كتاب عربي 21

هل ينجح الرئيس سعيد في الإجابة عن هذه الأسئلة المعلقة؟

1300x600
أسئلة عديدة مطروحة حاليا في تونس، أسئلة بدون إجابات قاطعة ومؤكدة. لقد تمكن الرئيس سعيد من تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإقالة حكومة وتعويضها بأخرى، وتوقيف العمل بثلثي الدستور. ورغم جميع الضغوط المختلفة التي استعملت ضده، إلا أنه صمد ولم يتراجع قيد أنملة، ولم يقبل التنازل أو الدخول في أي مفاوضات علنية أو بعيدة عن الأضواء. لكن بعد مرور خمسة أشهر دون تحقيق أي تقدم في مختلف المجالات، وفي مقدمتها المجال الاقتصادي، حيث أن أغلب المؤشرات لا تزال سلبية أو أكثر سوءا مما كانت عليه قبل 25 تموز/ يوليو الماضي، هل سيكون سعيد قادرا على تحقيق بقية مشروعه السياسي الذي يروج له أنصاره، والذي قد يكون يوم السابع عشر من هذا الشهر مناسبة للكشف عنه رسميا أو على الأقل تسليط الضوء على أبرز ملامحه ومحطاته؟

من المفترض أنه قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة من مساره؛ على الرئيس سعيد أن يغلق عديد الملفات المفتوحة، وأن يكمل ما شرع في تنفيذه أو أعلن عنه خلال المرحلة الماضية من المنعرج الجديد الذي يقوده حاليا.
من المفترض أنه قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة من مساره؛ على الرئيس سعيد أن يغلق عديد الملفات المفتوحة، وأن يكمل ما شرع في تنفيذه أو أعلن عنه خلال المرحلة الماضية من المنعرج الجديد الذي يقوده حاليا

عليه أولا أن يحدد مصير البرلمان المعلق، هذا البرلمان المغلقة أبوابه، والمشردون نوابه الذين لا يحق لهم حتى العلاج في مؤسسات القطاع العام، والمجمدة أجورهم، والممنوعون من السفر، والمطعون في أعراضهم ووطنيتهم وأخلاقهم. حتى مبنى البرلمان، الذي يعتبر الثاني من نوعه في العالم بعد بناء مبنى البرلمان البريطاني، أصبح عرضة للتآكل بسبب الغلق المستمر، إلى جانب المتحف الغارق بدوره في سبات عميق بسبب الأزمة السياسية الراهنة.

لم يتخذ الرئيس قراره النهائي في شأن هذا الملف؛ هل يعلن عن حل البرلمان نهائيا، وبالتالي يصبح مطالبا بالإعلان عن تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وهو قرار لا يريد الرئيس اتخاذه الآن ما لم يصدر قانون انتخابي جديد يسمح بتغيير عميق للخارطة السياسية في البلد؟

عليه ثانيا أن يتخلص من حركة النهضة بدرجة أساسية، قبل أن يتفرغ لبقية الأحزاب السياسية. إذ بعد تجميد البرلمان وسحب البساط من تحت أقدام الغنوشي، بقي الرئيس يبحث عن الصيغة القانونية التي تمكنه من التخلص نهائيا من هذه الحركة ذات الوزن الكبير، ووجد أن أفضل حل لذلك هو الاعتماد على التمويل الذي قدمته الحركة لإحدى المؤسسات الأمريكية المختصة في صناعة اللوبينغ، والتي تم الاتفاق معها أو مع من يمثلها داخل الولايات المتحدة من أجل تقديم خدمات لها بما في ذلك تحسين صورتها.
عليه ثانيا أن يتخلص من حركة النهضة بدرجة أساسية، قبل أن يتفرغ لبقية الأحزاب السياسية. إذ بعد تجميد البرلمان وسحب البساط من تحت أقدام الغنوشي، بقي الرئيس يبحث عن الصيغة القانونية التي تمكنه من التخلص نهائيا من هذه الحركة ذات الوزن الكبير

