مقابلات

ندوة "عربي21": جذور التشظي الإثيوبي وسر قوة التيغراي

من أهم عوامل قوة التيغراي امتلاكهم خبرات وقدرات راكموها خلال ثلاثة عقود من الحكم- عربي21

استضافت "عربي21"، السبت، الخبير بالشأن الأفريقي، محمد صالح، في ندوة حول مشهد الصراع الداخلي في إثيوبيا، تناول فيها الجذور التاريخية للمشهد وموازين القوى الداخلية، في ظل تقدم مكون "التيغراي" على حساب الحكومة الفيدرالية، رغم تشكيلهم نحو ستة بالمئة فقط من السكان.

 

ومساء السبت، نشرت "عربي21" الجزء الأول من الندوة، وتناول السيناريوهات المحتملة للصراع، وحسابات الأطراف الإقليمية والدولية، ولا سيما الدول العربيّة والولايات المتحدة الأمريكية.

 

وفي حديثه عن جذور الصراع، أوضح محمد صالح، الذي يدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، أن التيغراي يعتبرون أن إقليمهم هو مهد الحضارة الإثيوبية، وأنهم من قاد النضال ضد الحكم الإمبراطوري، ثم ضد النظام العسكري الشيوعي، منذ قيامه منتصف سبعينيات القرن الماضي، وحتى إسقاطه عام 1991.

 

 

ورغم تشكيلهم أقلية مقارنة بمكوني الأورومو (34.5 بالمئة) والأمهرة (27 بالمئة)، إلا أنهم يتمتعون بدافع قوي للقتال، بحسب صالح؛ دفاعا عن استقلالية إقليمهم، وعن مبدأ الفيدرالية الإثنية الذي عملوا على ترسيخه خلال حكمهم البلاد منذ 1991، وحتى عام 2018.

 

ولا يعتبر التيغراي أقلية بالمعنى التقليدي، في بلد يضم عشرات المكونات الأصلية، ولا تملك فيه أي منها "الأغلبية".

 

ويشكل هاجس التحول إلى "الفيدرالية المركزية"، وهو المسار الذي انتهجه رئيس الوزراء آبي أحمد منذ توليه السلطة عام 2018، دافعا كبيرا للتيغراي، ولكنه يشجع مكونات إثيوبية أخرى للوقوف معهم ضد أديس أبابا، بما في ذلك قطاع كبير من الأورومو، فضلا عن عشرات العرقيات المتداخلة في تلك الجغرافيا المعقدة.

 

 

وأوضح الخبير الأفريقي أن من أهم عوامل قوة التيغراي امتلاكهم خبرات وقدرات راكموها خلال ثلاثة عقود من الحكم، لا سيما أنهم تفردوا بالسيطرة على مفاصل الجيش الفيدرالي والسياسة الخارجية، مقابل منحهم سلطات أكبر للأقاليم.

 

وعززت "جبهة تحرير شعب تيغراي" بذلك قوة عناصرها وتسليحهم وخبرتهم الميدانية والعملياتية، فضلا عن تمكنهم من عقد علاقات خاصة على المستوى الدبلوماسي لا سيما مع الديمقراطيين في الولايات المتحدة، الذين عادوا مؤخرا إلى البيت الأبيض والكونغرس بقوة.

 

اقرأ أيضا: خبير أفريقي لـ"عربي21": حرب "تيغراي" قد تؤدي لتفكك إثيوبيا

 

 

وأدى سعي آبي أحمد لإقصاء التيغراي من مفاصل الحكم بالبلاد، وتحالفه مع أريتريا مؤخرا، إلى تأجيج غضب التيغراي، وحشدهم قوتهم للقتال في حرب يرون أنها مصيرية.

 

وكان التيغراي في قيادة إثيوبيا إبان الحرب الطاحنة بين عامي 1998 و2000 مع أريتريا، التي اندلعت جراء خلافات حدودية، ما خلف أحقادا خاصة بين الإقليم الشمالي والجارة المحاذية له.

 

 

وتنقسم المكونات الإثيوبية المتعددة بين مناصرة أديس أبابا من جهة والتيغراي من جهة ثانية، وبين أطراف تفضل مراقبة المشهد عن بعد في المرحلة الحالية.

 

وأوضح "صالح" أن لدى مختلف المكونات حساباتها الخاصة رغم ما يظهر من اتفاقها على عناوين رئيسية، إذ إن "جيش تحرير أورومو" المتحالف أخيرا مع التيغراي، على سبيل المثال، لن يسمح للقادمين من الشمال باختراق أراضي الإقليم وصولا إلى أديس أبابا، ما لم تكن القوات المتقدمة تحت قيادته.

 

واعتبر الخبير الأفريقي أن الأحقاد المتراكمة والمنافسة على السلطة والصراعات الحدودية بين مختلف الأقاليم جميعها عوامل تجعل من سقوط إثيوبيا في أتون حرب أهلية، وربما التشظي، مصيرا حتميا، تم تأجيله مرارا على مدار العقود الماضية، وصولا إلى تسمية آبي أحمد رئيسا للوزراء في مرحلة انتقالية، فشلت في إيصال البلاد إلى بر الأمان، بل وربما تسببت في تأجيج النزاعات الداخلية.