اقتصاد دولي

هل يخلق تسارع "الرقمنة" بعد كورونا أزمة اقتصادية جديدة؟

الاستفادة من الرقمنة ستعتمد على ما تفعله الحكومات والشركات للحفاظ على دورة حميدة من الإنتاجية المتزايدة باستمرار- جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، تقريرا تحدثت فيه عن التداعيات الإيجابية لتفشي وباء كورونا على أساليب عمل الشركات الكبرى حول العالم، وتبني الشركات ابتكارات جديدة لتطوير إنتاجيتها، وكيفية الاستفادة من ذلك وتفادي الأضرار المحتملة.

 

وقال التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إن توقف الاقتصاد العالمي بشكل كبير في الأيام الأولى لتفشي الوباء، وانخفاض الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة إلى مستويات تاريخية منخفضة وتقلص العمالة بأسرع معدلات لها على الإطلاق، حفز الشركات على تبني أساليب ابتكارية للتغلب على الركود المفاجئ والعميق. 

 

وأكد التقرير أن اعتماد الشركات بأغلبية ساحقة على تقنيات رقمية جديدة مكنتها من الاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية حتى في ظل القيود الصارمة المتعلقة بفيروس كورونا. وكانت النتيجة تحولا اقتصاديا عميقا، أدى إلى تسريع إمكانية تحقيق مكاسب في الإنتاجية حتى في القطاعات التي كانت تاريخيا بطيئة التغيير.

 

"تسارع الرقمنة"

 

وأضاف: "في مجال الرعاية الصحية، على سبيل المثال، لطالما وعد التطبيب عن بعد بكفاءات جديدة وقيمة مضافة، لكن لم ينطلق حتى أزمة كورونا "COVID-19.. وفي مجال البيع بالتجزئة، باستثناء شركات التجارة الإلكترونية، كانت الشركات بطيئة في تبني استراتيجيات المبيعات الرقمية، وكانت تفعل ذلك في الغالب كوسيلة لاستكمال تجارة التجزئة في الشارع الرئيسي. لقد تغير ذلك بسرعة مع الوباء".

 

وتابع: "قد يبدو مفاجئا أن الخروج من أعمق أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية من المحتمل أن يعقبه حقبة جديدة من مكاسب الإنتاجية والازدهار. لكن تحقق هذا الاحتمال سيعتمد إلى حد كبير على القرارات التي تتخذها الحكومات والشركات أثناء استعدادها للخروج من الوباء في الأشهر المقبلة".

 

وأكد التقرير أن احتمالات زيادة الإنتاجية والازدهار مشجعة على المدى القصير والمتوسط، لافتا إلى أن الولايات المتحدة ودولا أخرى ينفقون بشكل كبير على التعافي الاقتصادي. لكن التوقعات أقل تفاؤلا على المدى الطويل، بحسب التقرير، حيث لا تستطيع الحكومات الإنفاق إلى أجل غير مسمى وقد لا يملأ الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري الفجوة.

 

وأردف: "لذلك فإنه يجب على الحكومات والشركات أن تسعى إلى تهيئة الظروف لنمو وازدهار الإنتاجية المستدامين، ولا سيما من خلال تسهيل نشر الابتكارات التكنولوجية والتنظيمية ودعم طلب المستهلكين".

 

وأوضح التقرير، أن وباء كورونا دفع الاقتصادات المتقدمة لفترة أخرى من النمو السريع للإنتاجية.. مؤكدا أنه من السابق لأوانه القول على وجه اليقين ما إذا كان هذا النمو سيكون نتاجا لدائرة فاضلة أم حلقة مفرغة، لكن الدلائل تشير إلى الأول، وفقا للتقرير.

 

طفرة التجارة الإلكترونية 

 

وبحسب التقرير، فإن حجم التجارة الإلكترونية تضاعف خلال الشهرين الأولين من أزمة كورونا، وزادت حصة التجارة الإلكترونية من مبيعات التجزئة من 16 بالمئة إلى 33 بالمئة.

 

وقال التقرير إن هذا النمو في حجم التجارة الإلكترونية لا يعكس فقط قيام الشركات التقليدية بإنشاء متجر على الإنترنت لأول مرة. بل يعكس التوسع الكبير لأعمال الشركات التي كانت بالفعل رقمية قبل الوباء لتلبية الزيادة في الطلب، سواء بإعادة تنظيم عملياتهم، أو من خلال توسيع قدرات التوصيل المباشر إلى المنازل.

 

وأضاف: "إذا كان هناك درس واحد من الوباء، فهو أن القدرة الرقمية والمرونة يسيران جنبا إلى جنب"، لافتا إلى أن العديد من الشركات استخدمت التكنولوجيا لتقليل الكثافة المادية لأماكن عملها أو لتمكين الخدمة "غير التلامسية"، من خلال استخدام تطبيقات الطلبات عبر الإنترنت للمطاعم والفنادق.

 

وسرّعت الشركات الأخرى، مثل مصانع تعبئة اللحوم والدواجن، من نشر الروبوتات لتقليل حاجتها إلى العمالة. 

 

وفي دراسة استقصائية أعدتها المجلة الأمريكية للمديرين التنفيذيين، في كانون الأول/ ديسمبر 2020، قال حوالي 75 بالمئة من المشاركين في أمريكا الشمالية وأوروبا إنهم يتوقعون تسارع الاستثمار في التقنيات الجديدة بشكل كبير بين عامي 2020 و2024، ارتفاعا من 55 بالمائة بين عامي 2014 و2019.

 

وختم التقرير قائلا: "بعد سنوات من تباطؤ الإنتاجية والنمو الاقتصادي في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008، أطلق فيروس كورونا موجة كبيرة من الابتكار التكنولوجي والتنظيمي. لكن الاستفادة من هذه الموجه سيعتمد على ما تفعله الحكومات والشركات للحفاظ على دورة حميدة من الإنتاجية المتزايدة باستمرار".