تقارير

قرية "نعليا" الفلسطينية.. قصة الأرض والإنسان عبر التاريخ

كيف تحولت قرية نعليا إلى إرث تاريخي وجزء من هوية الشعب الفلسطيني؟

تعتبر قرية نعليا الواقعة جنوبي مدينة المجدل المحتلة واحدة من مئات القرى الفلسطينية التي حرصت العصابات الصهيونية على تهجير أهلها عام 1947م، وارتكبت فيها المجازر لتمهد الطريق لاحتلال كل الأرض الفلسطينية، ظنا منها أن سكان هذه القرى سيذوبون في اللجوء والشتات وينسون قريتهم وأرضهم.

لكن هذه القرى والمدن المحتلة تحولت إلى إرث تاريخي وثقافة تاريخية باتت تشكل أحد أهم خصوصيات الشعب الفلسطيني، فالبعد التاريخي الخاص بالقضية الفلسطينية فيما يتعلق بالتهجير يعتبر من أشهر ما عرف به الفلسطينيون ليورثوه لأطفالهم، فقد صدر حديثا عن مكتبة ومطبعة سمير منصور بغزة كتاب جديد بعنوان: "نعليا... الأرض.. التاريخ.. الإنسان"، للأستاذ إبراهيم عطية حماد، ونجله الدكتور عبد القادر إبراهيم حماد، يوثق أحداث هذه القرية ويروي قصتها مع الاحتلال.

 



ويضم الكتاب الذي صدر في 448 صفحة من القطع المتوسط سبعة فصول، يستعرض في الفصل الأول الأحداث التاريخية، التي تعاقبت على قرية نعليا منذ أقدم العصور وحتى احتلالها من قبل العصابات الصهيونية العام 1947، بينما يستعرض الفصل الثاني البيئة الطبيعية والخصائص البشرية في القرية، ويتطرق الفصل الثالث إلى النشاط الاقتصادي في قرية نعليا، أما الفصل الرابع فيستعرض أوضاع التعليم والصحة في القرية، بينما يتضمن الفصل الخامس الحياة الاجتماعية والموروث الاجتماعي في نعليا. ويركز الفصل السادس على الفلكلور الشعبي والموروث الثقافي في نعليا، بينما يستعرض الفصل السابع بعض شخصيات القرية.

تقع القرية على بعد حوالي أربعة كيلو مترات من المجدل باتجاه الجنوب، وتتصل مع المجدل بطريقين ترابيين، تسمى الأولى الشرقية بـ طريق "القجل"، أي التي تمر بها السيارات، والطريق الثانية هي الطريق الغربية.

ويحد القرية من الغرب قرية الجورة، وتقع خربة الخصاص في الجنوب الغربي من القرية وكذلك عرب أبو حسان، بينما يحدها من الشرق قرية الجية وتربط بين القريتين طريق ترابي، ويحدها من الجنوب قرية بربرة. 

وبلغت مساحة الأراضي التي كانت تشغلها القرية 5233 دونما منها 4929 دونما، مملوكة بالكامل لسكان القرية الفلسطينيين، إضافة إلى 304 دونمات من الأرض المشاع، بينما لم يملك اليهود أي أراض في القرية، وبلغت مساحة الطرق والأودية في القرية 188 دونما.

وقال الدكتور عبد القادر حمّاد، الأستاذ في جامعة الأقصى والباحث والخبير في السياحة الفلسطينية أن والده الأستاذ والمؤرخ إبراهيم حمّاد كتب الجزء الأكبر من الكتاب قبل أن توافيه المنية، ليستكمل ابنه د. حماد إنجاز الكتاب، اعتمادا على مذكرات والده والاعتماد على مصادر عربية وأجنبية وأمهات الكتب، خاصة التاريخية منها".

