعا الخلايلة الأئمة والعاملين في المساجد والمواطنين، إلى عدم الضغط باتجاه إقامة جميع الصلوات في المساجد، كون القرار "يهدف إلى الحفاظ على صحة آبائنا وأمهاتنا وعائلاتنا ووطننا" على حد قوله.

وتسمح الحكومة الأردنية للمواطنين حاليا بإتيان المساجد لأداء صلاتي الظهر والعصر مشيا أو ركوبا، أما صلاتا المغرب والفجر فتحصر إتيانهما بوسيلة المشي على الأقدام، كونهما داخلتين في الحظر الليلي الذي يبدأ الساعة السابعة مساء، وينتهي السادسة صباحا.

ورغم اعتراض هيئات شرعية عديدة على إغلاق المساجد في بعض الصلوات خلال شهر رمضان، كرابطة علماء الأردن ومجلس علماء الشريعة في جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الوزارة أصرت على قرارها، ما أثار غضبا شعبيا وصل إلى حد الحديث عن "مؤامرة تستهدف المساجد".

مختص: لا مشكلة صحية بفتح المساجد

وقال عضو اللجنة الوطنية للأوبئة، الدكتور عزمي محافظة، إن القرارات المتعلقة بالصلوات في المساجد خلال شهر رمضان؛ اتخذتها الحكومة قبل الأحد الماضي، ولم تناقَش في لجنة الأوبئة التي اجتمعت لأول مرة منذ حوالي الشهر الاثنين الماضي.

وأضاف لـ"عربي21" أنه لا يعرف عن وجود دراسة علمية بحثت تأثير الصلاة في المسجد على الحالة الوبائية، مؤكدا أنه لا يعتقد أن ثمة مشكلة صحية في إقامة الصلوات جماعة في حال تم الالتزام التام بالإجراءات الوقائية، بما يشمل التباعد الجسدي وارتداء الكمامة، والحيلولة دون التجمعات قبل وبعد الصلاة.

وحول إغلاق المساجد بحجة عدم التزام مرتادي بعضها بالإجراءات الوقائية؛ قال إن ذلك غير مقبول، متسائلاً: "لماذا نتصور أن أهل المساجد سيخالفون الإجراءات الوقائية، وبالتالي نحول بينهم وبين إتيانها؟".

حملات شعبية

وأطلقت في الأردن حملات متعددة للمطالبة بفتح المساجد لإقامة الصلوات جميعها بلا استثناء، ومن أبرزها حملة "المطالبة باستثناء المساجد من قانون الدفاع" على موقع "فيسبوك" والتي تضم أكثر من 67 ألف عضو.

أحد منسقي الحملة، المهندس إسلام الدسوقي، قال إنها تهدف إلى المطالبة بإعادة فتح المساجد كما كانت في سابق عهدها، بما يشمل صلاة التراويح في شهر رمضان، وجميع الصلوات يوم الحظر الشامل الجمعة.

وأشاد بالتفاعل الشعبي الواسع مع الحملة، والانسجام الذي حققه المشاركون فيها، "ومنهم أطباء وعلماء شريعة"، مؤكدا أن "الحملة مقتصرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وليس لها أي نشاط احتجاجي على الأرض".

وأوضح الدسوقي أن إغلاق المساجد لا يستند إلى أي أساس علمي، لافتا إلى أن التجربة أثبتت أن المساجد وروادها هم أكثر الناس التزاما وانضباطا.

وأضاف أننا ندرك خطورة الوباء الحالي، ولكننا نرى أن الأسواق والقطاعات المختلفة مفتوحة، والمساجد مغلقة، لافتا إلى أن الحملة لا تمانع من إغلاق المسجد الذي لا يلتزم رواده بالإجراءات الوقائية بشكل مؤقت.

وحول قرار مرتقب للحكومة بالسماح بصلاة الجمعة في المساجد، أكد أن للحملات الشعبية دورا كبيرا في إقدام الحكومة على اتخاذ هكذا قرارات، "ولولا أننا نلمس هذا التأثير لما استمرت هذه الحملات بهذا الزخم والتفاعل الشعبي الكبير".

