قضايا وآراء

ماتياس شمالي.. رصاصة أممية على حق العودة

1300x600
برزت مؤخراً وفي أعقاب الحرب على غزة حملة مطالبات شعبية بإقالة مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في غزة، ماتياس شمالي، وذلك على خلفية تصريحه للقناة الإسرائيلية 12 بقوله: "لا أشك في مدى دقة القصف الذي نفذه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، وأرى حرفية عالية في الطريقة التي قصف بها الجيش غزة، فالجيش الإسرائيلي لم يضرب أماكن مدنية سوى بعض الاستثناءات".

حتى نفهم لماذا خرج ماتياس شمالي عن دوره الإغاثي الإنساني في هذه المنظمة ولماذا لعب دوراً سياسياً، لا بد أن نستذكر الأمور التالية حتى نضع نشاط ماتياس السياسي المخالف لأدواره في سياقاته.

أولاً: وجدت الأمم المتحدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) من أجل تقديم الدعم والحماية لحوالي 5.6 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، بعد نكبة عام 1948، وذلك حتى يتم إيجاد حل لمعاناتهم بالعودة إلى ديارهم.

ثانياً: يعد ماتياس شمالي الشخص الأنسب لقيادة عمليات الأونروا من منظور الداعم الامريكي الأكبر لهذه المنظمة في عهد ترامب، حيث شغل ماتياس منصب إدارة عمليات الأونروا في المخيمات اللبنانية، واشتهرت فترة إدارته لقضايا اللاجئين في لبنان بمهام سياسية مشبوهة عمقت الانقسام بين الفلسطينيين، كذلك ساهم بشكل كبير في إلحاق الضرر بالمؤسسات التعليمية التابعة للأونروا، كما عرفت سياساته فيها بسياسة التقليصات الدائمة، وألحقت سياساته الضرر بالعائلات التي تستفيد من عمليات تشغيل اللاجئين والتي عطل جزءا كبيرا منها. وبعد الكثير من الأدوار المشبوهة والتقليصات التي اعتمدها وتعميق حالة الانقسام تم طرده من لبنان ليستلم نفس المهمة في سوريا، إلا أنه قوبل بالطرد أيضاً من سوريا بسبب الخروج عن أدوار المنظمة الإغاثية إلى أدوار أمنية سياسية نسبت إليه هناك.
بعد الكثير من الأدوار المشبوهة والتقليصات التي اعتمدها وتعميق حالة الانقسام تم طرده من لبنان ليستلم نفس المهمة في سوريا، إلا أنه قوبل بالطرد أيضاً من سوريا بسبب الخروج عن أدوار المنظمة الإغاثية إلى أدوار أمنية سياسية نسبت إليه هناك

ثالثاً: استلم ماتياس شمالي إدارة عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في غزة في العام 2017، حيث كانت الأمم المتحدة قد أصدرت تقاريرها حينها التي تعد فيها غزة مكان غير صالح للحياة بقدوم العام 2020، وبذلك يكون تعيين ماتياس شمالي صاحب الأدوار المسيسة في غزة أمرا لا يتناسب مع حجم التحديات التي يفرضها الواقع العام لغزة وليس واقع اللاجئين فيها فقط.

أما عن الظهور الإعلامي لماتياس، فقد ظهر ماتياس شمالي وهو يوصل أكياس الطحين بنفسه في منطقة للاجئين بغزة، حين تداول نشطاء صورته وهو يحمل بنفسه كيس الطحين الذي قلص كميته وفق سياساته التقشفية من 30 كغم إلى 25 كغم، مما أثار موجة سخرية رافقها غضب بين أوساط اللاجئين الذين شعروا بأنه يعتمد طريقة تهين ذكاء الناس في تمريره لسياساته. كذلك اعتمد ماتياس شمالي على نفس السياسات التي انتهجها في المخيمات اللبنانية في محاولته لاختراق أوساط الشباب، فظهر في مخيم الشاطئ وهو يجمع القمامة برفقة ناشطين من المخيم.

إضافة لتسبب ماتياس شمالي بفقدان عدد كبير من الموظفين لوظائفهم، قام بوقف التوظيف اليومي ووقف تعبئة الفراغات والشواغر وتثبيت الموظفين، رافق ذلك وقف عقود البطالة وإنهاء عقود نحو مئة مهندس ممن عملوا مع الوكالة ضمن العقود المؤقتة لمدة عشر سنوات، فجأة. وطالت التقليصات المساعدات الغذائية بالكامل، ثم قرار توحيد الكوبونات المخصصة للاجئين بحجة عدم توفر ميزانية لتغطية الأعداد الكبيرة من المحتاجين.

