اقتصاد عربي

ربع مليون أردني مهدّدون بالسجن بحال إعادة "حبس المدين"

يعاقب القانون على عدم سداد الديون بالحبس لمدة تصل إلى 90 يوماً لكل دين وما يصل إلى عام واحد للشيك المرتجع- جيتي

اضطر محمد صبحة إلى الاقتراض من أجل علاج ابنه وابنته المريضين، لكنه يخشى الآن أن ينتهي به المطاف في السجن بسبب عدم قدرته على سداد الديون المتراكمة عليه في بلد يعاقب فيه عدم رد الدين، ولو كان ضئيلا، بالحبس.


ويقول الخبير الاقتصادي الأردني موسى الساكت في مقابلة: "هذا الموضوع يكاد يكون من أبرز القضايا الاجتماعية والاقتصادية في المملكة، حيث وصل عدد المتعثرين إلى أكثر من مليون شخص بمبالغ تتجاوز الملياري دينار أردني (حوالي ثلاثة مليارات دولار)".


ويعاقب القانون على عدم سداد الديون بالحبس لمدة تصل إلى 90 يوماً لكل دين، وما يصل إلى عام واحد للشيك المرتجع.


ويقول محمد (43 عاماً) الذي سبق أن دخل السجن بسبب الديون، من شقته في حي الأشرفية الشعبي الفقير في وسط عمان: "أنا وزوجتي نعمل، ورغم ذلك نحن نستدين المال مُجبرين من أجل علاج ابنتي وابني اللذين يحتاجان سنوياً إلى نحو خمسة آلاف دينار (حوالي سبعة آلاف دولار)".


وتعاني ابنته فتحية (17 عاماً) من مشكلة في تحريك يدها وساقها اليمنى بسبب نقص الأوكسجين في دماغها عند الولادة، بينما يعاني خضر (18 عاماً) من إصابة في العين بسبب حادث تعرض له عندما كان طفلا.

 

وفي بلد يحظى فيه فقط موظفو القطاع العام والمتقاعدون بالتأمين الصحي، يجد محمد، وهو حدّاد ألومنيوم، نفسه مثقلا بالديون. ولا يتجاوز مجموع ما يكسبه وزوجته الـ650 دينارا أردنيا شهرياً (حوالي 930 دولاراً) وهو مبلغ بالكاد يكفي لمصاريف المنزل.


ويشير إلى أنه وزوجته اقترضا "مبالغ تصل إلى حوالي 12 ألف دينار (حوالي 17 ألف دولار) من شركات إقراض تتقاضى فوائد عالية.. ونتعرض لمضايقات من الدائنين الذين تقدموا بدعاوى إلى المحاكم. نحن اليوم في مأزق".


وقررت الحكومة في 29 آذار/ مارس الماضي إرجاء تنفيذ قرارات حبس المدين حتى نهاية العام الحالي شريطة ألا يتجاوز مجموع المبالغ المترتبة عليه المئة ألف دينار (141 ألف دولار) وذلك "مراعاة للظروف المالية والاقتصادية الناجمة عن الوباء".


ويقول محمد: "إذا قررت الحكومة مطلع العام المقبل استئناف تنفيذ قرارات حبس المدين، فسنكون زوجتي وأنا أول من يدخل السجن، ويصبح أولادي بلا معيل".

 

ويرى أن على الحكومة إعادة النظر بقانون حبس المدين، فــ"السجن لا يفيد الدائن ولا المدين".

ويتساءل: "ما الذي يفيد الدائن إذا وضعوني في السجن؟ وماذا سيحل بولدي المريضين ومن سيعتني بهما؟ من أين يأكلان ويشربان؟".


وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المدافعة عن حقوق الإنسان في تقرير صدر في 16 آذار/ مارس الماضي عن الموضوع: "أكثر من ربع مليون أردني يواجهون حاليا شكاوى لعدم سداد ديونهم".


وأضافت: "وفقا للإحصاءات الحكومية، فقد زاد عدد الأفراد المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم عشرة أضعاف في أربع سنين فقط، من 4,352 في 2015 إلى 43,624 في 2019"  مشيرة إلى أن 2,630 شخصاً سجنوا في 2019 بسبب عدم سداد ديون أو إصدار شيكات مرتجعة باسمهم. ويشكّل هؤلاء حوالي 16% من نزلاء السجون في الأردن.


وقالت الباحثة في المنظمة سارة الكيالي: "بموجب القانون الأردني، إذا حصلت على قرض ولم تسدده، فستُسجَن. كثيرا ما يقترض الأفراد لدفع الإيجار وثمن البقالة والفواتير الطبية. لكن بدلاً من أن تساعد السلطات المحتاجين، فإنها تسجنهم".


وكتبت المنظمة: "في غياب شبكة ضمان اجتماعي مناسبة، يجد عشرات آلاف الأردنيين أنفسهم مجبرين على الاقتراض لتغطية تكاليف الخدمات والبقالة والرسوم المدرسية والفواتير الطبية".


وأشارت إلى أن معظم الدول ألغت عقوبة السجن بسبب الديون، داعية الحكومة والبرلمان في الأردن إلى التفتيش عن "بدائل" للسجن.


مع انتشار فيروس كورونا في الأردن، لم يكن تبقى لبائع العطور ومواد التجميل المتنقل مجدي محمد سوى مبلغ 247 ديناراً (350 دولاراً) واجبة السداد من أصل دَين كانت قيمته ستة آلاف دينار (حوالي 8500 دولار) اقترضه عام 2018 من شركة لتمويل المشاريع الصغيرة. لكنه لم يتمكن من دفع المبلغ، ويواجه بدوره خطر الدخول إلى السجن.


ويقول مجدي (53 عاما) الذي يوزع بسيارته العطور ومواد التجميل على المحلات الصغيرة في عمان منذ عام :1990 "توقف عملي في آذار/ مارس 2020، إذ بدأ الناس يهتمون بتوفير الطعام أكثر من اهتمامهم بالعطور ومواد التجميل".


ويضيف: "لم أتمكن من سداد بقية المبلغ فرفعوا علي قضية في المحاكم، وأنتظر صدور الحكم في أي لحظة".


أما أمجد العسلي فبعد أن كان يملك محلاً لبيع الملابس الرجالية لمدة 18 عاماً، فقد وجد نفسه مجبراً على الانتقال إلى بيع الملابس المستعملة على حافة الرصيف بسبب الديون التي تراكمت عليه والتي دخل بسببها السجن ثلاث مرات.


ويقول العسلي (48 عاما) وهو أب لأربعة أطفال: "أنا أعيش حالة من الرعب، ولا أعلم ما الذي سيحصل، فما زالت على عاتقي ديون لم أتمكن من سدادها، ووضعنا الاقتصادي صعب جداً في ظل كورونا".

 

وإزاء هذا الوضع المأساوي، أسست مجموعة من الأشخاص، بينهم محامون وتجار وأطباء، لجنة تدافع عن المتعثرين مالياً. ويقول عضو اللجنة محمود القطامي: "نحن نعمل للضغط على الحكومة لتغيير القانون وإنصاف الدائن والمدين، ليأخذ كل إنسان حقه لأن السجن انتهاك لكرامة الإنسان".


ويضيف: "هناك آلاف الأردنيين الذين فروا إلى مصر وتركيا وجورجيا كي يتجنبوا عقوبة السجن ومنهم من يعيش في ظروف إنسانية صعبة في الحدائق العامة وتحت الجسور".