 

اقرأ أيضا: مصدر: مخابرات الأردن اعترضت رسائل بين عوض الله وابن سلمان


وكان مصدر حكومي طلب عدم ذكر اسمه؛ قد قال في تصريحات صحفية الخميس، إنه "سيسمح للمواطنين بالحركة سيرا على الأقدام لأداء صلاة الجمعة القادمة في 23 من الشهر الحالي، وضمن إرشادات وتدابير صحية منعا لانتشار فيروس كورونا المستجد".

وبين المصدر أنه "سيتم صباح يوم الخميس من كل أسبوع تحديد ساعة واحدة لأداء صلاة الجمعة خلال شهر رمضان المبارك"، مشيرا إلى أن "صلاة الجمعة غدا ستكون مشمولة بقرار الحظر الشامل".

الحكم الشرعي

من جهته؛ شدد أستاذ الدراسات الفقهية والقانونية بجامعة مؤتة، الدكتور محمد الرواشدة، على أنه "لا يجوز تعطيل صلوات الجمعة والجماعة والأعياد إلا بدليل قطعي الدلالة ولضرورة متحققة، وليس لأدلة وهمية وظنية واحتمالية".

وقال لـ"عربي21" إن الاستشهاد بقاعدة "دفع المفاسد أولى من جلب المصالح" لتسويغ إغلاق المساجد "غير موفَّق؛ لأن المفسدة هنا متوهمة، إذ إن الجهات المسؤولة لم تبرز أية دراسة علمية تبين أن المساجد تشكل بؤرا لنشر الفيروس".

وأضاف الرواشدة أن الأحكام الفقهية تُبنى على أدلة نقلية أو عقلية بالاجتهاد وشروطه وضوابطه، وهي أدلة راجحة وليست مرجوحة، ولا يجوز بناء الأحكام الفقهية على التوقعات أو "الاستبانة" أو الشواهد التاريخية، "فالتاريخ ليس دليلاً من أدلة الأحكام".

وتابع: "إذا ثبت يقينا أن صلاة الجمعة سبب في انتشار الوباء؛ فلا أحد حينها سيناقش في إغلاق المساجد، ولكن هذا غير متوافر لغاية اللحظة، فيبقى الأصل على ما هو عليه، وهو وجوب إقامة الجُمع والجماعات في بيوت الله، دون قيد المشي على الأقدام كما في صلاتي المغرب والفجر، ولكن بكل وسيلة يراها المُكلف مُحققة لبلوغ المقصد".

وعن القول بأن الهدف من إغلاق المساجد هو تنزيهها عن أن تكون سببا في نشر الوباء؛ أوضح الرواشدة أن ذلك يقال في حال ترجح لدينا أن الصلاة في المسجد مع الأخذ بالإجراءات الوقائية سبب لانتشار الفيروس، مضيفا أنه "في الإطار العام؛ لا يجوز تعطيل صلاة الجمعة تحت أي ذريعة، وعلى الدولة أن توجد آليات معينة للحفاظ على صحة المصلين، كما تفعل مع مرتادي المولات وغيرها من المواقع".

وقال إن ما ينطبق على الجمعة ينطبق على بقية الصلوات، وحتى التراويح، ولكنني أركز على الجمعة لأنها فريضة، والأمر الإلهي بإقامتها يقتضي الوجوب.

وحول القول بأن الفقهاء ليسوا من أهل الاختصاص في علم الفيروسات والوبائيات، وبالتالي فإن عليهم التسليم بكل ما يقوله أهل الاختصاص؛ بيّن الرواشدة أن "دور الفقيه هو الاستماع لأهل الاختصاص من أجل تحقيق مناط الحكم، ولكن الذي يصدر الفتوى في وقف الصلوات من عدمه ليسوا لجان الصحة، وإنما الفقهاء المجتهدون".

ودعا الرواشدة إلى عقد مؤتمر يجمع بين علماء الشريعة والمختصين في المجال الصحي، يقدم فيه هؤلاء الأخيرون تقارير حقيقية بالأرقام عن تأثير صلاة الجمعة والجماعة على الحالة الوبائية في البلاد، ليتمكن الفقهاء من إصدار حكم صحيح في المسألة.