أفكَار

الإسلام السياسي.. هل يستعيد حضوره أم بات وجوده هامشيا؟

كتاب وخبراء يناقشون مقولة أفول حركات الإسلام السياسي.. هل هي مقولة واقعية؟ (عربي21)

لا يتوقف الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الانتكاسات التي حلّت بحركات الإسلام السياسي، إن كانت ستفضي إلى تلاشيها وأفولها أم إنها ضربات ظرفية آنية، سرعان ما تتعافى منها بإعادة ترتيب أوراقها، وتجديد نفسها، ومراجعة مسيرتها، لمواجهة تحديات وجودها، ومغالبة إجراءات محاصرتها، والتماس الوسائل الممكنة والكفيلة بتحقيق ذلك. 

ذلك الجدل الذي تدور رحاه عبر تلك المواقع، يتردد صداه، وتنعكس آثاره على مقالات الرأي لكتاب وباحثين ينشرون مقالاتهم عبر منابر إعلامية معروفة، تتباين رؤاهم بين من يذهب إلى أفول تلك الحركات وتلاشي حضورها، وبين من يستبعد أن يكون الأمر كذلك، فالكاتب الأردني المقيم في أمريكا، الدكتور أسامة أبو ارشيد يرى "أننا أمام مرحلة جديدة تشهد إعادة تعريف نفوذ تيارات الإٍسلام السياسي وشعبيتها". 

ويبدي أبو ارشيد في مقال منشور تحفظه الشديد على توصيف ما يجري لحركات الإسلام السياسي بالأفول أو التلاشي والتحلل، موضحا أن "كثيرا من مستقبل "الإسلام السياسي"، وفي القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، مرتبط بمدى قدرته على تقديم رد ناجع وفعال للأزمات والتحديات التي يواجهها، وتاريخه حافل بمثل هذا الإنجاز، معللا ذلك بعدة أسباب من أبرزها "تمثل أيديولوجيا "الإسلام السياسي" نبتا عضويا طبيعيا في تربة المنطقة العربية والإسلامية وبيئتها، بمعنى أنها ليست غريبة عنه، ولا مُقحمة عليه". 

وفي ذات الإطار، ناقش الباحث المغربي المتخصص في العلوم السياسية، الدكتور خالد العسري مقولة أفول مشروع حركات الإسلام السياسي التي باتت متداولة على نطاق واسع في الآونة الأخيرة، لافتا إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن ذلك، لكن التاريخ أثبت أن ذلك كله يصدر عن متمنيات أكثر من أنها تحتكم إلى معايير أكاديمية تستشرف حركية التاريخ". 

ونبه إلى ضرورة التمييز بين التيارات التي يُطلق عليها "الإسلام السياسي" كأنه يُمثَّل من تنظيم واحد، والواقع أن العكس هو ما ينطق به الواقع، ذلك أن تنظيمات الحركة الإسلامية متعددة، وهي مراتب من تشدد طالبان إلى انفتاح أردوغان، وبينهما أطياف واجتهادات عدة، لذلك ينبغي التوقف أساسا عند المقصود بالإسلام السياسي الذي أذن أفوله". 

 

              خالد العسري.. كاتب مغربي متخصص في العلوم السياسية

وتساءل الباحث المغربي العسري في حواره مع "عربي21": ماذا نقصد بهذا الأفول عندما نتحدث عن أفول الإسلام السياسي؟ هل نعني به مسألة تدبير السلطة والحكم.. أم نتحدث عن منهج مقاومة السلطة المستبدة"؟ ليجيب "إن كان الأمر يتعلق بتدبير بعض مكونات الحركة الإسلامية لقضايا السلطة فإننا لا نقطع بأفولها، الذي قد يظل حرفيا، حتى يتم إسقاطها بإرادة شعبية من خلال صناديق الاقتراع، بما أنها الآلية الوحيدة لتعبير الشعب عن سيادته". 

وأضاف، "أما أن يقع انقلاب عسكري، أو شبه انقلاب في هذه الدولة أو تلك، فإن ذلك لا يعني أفول الإسلام السياسي، بل اغتصاب الإرادة الشعبية، وانتهاك سيادة الأمة، وهي سيادة أكبر بكثير من كل تنظيم.. نعم شاركت مكونات من الحركة الإسلامية في السلطة في عدة دول، وقد فشل بعضها في تدبير السلطة بسبب استبدادها أو تواطئها مع مستبدين في السودان مثلا". 

وتابع: "أو أنها شاركت في هامش السلطة، وتحملت كامل وزرها كما يحصل من بعض تنظيمات الإسلام السياسي في دول ملكية مثل الأردن والمغرب، لكن الحس الشعبي يحاسب تنظيمات بعينها، سواء باستبدادها أو ممالأتها للاستبداد، وعامة الناس يحملون تنظيما بعينه أوزاره، ولا يجعلون تنظيما آخر بتصور ومنهج مغايرين يزر وازرة غيره".

