صحافة إسرائيلية

دراسة إسرائيلية ترصد دوافع وكوابح تطوير العلاقات مع تركيا

توتر في العلاقات التركية الإسرائيلية رغم رغبة متبادلة بتحسين العلاقات - جيتي

بعد إفراج تركيا عن اثنين من الإسرائيليين تم اعتقالهما بتهمة التجسس الشهر الماضي، بدأت تحركات تل أبيب وأنقرة لإذابة الجليد في علاقاتهما، رغم استمرار تصريحات قادتهما العدائية في نفس الوقت. وفي الوقت ذاته تسعى دوائر صنع القرار فيهما إلى محاولة إخراج العلاقة من أدنى مستوى لها، من خلال العمل على تكثيف عمل وسائلهما الإعلامية، والتعامل مع عدة قنوات سياسية، بما في ذلك التدخل المباشر لوزير الخارجية يائير لابيد ورئيس الوزراء نفتالي بينيت.

بالعودة للأداء السياسي لتل أبيب وأنقرة في مرحلة ما بعد الإفراج عن الإسرائيليين، يمكن ملاحظة أنهما تصرفتا في عدة اتجاهات بين جهاز الموساد ونظيره التركي، ومن خلال وزارة الخارجية والبعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في تركيا تجاه المسؤولين فيها.

غاليا ليندنشتراوس ورامي دانيال، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ذكرا في ورقة بحثية ترجمتها "عربي21"، أن "أنقرة ترى في هرتسوغ شخصية قد تتعاون معها، وقد أقام علاقات شخصية جيدة مع دوائر القرار التركي؛ ففي حزيران/ يونيو 2021، هنأ أردوغان هرتسوغ على توليه منصبه، في مكالمة استمرت 40 دقيقة، وأشار إلى أن "العلاقات التركية الإسرائيلية مهمة لأمن واستقرار الشرق الأوسط"، وأنه "يمكن تقليص الخلافات إذا كان هناك تفاهم متبادل حول القضايا الثنائية والإقليمية"، و"من حيث أولويات أنقرة، يجب أن تبدأ عملية السلام من جديد بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

وأضافا أنه "منذ عام 2018 لم يكن هناك تمثيل دبلوماسي كبير في البلدين بسبب القرار التركي، ردًا على نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، والاشتباكات بين غزة وقوات الاحتلال على السياج الحدودي، لذلك لم تعد أنقرة سفيرها لإسرائيل، فيما أمرت السفير الإسرائيلي في أنقرة بالعودة لإسرائيل للتشاور، وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2020، أعلن أردوغان أنه مهتم بتحسين العلاقات مع إسرائيل، لكنه أكد أن القضية الفلسطينية خط أحمر بالنسبة لتركيا".

في الوقت ذاته، وحين بدأت إجراءات إعادة السفراء بين أنقرة وتل أبيب، فقد اندلع العدوان على غزة في مايو، وأطلق أردوغان جملة رسائل معادية لإسرائيل، ولكن بعد أسابيع، في حزيران/ يونيو 2021، جرت أول محادثة بين أردوغان وهرتسوغ، وأرسلت تركيا لإسرائيل ملحقًا ثقافيًا لأول مرة منذ عقد، وردت الأخيرة بتردد على هذه الإشارات، لأنه لم يكن واضحًا لأي مدى كانت الرغبة التركية الضمنية بفتح صفحة جديدة في العلاقات، وما إذا كانت مجرد محاولة لتخريب العلاقة الوثيقة بين إسرائيل واليونان وقبرص.

 

اقرأ أيضا: روسيا منزعجة من مسيرات تركيا.. واتصال قريب بين بايدن وبوتين

ومع ذلك، يمكن النظر إلى جهود تذويب الجليد بين إسرائيل وتركيا في السياق الأوسع لجهود الأخيرة في إذابة الجليد في العلاقات مع اللاعبين الآخرين في الشرق الأوسط، وهكذا جرت جولتان من المفاوضات بين تركيا ومصر في مايو وسبتمبر، بهدف تهيئة الظروف لعودة السفراء إلى أنقرة والقاهرة، مع تطور مثير للاهتمام في تطبيع العلاقات بين تركيا والإمارات، رغم أن أنقرة رأت في أبو ظبي أحد العوامل وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016.

