صحافة دولية

الغارديان: من بدأوا الحرب بأفغانستان يتحملون مسؤولية الفوضى

لم توجه انتقادات لبوش وبلير من وسائل الإعلام وتركزت على بايدن وجونسون- جيتي

نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافي جورج مونبيوت، انتقد حقيقة أن اللوم يقع على الجميع حاليا في كارثة أفغانستان، باستثناء الأشخاص الذين بدأوها.

 

وأضاف بحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21": "نعم، لقد أخطأ جو بايدن بالانسحاب بطريقة فوضوية. ونعم، فشل بوريس جونسون ودومينيك راب في اتخاذ تدابير كافية وفي الوقت المناسب لإجلاء الأشخاص المعرضين للخطر. لكنْ هناك إصرار محموم في وسائل الإعلام على ضمان عدم إلقاء اللوم على أولئك الذين بدأوا هذه الحرب المفتوحة دون أهداف واقعية أو خطة خروج، ثم شنوها دون اهتمام يذكر بأرواح وحقوق الشعب الأفغاني".

 

وذكرت الصحيفة منهم الرئيس الآمريكي آنذاك، جورج بوش الإبن، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وحاشيتهما، ولا سيما الإعلام الغربي حينها.

 

اقرأ أيضا: الغارديان: كيف ساعدت وسائل التواصل طالبان لاستعادة البلاد؟
 

وقالت: "في الواقع، كانت تبرئة بلير لنفسه ونقل اللوم إلى بايدن في نهاية الأسبوع الماضي، من أخبار الصفحات الأولى، في حين أن أولئك الذين عارضوا حربه الكارثية قبل 20 عاما ظلوا ملغيين عبر معظم وسائل الإعلام. لماذا؟ لأن الاعتراف بأخطاء الرجال الذين شنوا هذه الحرب هو فضح لدور الإعلام في تسهيلها".

 

وأضافت: "إن أي تقدير عادل لما حدث من أخطاء في أفغانستان والعراق والدول الأخرى التي اكتسحت في "الحرب على الإرهاب" يجب أن يشمل الأداء الكارثي لوسائل الإعلام. كان التشجيع للحرب في أفغانستان شاملا تقريبا، وتم التعامل مع المعارضة على أنها غير مقبولة".

 

وتابعت: "بعد أن اقتحم تحالف الشمال كابول، وقام بتعذيب وخصي السجناء، واغتصاب النساء والأطفال، حثتنا التلغراف على "الابتهاج.."، بينما نشرت صحيفة "صن" مقالا افتتاحيا من صفحتين بعنوان "عار الخونة: خطأ، خطأ، خطأ ... الحمقى الذين قالوا إن الحلفاء كانوا يواجهون كارثة".

 

وفي الغارديان، كريستوفر هيتشنز، الذي اعتنق الهيمنة والحرب الأمريكية، احتفل بالمناسبة، بالكلمات التالية: "حسنا، هاهاها.. كان من الواضح ... أن الهزيمة كانت مستحيلة. ستصبح طالبان تاريخا في القريب العاجل".


وتمت إضافة عدد قليل من الصحفيين والشخصيات العامة المعارضة إلى قائمة التلغراف اليومية لـ"أغبياء أسامة بن لادن المفيدين"، المتهمين بأنهم "معادون لأمريكا" و "مؤيدون للإرهاب"، وقد تم الاستهزاء بهم، والتشهير، وحرمانهم من المنابر الإعلامية.

 

وفي صحيفة الإندبندنت، زعم ديفيد آرونوفيتش أنك إذا عارضت الحرب الدائرة، فإنك تبالغ في التذمر.


وقال كاتب المقال، إن "كل شخص أعرفه في أمريكا والمملكة المتحدة ممن هوجم في وسائل الإعلام لمعارضته الحرب تلقى تهديدات بالقتل".

 

وكانت باربرا لي، العضو الوحيد في الكونغرس الذي صوت ضد منح حكومة بوش ترخيصا مفتوحا لاستخدام القوة العسكرية، بحاجة إلى حراس شخصيين على مدار الساعة.

 

ووسط هذه الحماسة المكارثية، تم إدراج ناشطي السلام مثل "نساء بالأسود" على أنهم "إرهابيون محتملون" من مكتب التحقيقات الفيدرالي. وسعى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، كولين باول، إلى إقناع أمير قطر بفرض رقابة على قناة الجزيرة، وهي واحدة من المنافذ القليلة التي تحدت باستمرار الاندفاع إلى الحرب. وبعد أن فشل، قصفت أمريكا مكتب الجزيرة في كابول.


وكانت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة محجوزة بشكل شبه حصري لأولئك الذين يدعمون المغامرة.

 

وحدث الشيء نفسه قبل وأثناء غزو العراق، عندما حصل معارضو الحرب على 2% فقط من وقت بث بي بي سي حول هذا الموضوع. محاولات تحدي الأكاذيب التي بررت الغزو -مثل حيازة صدام حسين المزعومة لأسلحة الدمار الشامل ورفضه المفترض للتفاوض- غرقت في موجة من الانفعال الوطني.