 

                عبد القادر إبراهيم حماد.. كاتب وباحث فلسطيني

واعتبر المؤلف في حديثه لـ "عربي21" أن المحافظة على الذاكرة الوطنية الفلسطينية بجميع أبعادها ومضامينها، تشكل جزءا أساسيا من الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، التي تتعرض لمحاولات متواصلة من قبل جهات متعددة، خاصة الاحتلال الإسرائيلي لطمس هذه الهوية وتقزيمها وتشويهها، حيث تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تهويد الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشريف عاصمة دولة فلسطين وقطاع غزة، استمرارا لمسلسل التهويد الذي بدأته في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948، الذي تضمن في حينه تشريد مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين من مدنهم وبلداتهم وقراهم، وتدمير مئات القرى الفلسطينية، والعمل على طمس وتدمير جميع مظاهرها التاريخية والجغرافية والأثرية.

وقال د. حمّاد؛ "إن القرى الفلسطينية المدمرة تعد تراثا ثقافيا وحضاريا، سعت وما زالت إسرائيل إلى حجب المعلومات عن هذه القرى، ومحاولة إخفاء ما يمكن إخفاؤه من آثارها ونمط أبنيتها وطريقة تصميمها، ومن ثم استبدالها بما هو حديث، والهدف تزييف ما يصعب تزييفه (التاريخ والجغرافيا)".

ورأى أن الثقافة التاريخية تشكل أحد أهم خصوصيات الشعب الفلسطيني، فالبعد التاريخي الخاص بالقضية الفلسطينية فيما يتعلق بالتهجير، من أشهر ما عرف به الفلسطينيون.

وأضاف: "اعترافا بأهمية تكريس البعد التاريخي ودمجه بالجغرافيا، تأتي هذه الدراسة لتسليط الضوء على قرية نعليا المهجرة من جميع الجوانب التاريخية والجغرافية والسكانية والعمرانية والأثرية والنضالية وغيرها، من خلال المقابلات مع من عايشوا هذه الظاهرة التاريخية، والعودة إلى الكثير من المصادر والمراجع الفلسطينية والعربية والأجنبية".

 



وتعتبر قرية نعليا إحدى هذه القرى التي عملت سلطات الاحتلال على تشريد أهلها وتدمير سكانها، ودمجها في محيط عمراني جديد، في محاولة لتغيير وتزييف الواقع الجغرافي والتاريخي، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يحاول تسليط الضوء على هذه القرية الفلسطينية المدمرة في فلسطين، من خلال محاولة استعادة الواقع التاريخي والجغرافي والاجتماعي والعمراني والثقافي لهذه القرية.

وذكر حماد أن قرية نعليا تثبت بطلان الرواية الإسرائيلية التي تزعم بوجودها التاريخي على أرض فلسطين، منوها إلى أن اسم القرية نعليا Ni,ilya: بكسر أوله وثانيه، وسكون اللام وياء وألف، يذكرنا بقرية معليا من أعمال عكا.

وأشار إلى أن "معليا" تحريف لكلمة "معلية" السريانية بمعنى الدخول والعلو، قائلا: "لعل كلمة نعليا تحريف لهذه الكلمة التي بمعنى (المدخل)، نسبة إلى أنها مدخل لما جاورها من بقاع، وأما (معليا)، فهي جبلية دعيت باسمها هذا لعلوها".
 
ويتفق ذلك مع ما ذهب إليه الباحث محمد حسن شراب، حيث يرى أن اسم قرية نعليا التي تتبع قضاء غزة قد يكون تحريفا لكلمة "معلية" السريانية، بمعنى الدخول والعلو لأنها مدخل لما جاورها. 

ويرى المستشرق والمستكشف الإنجليزي إدوارد هنري بالمر (1881)، أن كلمة نعليا قد تكون مشتقة من كلمة تعني: "معقمة، صلبة، مطحونة، وهذا يدلل على أن القرية موجودة منذ آلاف السنين".