وعن أخذ العبرة من كل ما حدث، شدد العسري على ضرورة الانتباه إلى أنه "مهما بلغت قوة عضلات أي تنظيم من تنظيمات الإسلام السياسي، فلن يستطيع أن يقاوم سلطة نظام سياسي يتحكم في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والقضائية والإعلامية، وعوضا عن التفكير في التغيير بمنطق قوة التنظيم، وجب التفكير في التغيير بمنطق الحركة المجتمعية، التي تنتصر لمشروع يستطيع أن يجمع الأطياف المجتمعية بمختلف توجهاتها، مع أن عدم القدرة على التحول من منطق التنظيمات المغلقة إلى منطق الحركة المجتمعية المنفتحة، هو حقا ما يهدد تنظميات الإسلام السياسي".

من جهته أشاد الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة، الدكتور جمال عبد الستار بـ"الدور الكبير الذي قامت به تنظيمات الحركة الإسلامية في المائة عام الماضية، إذ حافظت على الهوية الإسلامية، وأبقت جذوة الإسلام مشتعلة في نفوس الأجيال، وانتشرت قيم الإسلام ومبادئه ومظاهره". 

 

                   جمال عبد الستار.. الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة

وأضاف لـ"عربي21": "إلا أنه ولعوامل عديدة، فإنني أرى أن الحركة الإسلامية كتنظيمات آخذة بالتراجع والتلاشي، فكما أن لكل أمة أجلا فإن لكل فرد أجلا، ولكن كفكرة وعمل ستعود الفكرة الإسلامية بصور شتى وأدوات مختلفة تضيء سماء الدنيا بأنوار الدعوة، وأضواء التنزيل، ففي الحديث؛ "إن الله يغرس لهذا الدين بكلتا يديه"، وغرس الله تعالى لا يغيب ولا يخيب".  

وعن قدرة تلك الحركات والتيارات على مراجعة مسيرتها، وإعادة ترتيب صفوفها، والتخلص من أخطائها وعثراتها، لفت عبد الستار إلى أن "الفرصة سانحة لتلك الحركات للتخلص من آفات أصابتها، وعلل عرقلت سيرها، لكنها إن لم تسارع في إحداث ثورة عاتية على نفسها تغييرا وتطويرا ومراجعة وتصحيحا، فلن يُكتب لها استمرار، ولن تحقق نجاحا، فسنن الله لا تحابي أحدا، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)". 

وأردف: "لكنني للأسف، لا أرى حتى الآن مظاهر لهذه الثورة، ولا إمارات لميلادها وانطلاقتها، فالمراجعات متأخرة ومتناثرة، وإرادة التغيير لا تعدو آمالا تُداعب المحبين، ولم تتحول إلى منهجية أو عزمة صادقة".

بدوره استبعد الأكاديمي الأردني، رئيس مجلس إدارة قناة "الحوار" في لندن، الدكتور عزام التميمي أن "يكون ما تعرضت لها الحركات الإسلامية السياسية من ضربات شديدة نهايتها أو نهاية مشاريعها"، مؤكدا "طالما أن الفكرة التي قامت من أجلها موجودة، فإن العمل في سبيلها سيتجدد، وهذا هو التدافع الذي يستمر لا محالة طالما بقي على ظهر هذا الكوكب بشر". 

 

                         عزام التميمي.. رئيس مجلس إدارة قناة الحوار

وردا على سؤال "عربي21" إن كانت تلك الحركات قادرة على التعافي مما أصابها، ومن ثم استعادة حضورها وفاعليتها من جديد، قال التميمي: "يصعب الجزم الآن بأنها قادرة بذاتها على ذلك بسبب ما تعانيه من تداعيات تلك الضربات، خاصة جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي غُيبت قيادتها تماما، وتفشت الخلافات والنزاعات في صفوف من انتشر في الشتات من أفرادها". 

وتابع مستدركا: "لكن، كما رأينا في تجارب سابقة، فمن الوارد أن تتمكن من تجميع صفوفها والانطلاق من جديد إذا ما طرأت تغيرات إقليمية أو دولية تهيئ ذلك لها"، مشيرا إلى أن "أهم وأول متطلبات ذلك، تغلبها على خلافاتها وتوحيد صفوفها، وهذا برأيي أكبر تحد يواجهها". 

وحذر في ختام حديثه من تداعيات "الشقاق الداخلي الذي أدّى إلى هدر طاقات الحركة، بشريا وماليا، بل وأفقد من يمسك بمقاليد الأمور الرؤية الواضحة لما يجري من حول الحركة محليا وإقليميا ودوليا".