ملفات وتقارير

هل ستؤدي الخلافات إلى إنهاء اعتماد "الفرنسيّة" في الجزائر؟

أوقفت وزارتان جزائريتان التعامل باللغة الفرنسية- جيتي

بدأت معالم التحول في الإدارة العليا الجزائرية، نحو اعتماد اللغة العربية في المراسلات الرسمية، بعد أن ظلّت أبرز قلاع الفرنسية، بفعل سيطرة جيل يتقن هذه اللغة على المناصب الكبرى.


وتفاعل الرأي العام في الجزائر بغزارة، مع قرار أصدره وزيرا الرياضة والتكوين المهني، يمنعان فيه استعمال اللغة الفرنسية في المحررات الرسمية ويطالبان باعتماد اللغة العربية، وهو إجراء يشبه ما اعتمدته قبل أشهر وزارتا التجارة والعمل، اللتان طالبتا إطاراتهما بالتعامل باللغة العربية.


وشدّد الوزيران، على عدم السماح لإطارات قطاعيهما بأي تهاون في تطبيق التعليمات، من أجل تكريس المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري مثلما هو منصوص عليه في الباب الأول من الدستور، الذي يشير إلى أن العربية والأمازيغية هما اللغتان الرسميتان في الجزائر.


وأعطى تزامن صدور هاتين التعليمتين، الانطباع بأن ثمة إرادة عليا تريد تكريس استعمال اللغة العربية بدل الفرنسية في الإدارات التي ظلّت عصية على ذلك خلال العقود الماضية.


لكن هناك من رأى أن الأمر قد يرتبط بسياق الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا، والرغبة في تكريس القطيعة مع المستعمر القديم في كل المجالات حتى الثقافية منها، التي تعتبر فيها اللغة الفرنسية من أبرز عوامل الارتباط.


ومع أن عدد الوزارات اللواتي تعتمد حصريا اللغة العربية لم يتسع، إلا أنه لم تظهر بالمقابل أي مقاومة لهذا القرار في الوزارتين المعنيتين أو ما يدفعهما للتراجع عنه، ما يشير حسب بعض القراءات إلى أن إمكانية تعميم القرار على وزارات أخرى وارد بقوة. 


ومن الناحية القانونية، يرى المحامي والناشط الحقوقي عبد الغني بادي، أن منع استعمال اللغة الفرنسية في الإدارات، حق لأي جهة رسمية عملا بمرجعية الدستور.


وأبرز بادي في حديثه لـ"عربي21"، أن إصدار مثل هذه القرارات، قد يتحول إلى واجب وليس مجرد أمر اختياري، لأن القانون الأسمى في الجزائر واضح في اعتماد العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين.


ويلمس المحامي، عدم وجود إرادة سياسية صارمة في وقف التعامل باللغة الفرنسية، إذ يبقى الأمر خاضعا للمبادرات الشخصية، وهو ما يظهر حسبه في عدم رفع التجميد عن قانون تعميم اللغة العربية.


وفي الواقع، قد تظهر إشكالات تقنية تحول دون وقف التعامل بالفرنسية، في وزارت مثل الصحة والصناعة الصيدلية والمالية وغيرها، نظرا لكون دراسة أغلب إطارات هذه القطاعات تسيطر عليه الفرنسية.

 

اقرأ أيضا: وزارتان بالجزائر توقفان استخدام الفرنسية بالمراسلات الرسمية

مسألة سيادية


غير أن ما يطالب به بعض من يبدون حرصا على تكريس اللغة العربية، هو جعل المراسلات الرسمية فقط تتم باللغة العربية، لاعتبارات تتعلق بالسيادة الوطنية وتطبيق الدستور، وهو أمر متاح في نظرهم حتى في الإدارات التي يغلب فيها الفرنكوفونيون.


وفي هذا السياق، قال رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، إن خطوة الوزيرين كانت في الاتجاه الصحيح، علما بأن حزبه كان قد طالب بإدراج بند في الدستور المعدل يقضي بتجريم استعمال الفرنسية في المحررات الرسمية.


وأوضح صادوق في تصريح لـ"عربي21"، أن اعتماد اللغة العربية هو عودة إلى الأصل وشجاعة من الوزيرين المعنيين، متمنيا أن تكون هناك إرادة حقيقية في تكريس هذا التوجه وليست فورة من الحماس.


