صحافة دولية

تايم: الإعلام الهندي بالغ باتهام المسلمين وغطى على فشل مودي

استخدم مودي نفوذ حكومته هذه لتحويل أهم مؤسسات الإعلام الهندية وقادتها لمجرد مؤسسات رقابة نابحة أو جراء تابعة له- جيتي

قال الكاتب ديباسيش روي تشاودري بمقال نشرته مجلة "تايم" الأمريكية إن المسؤولية لا تقع على رئيس الوزراء ناريندرا مودي فحسب، بل والإعلام أيضا.

وأضاف أن الصحيفة الناطقة بالهندية "دينيك باسكر" نشرت في 15 نيسان/ إبريل على صفحتها الأولى صورة للمحارق المشتعلة بالوهج البرتقالي في بهوبال وبعنوان "بيانات الحكومة مزيفة والمحارق تقول الحقيقة".

وكانت الصحيفة وغيرها من الصحف الهندية تسجل تفاصيل الموجة الثانية من فيروس كورونا. ففي ذلك اليوم قال مسؤولو بهوبال إن عدد الوفيات من كوفيد-19 وصل إلى أربعة، لكن الصحيفة وجدت أن المحارق قامت بحرق 112 ضحية من كوفيد-19.

وكشفت الصحف الهندية والقنوات التلفزيونية ومواقع الإنترنت عن محاولات الحكومة الهندية للتستر على أعداد الوفيات. ففي كوجرات، ولاية مودي، أعلنت مدينة أحمد أباد عن 20 وفاة من الفيروس في 12 نيسان/إبريل إلا أن الصحيفة المحلية "سانديش" تحدثت عن 65 شخصا ماتوا بسبب كوفيد-19.

ويعلق الكاتب أن الصحفيين الهنود يقومون بتسجيل كارثة كوفيد-19 وبدقة ويحملون الحكومة المسؤولية. وبالنسبة للصحافة الهندية الخانعة فهذا يعتبر تحولا بعد سبع سنوات من حكم مودي ولكنه متأخر نوعا ما.

فمعظم الصحف الناطقة بالإنكليزية والهندية والقنوات التلفزيونية وكذا وسائل الإعلام في الأقاليم مؤيدة وبلا خجل لمودي. وعادة ما بالغت في تقدير نجاحات الحكومة وغطت على فشلها أو حاولت لوم السخط على مودي وتحميله للمعارضة: الليبراليون والمسلمون والناشطون اليساريون والمتظاهرون والمنظمات غير الحكومية، التي عادة ما يتم الحديث عنهم ووصفهم بالمعادين للقومية.

إلا أن طريقة معالجة الحكومة لوباء كوفيد- 19 عقّد من مهمة التغطية على الفشل الحكومي حتى من أصدقائها المتحمسين في الإعلام. ولكن إذعان الإعلام للسلطة كان السبب في بناء المأساة العظيمة. فالإعلام الذي تم تدريبه على تضخيم إنجازات الحزب الحاكم، فشل بتحميله المسؤولية عندما كانت لديه الفرصة والدفع نحو عمل حقيقي.

وكل الذي حدث من انهيار النظام الصحي إلى جبال الجثث وبحث المواطنين عن الأوكسجين والتدافع على قطعة أرض لدفن الميت بكرامة لم تمنح له في الحياة، يتحمل مسؤوليته الإعلام وكذا الحكومة.

ويقول إن تدجين الإعلام الهندي بدأ بصعود مودي إلى السلطة في 2014. وترافق صعوده مع إعادة تشكيل قيادة التحرير في كبرى المؤسسات الإخبارية الهندية، وبالتحديد في القنوات التلفزيونية. فقد نظر للمحررين السابقين بأنهم من المدافعين عن الرؤية الليبرالية للهند لا على حزبه بهارتيا جاناتا القومي. وتم عزل هؤلاء وتعيين قادة جدد وإنشاء قنوات بقيادات جديدة موالية لحزب مودي.

وعلى خلاف الحكومات الديمقراطية التي تحاول الحصول على موافقة من الإعلام وتعيين مسؤولين للحصول على عناوين محببة لها، فالإعلام الهندي، وباستثناءات قليلة، هو الذي أصبح بحاجة لموافقة من مودي. وكان هدف معظم الشبكات التي أطلق عليها "غودي ميديا" وهي الكلمة الهندية "إعلام كمبيوتر الكلب" هو التنافس على حب السيد الحاكم بقدر ما التنافس على جذب المشاهد الهندي.

 

ومارست الحكومات الإقليمية والفدرالية سلطة واسعة على مؤسسات الإعلام بسبب ميزانيات الدعاية الكبرى للحزب والولاية. وفي الفترة ما بين 2019 و2020 أنفقت الحكومة الفدرالية كل يوم على الدعاية 270.000 دولار. ومن هنا فمحاولة الوصول إلى السلطة وعطاياها يجعل مؤسسات الإعلام حريصة على العلاقة وتمرير أي رسالة تريدها. واستخدم مودي أوراق النفوذ هذه لتحويل أهم مؤسسات الإعلام الهندية وقادتها لمجرد مؤسسات رقابة نابحة أو جراء تابعة له.