وذكر المؤلف أنه نظرا لأهمية موقع قرية نعليا باعتبارها المدخل والممر الذي يصل بين الساحل والمناطق الداخلية، فقد شهدت القرية العديد من الأحداث خلال الفترة الصليبية، يدلل على ذلك وجود قبور لأكثر من 40 جنديا من جنود صلاح الدين، الذين قضوا في المعارك خلال فترة الحروب الصليبية، حيث أطلق على إحدى التلال في القرية تلة الشاعر، بعد أن كان يتجمع جيش المسلمين على تلك التلة، بينما يقوم الشعراء بتحفيز الجنود وتشجيعهم، ولذلك أطلق عليها هذا الاسم.
 
وقال: "يبدو أن سكان قرية نعليا اضطروا إلى هجر قريتهم، شأن الكثير من القرى في المناطق القريبة من عسقلان، حيث تسببت الحروب بين الصليبيين والمسلمين في هجرات داخلية أو خارجية".

ويدلل د. حمّاد على قدم القرية من خلال عشرات الوثائق التاريخية التي تضمنها الكتاب، إذ تبين وثيقة عثمانية من سجلات محكمة القدس الشرعية العثمانية، أن فصل غلال نعليا بتاريخ 25 شعبان 1081هـ الموافق 7 كانون الثاني/يناير 1671م حنطة خمسة وسبعين مدا (وهو كيل الحبوب) خليليا، وشعيرا خمسة وسبعين مدا خليليا، وعداد أغنام (الرسوم التي تجبى على الأغنام) نعليا بلغ ثلاثا وستين قطعا مصرية، وسمن اثني عشر رطلا، منها لمشايخ القرية حنطة عشرة مدا، وشعيرا خمسة عشر مدا، والباقي من الغلال 120 مدا حنطة وشعيرا. 

وأضاف: "أن قرية نعليا كما غيرها من القرى الفلسطينية عانت من الاعتداءات الصهيونية، حيث اعتدت العصابات الصهيونية على أهلها، تلك الاعتداءات الغارات التي شنتها أربع طائرات تابعة للعصابات الصهيونية على قريتي نعليا والجورة، حيث تصدى المقاومون الفلسطينيون لها بإطلاق نيران أسلحتها باتجاه الطائرات المغيرة، حتى أصبح دخان القذائف الأسود التي يطلقها المقاومون يخفي معالم الطائرات الأربع، إلا أنه تبين أنه رغم كثرة إطلاق النار تجاه الطائرات المغيرة، إلا أنها لم تصب بأي أضرار؛ وذلك بسبب فساد الأسلحة التي كانت بحوزة المقاومين".

وأوضح أنه استشهد جراء هذه الغارة من قرية نعليا كل من: مريم محمد عبد الخالق المقيد، مريم محمد أبو حسين، كما جرح في هذه الغارة الجوية الكثيرون. 

وأشار إلى أن الطائرات المعادية عادت وشنّتْ غارة أخرى، حيث ضربت سُوق المجدل، وكان مكتظا بالناس، فقتل من قتل وجرح من جرح.

وكشف أنه كانت تحوم على مستوى أعلى من الطائرات المغيرة طائرة صغيرة كنا نسميها طراد، وأخذت الطائرات المغيرة تضرب شارع البوليس الممتد من قهوة كفينة، حتى سرايا البوليس، وقد دمرت جميع المباني التي كانت على يمين الشارع، وأنت باتجاه مركز الشرطة، حتى طريق غزة المجدل، وكانت تلك المباني مائلة بعضها على بعض من شدة القصف، وكانت القذائف التي ترميها الطائرات عبارة عن براميل حديد محشوة بالمتفجرات.

ويورد الكتاب أسماء 24 شهيدا من شهداء القرية استشهدوا حتى العام 1948م جراء اعتداء العصابات الصهيونية عليهم، وكذلك جراء الغارات الجوية التي تنفذها تلك العصابات بدعم من قوات الاحتلال الإنجليزي على القرى الفلسطينية.