ودعا المتحدث بقية الوزارات والمؤسسات والهيئات إلى حذو وزارات أخرى سابقة في هذا المجال كالدفاع والعدل، مشددا على أن ترقية اللغة العربية تكون من خلال الإرادة السياسية الحقيقية لرفع التجميد عن قانون تعميم اللغة العربية وكذا منع الفرنسية في المراسلات والخطاب الرسمي.


وكشف صادوق عن مبادرات للكتلة النيابية لحزبه الثالثة في البرلمان من حيث العدد، تتمثل في طرح مشروع تجريم استعمال الفرنسية في المراسلات الرسمية والخطاب الرسمي والعمل أيضا على رفع التجميد عن قانون تعميم اللغة العربية.


إجراء واقعي أم شعبوي؟


وعكس هذا الرأي، يرى محمد إيوانوغان رئيس تحرير موقع ليبرتي عربي، أن ما تفعله الوزارات هذه الأيام، "لا يعدو كونه إجراء شعبويا وظرفيا، تماما مثل تدخلات الشرطة لمنع الباعة الفوضويين لمدة أسبوع أو شهر ثم يعود تدريجيا هؤلاء التجار أو أي ظاهرة أخرى إلى حالها السابق".


وقال إيوانوغان في تصريح لـ"عربي21"، إنه لا يفهم سبب إخضاع كل القوانين في البلاد للتعديل، ما عدا قانون تعميم اللغة العربية الذي لا يعدل ولا يطبق، حسبه.


وتابع قائلا: "أعتقد أنه حان الوقت لمراجعة هذا القانون وتكييفه مع الواقع الذي يقول إن الجزائر بلد فرانكفوني بامتياز، وهذا ليس عيبا بل هو نقطة ثراء مثل الأمازيغية واللغة العربية".


وفي اعتقاد المتحدث، فإن الجزائريين عليهم أن يستفيدوا من اللغات الثلاث ولا يجعلوا واقعهم اللغوي أمامهم، عبر افتعال الصراعات غير المجدية.


وهنا، يشير صادوق إلى أن الإشكال، بحسب مفهوم حزبه، ليس في اللغة الفرنسية بحد ذاتها، فاللغة  يمكن الاستفادة منها كأي لغة أجنبية إذا كانت لغة حية مواكبة للعلم والحضارة والعصرنة.


لكن المشكل الرئيس مع الفرنسية، وفق صادوق، هو "في كونها  إحدى أدوات الهيمنة الفرنسية على مستعمراتها القديمة، لأننا كما نعلم أن فرنسا لا تروج للغتها كلغة وفقط وإنما هي ذات حمولة أيدولوجية وفكرية تهندس للتبعية والتخلف".

 

اقرأ أيضا: هكذا رد رئيس أكبر حزب إسلامي جزائري على ماكرون (شاهد)

نهاية طبيعية للفرنسية


ورغم القلق الذي يبديه البعض من استعمال الفرنسية في الجزائر، فإن هناك من يرى أن هذه اللغة آخذة في الانحسار بشكل طبيعي، كونها ارتبطت بجيل لا يتقن العربية أصبح تقريبا غير موجود.


ويقول نوري دريس، أستاذ علم الاجتماع، في هذا الشأن، إنه يمكن ملاحظة تراجع اللغة الفرنسية بشكل عام في المجتمع، لأن الجيل المفرنس بيولوجيا هو في طريقه للانقراض في الجزائر.


وأبرز دريس في تصريح لـ"عربي21"، أنه باستثناء بعض الشرائح في المدن الكبرى، فإنه لم يعد للفرنسية ذلك الحضور، ويمكن حسبه التأكد من ذلك، برؤية ما يحصل للجرائد الناطقة بالفرنسية التي تعيش لحظاتها الأخيرة.


ويصل المتحدث في تحليله، إلى أن حضور الفرنسية في الجزائر هو ظاهرة تاريخية مرتبطة بالاستعمار، وبالعلاقات الثقافية التي نسجت بين البلدين وبالجالية القوية في فرنسا.

 

لكن جيل اليوم، بحسب رأيه، منفتح أكثر علي الإنجليزية، رغم أن السياسة اللغوية للدولة تواصل منح الفرنسة المكانة الأولى، وهي في رأيه مسألة وقت فقط، إذ إنه ربما بالنظر للمعطيات الحالية، ستعيش الفرنسية آخر عقد لها في الجزائر.