رابعاً: في أعقاب الإعلان عن صفقة القرن التصفوية من قبل الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وكذلك مع اتفاقيات التطبيع الموقعة بين دولة الاحتلال والإمارات والبحرين، ترافق ذلك كله مع إعلان الرئيس الأمريكي إيقاف المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للأونروا والمتمثلة بـ300 مليون دولار أمريكي. كذلك أعلنت عواصم خليجية إيقاف إسهامها في ميزانية الأونروا، في ما شكل حالة من الضغط المباشر على الفلسطينيين للقبول بصفقة القرن وتصفية حق اللاجئين بالعودة، كذلك من أجل الضغط على مجتمعات اللاجئين للانخراط في مشاكل الفقر والتجهيل والبطالة الذي سيفرضها تحدي تقليص ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وما سيتسبب به ذلك من موجات هجرة جديدة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في المناطق التي تطالها خدمات وكالة الأونروا.
ماتياس شمالي من بقايا حقبة ترامب وأحد أهم آثار خطته في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، حيث لم يعد يخفي دوره الذي تجاوز حدود مهمته وتجاوز حدود التعبير عن الرأي، كذلك مثلت مواقفه تماشياً مع الرواية الإسرائيلية، حيث أهمل دوره في إيصال معاناة اللاجئين

خامساً: يعد ماتياس شمالي من بقايا حقبة ترامب وأحد أهم آثار خطته في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، حيث لم يعد يخفي دوره الذي تجاوز حدود مهمته وتجاوز حدود التعبير عن الرأي، كذلك مثلت مواقفه تماشياً مع الرواية الإسرائيلية، حيث أهمل دوره في إيصال معاناة اللاجئين جراء الحرب والقصف المستمر، حينما تسبب القصف باستهداف الأطفال والنساء والمنشآت وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وقد زادت نسبتهم عن 67 في المئة.

سادساً: تناقض موقف ماتياس شمالي مع مواقف الأمين العام للأمم المتحدة، كذلك تناقض مع مبدأ الحياد وعدم التدخل الملزم لموظفي المهمات الإنسانية في المنظمة، كما قدم مجموعة من المواقف والتصريحات التضليلية بخصوص الحرب على غزة وعن واقع الحياة في غزة عموماً، حتى اقترن اسمه بمجموعة الأزمات التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وسوريا وغزة.

تبعاً لذلك يمثل ماتياس شمالي وجها آخر للتدخلات في غزة، والتي تميل لتكون سياسية موجهة؛ أكثر منها للتخفيف عن اللاجئين أو احتواء مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية التي أفرزتها حقبة طويلة من الحصار لقطاع غزة، والتي استمرت عن ما يزيد عن 15 عام، وبذلك يشكل نشاطه جزءا من حالة التضييق والحصار على مجتمع اللاجئين في غزة المحاصرة.

لا يمكن إدراك كارثية أوضاع اللاجئين في غزة وقد اجتمعت عليهم الحرب وكورونا والحصار في ظل سياسات التقشف والتقليص والسياسات المشبوهة التي يؤديها مدير عمليات الأونروا، فعزل 1500 موظف من موظفي العقود والعمل اليومي والذين يعملون في الوكالة منذ أكثر من عشر سنوات من عملهم ضمن الوكالة؛ يؤشر على كارثية أوضاع عائلاتهم ومن يعيلونهم، ولا يمكن لهيئة الأمم المتحدة أن تستمر في غض النظر عن ماتياس شمالي في تصريحاته ونشاطاته المسيسة ضمن المنظمة.

إن محاولة محاصرة عمل وكالة الأونروا والضغط على مجتمعات اللاجئين في سبيل تصفية قضيتهم وحق عودتهم؛ هو أمر يجب أن يستأثر باهتمام الساسة الفلسطينيين، حيث المطلوب منهم تكثيف المجهودات السياسية والديبلوماسية من أجل الضغط على هيئة الأمم المتحدة للالتزام بالأدوار التي وجدت من أجلها منظمة الأونروا، وتحييد أدوارها عن التدخلات السياسية فيها من قبل الدول الداعمة لها، وابتكار الطرق التي من شأنها اعتماد ميزانية تشغيل ذاتية عن طريق مشروعات التنمية المستدامة التي تخدم مجتمعات اللاجئين، وتجنيبهم ابتزازات الداعمين الدوليين، وذلك حفاظاً على عدالة قضيتهم وتمسكاً من قبلهم بحقهم القانوني والمشروع بالعودة.

إن اللاجئين الفلسطينيين الذين تحركوا في لبنان من أجل طرد ماتياس شمالي يعون حقوقهم، كذلك الأمر مطلوب من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون من سياسات ماتياس شمالي في غزة، فما يقوم به ماتياس شمالي يجب أن يقابل بالرفض الشعبي العارم والاحتجاجات، والطلب المباشر للأمم المتحدة بإنهاء خدماته ودوره المسيس في غزة، حتى يلقى نفس المصير الذي واجهه في لبنان وسوريا، وإيصالاً لرسالة اللاجئين لهذه المنظمة ومن يلعبون أدوار الابتزاز السياسي فيها؛ بأن اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان لا يقبلون تسييس عمل المنظمة أو ممارسة أي ضغوط عليهم عبرها من أجل تجريدهم من حقوقهم.