ورغم تدهور العلاقات السياسية الإسرائيلية التركية، فقد تنامت تجارتهما المتبادلة في السنوات الأخيرة، وتميزت بفائض تركي، وتم تصدير ثلثي التجارة المتبادلة من تركيا لإسرائيل، وفي 2019 زارها نصف مليون سائح إسرائيلي، وهو رقم مشابه للرقم المسجل قبل أحداث سفينة مرمرة في 2010، وخلال فترة الأزمة الاقتصادية في تركيا، ازدادت أهمية وقيمة العلاقات الإسرائيلية بنظر الأتراك، ويعتبر الإسرائيليون أنه يمكن اعتبار العلاقات التجارية بين أنقرة وتل أبيب مكونًا مهمًا في علاقاتهما، ما حال دون انقطاع تام بينهما طوال سنوات أزمتهما، وقد تكون بمثابة أساس لتحسين علاقاتهما.

في الوقت ذاته، يتابع الإسرائيليون علاقات تركيا بأذربيجان، الشريك الأقرب لأنقرة، ويسمي الشعبان نفسيهما "أمة واحدة، دولتان"، وبقدر ما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن أذربيجان حليفها الاستراتيجي في الحرب ضد إيران، ومورد مهم للطاقة، وبناءً على هذه المصالح، تمكنت باكو من تطوير علاقات ممتازة مع أنقرة وتل أبيب، وفي خريف 2020، عندما استخدمت أذربيجان الأسلحة الإسرائيلية والتركية لهزيمة أرمينيا، أصبحت مكانا تتعاون فيه إسرائيل وتركيا بشكل غير مباشر.

بجانب الجوانب الإيجابية، ترصد المحافل الإسرائيلية العديد من نقاط الاحتكاك بين أنقرة وتل أبيب، ومنها الدعم التركي للإخوان المسلمين، خاصة حماس، بما يزعج إسرائيل، حيث تستضيف تركيا أسرى حماس المحررين في أراضيها، وأصبحت إسطنبول أحد أهم المراكز الإقليمية لدى حماس، وتتهم إسرائيل أردوغان بالسماح بحرية عمل أكثر من اللازم لأعضاء حماس العاملين في بلاده.

هناك نقطة خلاف أخرى بين إسرائيل وتركيا، تتمثل بنشاط الأخيرة في شرقي القدس، من حيث ترميم المواقع التاريخية، وفتح المؤسسات الثقافية، والمزيد من النشاط السياسي، كجزء من محاولة أوسع للتأثير على الرأي العام العربي. وفي المقابل، فإن دعم إسرائيل لليونان وقبرص يزعج تركيا، التي ترى في شرق البحر المتوسط وقبرص قضايا أمنية حاسمة، ما يضع المزيد من العقبات أمام تحسن حقيقي في علاقاتهما.

شكلت المواقف التركية المنددة بالعدوان الإسرائيلي ضد غزة في أيار/ مايو 2021، تذكيرا بهشاشة الانفتاح التركي على إسرائيل، لأنه في كل فرصة ممكنة يكرر أردوغان أهمية القضية الفلسطينية، لذلك فإن أي تصعيد على الساحة الفلسطينية قد يقضي على تقدم الاتصالات بين أنقرة وتل أبيب، فضلا عن كون الساحة السياسية التركية تشهد اتفاقا واسع النطاق ضد إسرائيل، ربما على خلفية إضعاف مكانة الجيش، الذي شكل في السابق عاملاً هامًا مؤيدًا لإسرائيل.

صحيح أن تل أبيب تبدو أقل استعدادًا للتوجه إلى أنقرة، ربما كي لا تعرض العلاقات التي طورتها مع الدول الأخرى للخطر، ومع ذلك توجد أصوات إسرائيلية تطالب حكومتها بمحاولة الاستفادة من الوضع الجديد الذي نشأ، والتدابير التركية الأخرى، بما في ذلك التقارب مع الإمارات العربية المتحدة، لتحسين العلاقات التي وصلت لأدنى مستوياتها منذ أكثر من عامين.