 

اقرأ أيضا: أزمة كورونا تتفاقم بالهند.. وشحنات غاز مسال تبتعد عنها

وهو ما جعل الهند اليوم في المرتبة 142 من 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمية وفي مرتبة أقل من ميانمار التي تحكمها طغمة عسكرية وتايلاند. وبدا هذا الوضع المتدني في نوعية المعلومات التي تصل إلى الرأي العام، فغرفة الصدى تتأكد من عدم وصول الأخبار السيئة إلى الرأي العام وإن وصلت فلا علاقة للحكومة بها.

وعادة ما يؤدي حرف الأنظار إلى وضع صارخ ومثير للضحك، فعندما قرر مودي في 2016 سحب أوراق نقدية من التداول في حرب مفترضة على الأموال التي يتم التعامل بها في السوق السوداء، وهو قرار أدى لصدمة لم يتعاف منها الاقتصاد الهندي، قام بعض مقدمي البرامج بتصوير قرار استبدال الأوراق النقدية بأنه متجسد بالعملة الإلكترونية.

وكجزء من عمليات التضليل الإعلامي هو التطبيل الدائم لكل تحرك يقوم به مودي. فكل ما يفعله رئيس الوزراء هو "ضربة معلم". وكان هذا في طريقة تعامله مع الوباء، فقد سجلت أول حالة كوفيد-19 في الهند بكانون الثاني/ يناير ولم تتحرك الحكومة لمواجهة الكارثة إلا في آذار/ مارس. وفي تغريدة لوزير الصحة في 5 آذار/ مارس قال: "لا حاجة للفزع" وأضاف: "لدى الهند نظام صحي قوي يحظى بتقدير دولي".

وبعد أسبوع أعلن مودي عن إغلاق صارم لم ير العالم مثله ولكل البلاد. وأدى قراره لقطع دخل ملايين الناس الذين يعتمدون على العمل اليومي، مما قاد لهجرات جماعية غير مسبوقة لعمال المياومة من المدن إلى قراهم. ومات المئات وهم يحاولون الوصول إلى بيوتهم وسط حالة الإغلاق. وانهار الاقتصاد بنسبة 24% وزاد عدد الفقراء بمعدل 75 مليونا، بزيادة 60% من مستوى الفقر العالمي في ذلك العام. وفي كل هذا قام الإعلام بحماية مودي وتحصينه من مراقبة الرأي العام بشأن تعامله مع الوباء. وظهر في أكثر من مقابلة تلفزيونية لم يقل فيها ما يفيد أو يقدم خطة عمل لمواجهة الأزمة. وبدلا من ذلك دعا إلى المهرجانات وأمر الجيش برش الورود على المستشفيات، حيث التعامل مع هذا في الإعلام باعتباره دليل قوة قيادة مودي.

وأسهمت هذه التحركات بحرف الانتباه عن أزمة العمال المهاجرين وانهيار النظام الصحي والاقتصاد. وقامت مؤسسات "غودي ميديا" بنشر قصص متتالية تحمل فيها المسلمين مسؤولية نشر كوفيد-19، وذلك بعد اجتماع لجماعة الدعوة والتبليغ في نيودلهي. وقام الإعلام بنشر تقارير يومية اقترح فيها أن الاجتماع كان مقصودا منه نشر المرض قدر الإمكان وصور على أنه جزء من "جهاد كورونا".

ومع تراجع الفيروس أعلن مودي أن قيادته "الحازمة" هي التي أوقفت الفيروس وأعلن متعجلا انتصاره. ثم قام رغم تحذير العلماء من موجة ثانية بحملات انتخابية من ولاية إلى ولاية شارك فيها مؤيدون بدون كمامات وأثارت نارها القنوات التلفزيونية. وفي الوقت الذي توقفت فيه حكومته عن التحضير لموجة ثانية، اهتمت القنوات التلفزيونية بالترويج لزيت الثعابين كدواء لكوفيد-19، بدلا من متابعة التقدم في توفير الأوكسجين وتخزينه. ولعب الإعلام دورا في الدعاية لمودي وتقديم الهند على أنها قائد في اللقاح. ومن بين اللقاحين "الهنديين" واحد هو أسترازينكا، حيث تم إنتاجه في الهند. ولم يعط مودي "أيا من اللقاحين" للعالم كما اقترحت عناوين الأخبار إلا من خلال عقود دولية لتوفيره أو للتصدير. لكن مودي لم يشتر لقاحات كثيرة لشعبه. ولم يقدم الدعم للشركتين المنتجتين لزيادة حجم الإنتاج ولم يسمح بدخول اللقاحات الأجنبية. واليوم هناك نقص في اللقاحات وعمليات التطعيم متدنية.

ولو طالب الإعلام بمعرفة أنه يقوم بتطعيم الناس لكانت الهند قادرة على مواجهة الموجة الثانية. لكن الإعلام الهندي وفي كل مرحلة من مراحل ملحمة كوفيد-19 تخلى عن مسؤولية الرقابة. ورفض مساءلة مودي وسمح له باستخدام الكارثة الوطنية لتقوية صورته وتعزيز سلطته وقمع أي معارضة له. ومثل مودي فقد تخلى الإعلام عن الهند عندما كانت بحاجة إليه. ويحمل العالم مودي مسؤولية رمي الكرة مبكرا في مواجهة كوفيد، لكن الإعلام الذي طبل لحكام الهند مسؤول أيضا.