وتساءل: "فلماذا كثير من وسائل الإعلام متعطشة للدماء؟ لماذا يحبون القنابل والرصاص كثيرا والدبلوماسية قليلا؟ لماذا يستمتعون بشكل واضح بالوقوف على أكوام الجثث، قبل أن يبتعدوا بهدوء عندما تسوء الأمور؟".

 

اقرأ أيضا: NYT: فوضى أفغانستان تثير أسئلة كثيرة في أوروبا

الجواب الواضح هو القول القديم "إذا كان ينزف فإنه يتصدر" [أي إذا كان هناك دم فهو خبر يستحق أن يتصدر في وسائل الإعلام]، لذلك هناك طلب داخلي على الدم. أتذكر كما لو كان بالأمس اللحظة التي بدأت فيها كراهية المهنة التي أعمل بها.

 

وفي عام 1987، كنت أنتج برنامجا إخباريا للإذاعة العالمية لهيئة الإذاعة البريطانية. لقد كان يوما إخباريا بطيئا، ولم نجد أيا من الأخبار يستحق تصدر البرنامج بقوة. قبل عشر دقائق من الإرسال، فتح باب الاستوديو ودخل المحرر. صفق يديه وصرخ: "عظيم.. 110 قتلى في سريلانكا" الأخبار عرض، ولا عرض مثل الحرب.


وتابع: "عامل آخر في المملكة المتحدة هو الفشل المستمر في التصالح مع تاريخنا الاستعماري. لقرون كانت مصالح الأمة تخلط مع مصالح الأثرياء، بينما كانت مصالح الأثرياء تعتمد بدرجة ملحوظة على الغنائم الاستعمارية والمغامرات العسكرية التي زودتها بها. فأصبح دعم الحروب الخارجية، مهما كانت كارثية، واجبا وطنيا".


وقال: "على الرغم من كل اللطم على الهزيمة الكارثية في أفغانستان، لم نتعلم شيئا. لا تزال وسائل الإعلام تسري عنا بأكاذيب مطمئنة عن الحرب والاحتلال. إنها تقوم بتلميع صور ضربات الطائرات بدون طيار التي ذبح فيها مدنيون والفساد الذي سمحت به قوات الاحتلال بل وشجعته. إنها تسعى إلى تحديث مبررات قرار خوض الحرب، وعلى رأسها تأمين حقوق المرأة".


لكن هذه القضية، على أهميتها، لم تندرج ضمن أهداف الحرب الأصلية. ولا، في الحقيقة، إسقاط طالبان. فقد تم تأمين رئاسة بوش، والترويج لحروبه، من الأصوليين المتدينين الأمريكيين المحافظين الذين لديهم قواسم مشتركة مع طالبان أكثر من القواسم المشتركة مع النساء الشجاعات الساعيات إلى التحرر.

 

في عام 2001، كانت الصحف التي تروج نفسها الآن على أنها مدافعة عن حقوق الإنسان تسخر من النساء وتعيقهن في كل فرصة.

 

وكانت صحيفة الصن تنشر صورا لمراهقات عاريات الصدر في الصفحة الثالثة، ودمرت صحيفة ديلي ميل حياة كثير من النساء من خلال "شريط العار الجانبي"، إضافة إلى تفشي التمييز على أساس الجنس  والتهكم على الشكل ومهاجمة الناشطات النسائيات.


وأضاف: "أولئك منا الذين جادلوا ضد الحرب لم يمتلكوا أي قوة تنبؤ. لقد طرحت الأسئلة التالية في صحيفة الغارديان ليس لأن لدي أي معلومات خاصة أو اطلاع، ولكن لأنها كانت واضحة جدا. في أي مرحلة نتوقف عن القتال؟ في أي مرحلة يصبح الانسحاب مشرفا أو مسؤولا؟ بعد أن اشتبكنا مرة مع قواتها، فهل نحن مضطرون إلى تحويل أفغانستان إلى محمية دائمة؟ أم هل نتخلى عن المسؤولية بمجرد أن يصبح من المستحيل استمرار القوة العسكرية؟".

 

وتابع: "لكن حتى طرح مثل هذه الأسئلة يضعك خارج نطاق الرأي المقبول".


يمكنك أن تفلت من الكثير في وسائل الإعلام، ولكن ليس في معظم المنافذ الإعلامية، بمعارضة حرب تشنها أمتك -ما لم تكن أسبابك عملية فقط. إذا كانت دوافعك إنسانية، فقد تم تصنيفك منذ تلك اللحظة على أنك متعصب. أما أولئك الذين يقدمون حججهم بالقنابل والصواريخ فهم "معتدلون" و"وسطيون"، وأولئك الذين يعارضونهم بالكلمات هم "متطرفون".

 

وختم الكاتب بالقول: "الحقيقة المزعجة المتمثلة في أن "المتطرفين" كانوا على حق وأن "الوسطيين" كانوا على خطأ يتم تناسيها اليوم بصرامة".