مقالات مختارة

الجدل حول الانتخابات غيب الجدوى منها

1300x600

لم يعد الحديث عن انتخابات ديسمبر يدور حول النتائج المحتملة، وما يمكن أن تفرزه من شخصيات جديدة متحررة نسبيا من إرث الصراعات السابقة، وقادرة على الوصول إلى توافق مقبول حول مجمل القضايا الخلفية وفي مقدمتها مسودة الدستور. إذ دخلت آفة العناد الليبي على خط الأزمة، وبات الصراع محتدما حول إجرائها في موعدها أو تأجيلها، وبين إجراء الانتخابات الرئاسية مع التشريعية، أو حصرها في انتخابات برلمانية فقط.

 لم تكن الانتخابات مطروحة كحل للأزمة بهذا الزخم لولا إصرار مجموعة من أعضاء ملتقى الحوار السياسي على ضرب موعد لها في 24 ديسمبر، وتأييد سفارة أمريكا وبعض الدول الأوربية لها. ذلك لأن القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة قررت الإحتكام لها لحسم الصراع حول الشرعية، ورضخت أطراف السلطة المحلية لهذا التوجه الدولي عن غير قناعة، وأضحت تطالب بها في كل حديث محذرة من عواقب تأجيلها، ولكنها في الحقيقة تعمل بكل السبل على عرقلتها لأن نتائجها غير مضمونة، وقد يكون الثمن هو الإطاحة بها من الطرف الذي حازته في سدة الحكم، ومن ثم فقدان كل المزايا التي ترفل فيها وتتنعم بها. 

 ليس من المتوقع أن تأتي الانتخابات، إن جرت في موعدها أو في أي موعد لاحق، بتغيير حقيقي يقطع مع المرحلة السابقة ويؤسس لمرحلة جديدة يغاث فيها البلد والناس، ما دامت الطبقة السياسية التي أدارت المشهد السياسي والعسكري خلال السنوات الماضية، بكل إخفاقاتها، وفسادها، وارتباطاتها الخارجية، هي من ستفصل قواعد اللعبة الانتخابية.

 فلا أحد ينظر لهذا التغيير المحتمل من زاوية الرؤية أو المشروع الوطني المضاد للأجندات والمشاريع الخارجية، وإعمال التفكير في وضع خطط قصيرة المدى للمشاكل الملحة كمواجهة وباء كورونا وانقطاعات التيار الكهربائي وتعطل الدراسة، وأزمة السيولة النقدية، وكل ما من شأنه التخفيف من معاناة الناس في كل ربوع البلاد، وكذلك وضع الأسس الصحيحة لمعالجة القضايا المزمنة كانتشار السلاح والفصائل المسلحة والعدالة الانتقالية والمصالح الوطنية وتوحيد المؤسسات وطرد المرتزقة والقوات الأجنبية، فالكل يعمل على ترويض عاصفة الانتخابات، فإن لم تصعد به إلى موقع أرفع، لا تطيح به من موقعه الحالي على الأقل.

 ما جدوى الانتخابات إذا أعادت نفس الشخصيات، ونفس الكيانات المتمترسة خلف مصالحها الشخصية أو الجهوية، والمسؤولة عن كل هذا الخراب؟ إن السبيل للتغيير هو إزاحة كل الطبقة السياسية عبر انتخابات حرة ونزيهة تأتي بشخصيات جديدة لإدارة المرحلة. المثال التالي يصلح للتوضيح بشكل مبسط. ما هي أول وأهم خطوة لإنقاذ فريق كرة فشل في البقاء بدوري الدرجة الأولى وهبط إلى الدرجة الأدنى؟ تبدأ عملية الإنقاذ عادة بتسريح المدرب وغالبية اللاعبين والطاقم الإداري، واستبدالهم بوجوه جديدة قبل الشروع في وضع وتنفيذ خطة العودة. ماذا إذا لم تتخذ هذه الخطوة وبقي الفاشلون في مواقعهم؟ المرجح هو مواصلة الانحدار والهبوط على مدى المواسم حتى يستقر الفريق في قاع الدرجة الأدنى. 

 لا تغيير جذريا في قواعد اللعبة الدولية حول ليبيا، فالدول نفسها المنخرطة في الصراع حول مصالحها عبر الوكلاء المحليين ما تزال في نفس اصطفافاتها وتوجهاتها، وستقف خلف وكلائها لتضمن لهم موقعا في السلطة إذا جرت الانتخابات، أما إذا وقعت أي مفاجآت، متوقعة أو غير متوقعة، فسيناريو التشكيك في مصداقيتها ونزاهتها سيكون جاهزا. وليس ثمة أمل في توحد الشعب ونهوضه ليستعيد زمام المبادرة، ويسقط هؤلاء الوكلاء ويقرر مصيره، ويرسم بإرادته خارطة طريق مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة، من دون تدخل خارجي.

 ولكن حتى مع أمل ضعيف في النتائج لا يصل إلى سقف الطموح، لا بديل ولا مناص من الانتخابات. إذ لا طريق لإحداث تغيير سلمي بدونها، والنكوص عنها ستكون عواقبه وخيمة، إذ سيتراكم الإحباط ويسيطر اليأس على الناس، وقد تضيع فرصة إلزام الكيانات الحالية بإجراء انتخابات في أجل قريب وهي تعمل بكل السبل على تجنبها، ومن ثم سوف تستمر في مواقعها إلى أجل غير معلوم.

 

(عن موقع ليبيا أوبزرفر)