هذه الوثيقة موجودة، ولا يمكن التشكيك فيها لأنها منشورة في موقع وزارة العدل الأمريكية، ووردت في تقرير محكمة المحاسبات، لكن هناك صعوبات عديدة لا يستطيع الرئيس التغلب عليها بمجرد توجيه التهمة للحركة.. كيف يتم إثبات أن المال المدفوع لهذه المؤسسة الأمريكية صدر من داخل تونس وقام به أشخاص مكلفون من قبل النهضة؟ وما علاقة هذا العقد الذي أبرم في أمريكا بالانتخابات التشريعية التي تمت في تونس خلال انتخابات 2019؟ ينص هذا العقد على أموال سلمت لهذه الشركة الأمريكية للقيام بخدمات لصالح النهضة داخل أمريكا، بينما القانون الانتخابي الذي استندت عليه محكمة المحاسبات يتحدث عن أموال تم تحويلها من خارج تونس نحو مرشحين للانتخابات في الداخل، وأن هذا التمويل تمتعت به قائمات النهضة وأثر على نتائج الانتخابات. وهو شرط ضروري لإسقاط هذه القائمات، والتأسيس لأحكام جزائية تصل إلى مستوى حل الحزب وسجن قادته، وهي فرضيات غير متوفرة الأركان حتى الآن.

وفي حال أن قرر رئيس الجمهورية فتح باب التتبع القضائي ضد حركة النهضة وقادتها، فإن هذه القضية مرشحة لكي تطول من حيث الزمن، وهو ما من شأنه أن يحول دون تغيير المشهد من طرف واحد وفي وقت وجيز مثلما يريد رئيس الجمهورية. كما أن تقرير المحاسبات المشار إليه تضمن أيضا بعض المعطيات التي تتعلق بتمويل مجهول المصدر لمواقع داعمة لحملة قيس سعيد الرئاسية والتي طالب التقرير بالتحقيق في شأنها، وهي مسألة ستثيرها حتما حركة النهضة أثناء الدفاع عن نفسها.

وثالثا، حتى يتمكن الرئيس سعيد من قلب الطاولة لصالحه، عليه أن يتحكم في القضاء من خلال حل المجلس الأعلى للقضاء والمجيء بقضاة موالين له، مع تغيير قانونه الأساسي أو الداخلي. وهو أمر ليس سهلا، ولن يمر بدون مقاومة من قبل القضاة أنفسهم؛ الذين يتمتعون حاليا بدعم قوي من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
سعيد لو فعل ذلك دون مراعاة الجوانب الإجرائية والمؤسساتية، فإنه سيثبت "تهمة الانقلاب" الموجهة إليه من خصومه، وسيعزز بذلك حالة العزلة التي يواجهها حاليا في الداخل والخارج، وبالتالي ستجد تونس نفسها في وضع غير مسبوق اقتصاديا وسياسيا

قد يقول قائل بأن شعبية الرئيس سعيد، والمساندة القوية التي يتمتع بها حاليا من قبل المؤسستين العسكرية والأمنية، تسمح له بتجاوز كل هذه العقبات، وإكمال مشواره إلى الآخر من خلال إصدار جملة من المراسيم الرئاسية، وبالتالي فرض واقع جديد لا يستطيع خصومه التصدي له في الظرف الراهن.

يقول الخبراء والعارفون بعالم القوانين والسياسة إن سعيد لو فعل ذلك دون مراعاة الجوانب الإجرائية والمؤسساتية، فإنه سيثبت "تهمة الانقلاب" الموجهة إليه من خصومه، وسيعزز بذلك حالة العزلة التي يواجهها حاليا في الداخل والخارج، وبالتالي ستجد تونس نفسها في وضع غير مسبوق اقتصاديا وسياسيا، لأن المغامرة التي ستدخلها البلاد ستكون مجهولة العواقب، وأن التداعيات ستفضي إلى انهيار عديد المؤسسات، وتحويل البلد إلى فضاء يسير بلا قوانين أو ضوابط يتقيد بها الجميع.. عندها تكون الديمقراطية قد أجهضت رغم تأكيد الرئيس على تمسكه بالديمقراطية والحريات.