مقابلات

"عربي21" تحاور وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام (ج1)

سعيد يريد يقتدي بأفعال القذافي عبر التحيل والخداع- فيسبوك

- إجماع على رفض مشروع سعيد "الخيالي" المشابه لما كان يفعل القذافي

 

- الأطراف السياسية استهانت بسعيد وظنت أنه لن يتجرأ على الدستور

 

- كان على المشيشي رفض الإجراءات الانقلابية على غرار موقف حمدوك في السودان

- حراك مواطنون ضد الانقلاب يمهد لتشكيل جبهة سياسية عريضة

 

- الجميع يقفز من قارب الانقلاب لإدراكهم بأن سعيد لا يملك مشروعا سوى الانفراد بالحكم

 

- الانقلاب معزول وفاقد لشعبيته ولا يحظى بدعم من القوى السياسية الوطنية

 

أكد وزير الخارجية التونسية الأسبق و القيادي بحركة النهضة رفيق عبد السلام في مقابلة خاصة، تنشر "عربي21" الجزء الأول منها، أن الأشهر الخمس التي تلت الانقلاب قد وفرت فرصة للتونسيين لاختبار وعود قيس سعيد وتمحيص شعاراته ليتبين للجميع أنها مجرد بيع أوهام لا غير.

وأضاف عبد السلام أن كل المؤشرات تبين أن الانقلاب فقد الكثير من قاعدته الشعبية ولم يعد يحظى بدعم من القوى السياسية الوطنية، وهو يمعن السير في خط العزلة موضحا أن نوايا سعيد كانت واضحة من خلال زياراته المتكررة للثكنات العسكرية وخطبه المسيسة أمام قيادات الجيش، ولكن الاطراف السياسية استهانت بخطورته وقتئذ، لأنها كانت تظن انه لن يتجرأ على الدستور.

وأوضح وزير الخارجية التونسي أن تحركات مبادرة مواطنون ضد الانقلاب تلقى قبولا متزايدا في أوساط النخبة وهي تمهد لتشكيل جبهة سياسية عريضة تضم مختلف القوى الرافضة للانقلاب، ومنها لحراك شعبي واسع وموحد.

وفيما يلي نص الجزء الأول من المقابلة الخاصة:

 


كيف تقيم  إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 تموز/يوليو  عقب مرور 5 أشهر ؟

وهل نجح سعيد في تركيز أركان حكمه؟

 

-هذه الفترة القصيرة نسبيا من عمر الانقلاب وفرت فرصة للتونسيين لاختبار وعود قيس سعيد وتمحيص شعاراته، وقد تبين للجميع الآن أنها مجرد بيع أوهام لا غير.


كان قيس سعيد يمني التونسيين بأن التضحية بالديمقراطية والدستور ستجلب لهم الرخاء العميم، فإذا بهم يفقدون الحرية والتنمية على السواء.


البلد كان يعاني صعوبات مالية واقتصادية قابلة للحل بينما الان هو مهدد بالإفلاس الى جانب الازمة السياسية الخانقة والعزلة الدولية.


-حكم قيس سعيد الآن هو حكم الأمر الواقع.. وهو فاقد للشرعية والمشروعية في أعين أغلبية القوى السياسية والاجتماعية، فالسلّم الديمقراطي الذي صعد عبره قام بكسره لاحقا، والدستور الذي سمح له بالجلوس على كرسي الحكم في قرطاج قام بإلغائه نهائيا، عبر المرسوم 117 وبالتالي وضع نفسه خارج الدستور والشرعية.

باعتقادك.. من هي الأطراف التي تدعم الرئيس قيس سعيد في الداخل، وهل ستستمر في ذلك؟


-الساحة السياسية انقسمت في البداية بين رافض للانقلاب  منذ البداية وهي احزاب الأغلبية البرلمانية، وبعض الشخصيات الوطنية الوازنة مثل السيد نجيب الشابي ورضا بلحاج وصافي سعيد  وبين من اعتبره مسارا تصحيحيا، ولكن بعد خطابه في سيدي بوزيد يوم 20 أيلول/ سبتمبر تبين للجميع أن الرجل يتجه الى الغاء الدستور بعدما اتبع منهج المخاتلة في البداية بادعاء تفعيل الفصل ثمانين من الدستور، ومن ثم ضاقت مساحة الدعم لقيس سعيد، والآن لا يوجد من يدافع  عن الانقلاب غير حركة الشعب المعروفة بانحيازها لكل الانقلابات في المنطقة وبعض تنسيقيات سعيد لا غير، ولا توجد أي قوى سياسية وازنة مصطفة مع سعيد  .


-كل المؤشرات تبين الآن أن الانقلاب فقد الكثير من قاعدته الشعبية ولم يعد يحظى بدعم من القوى السياسية الوطنية، وهو يمعن السير في خط العزلة.

هناك أطراف داخلية (أحزاب، منظمات، مجتمع مدني وإعلام) قالت كلمتها منذ البداية بأن ما حصل هو انقلاب، لكن هناك أطراف أخرى تماهت مع مشروع الرئيس ومن ثم انقلبت على موقفها.. كيف تقيم ذلك؟

 

هناك من غير موقفه لاعتبارات انتهازية وغير أخلاقية بعدما أفتى لقيس سعيد بالتحيل على الدستور بزعم تفعيل الفصل ثمانين من الدستور،  لأنه كان ينتظر  من منه أن يخوض حربا بالوكالة نيابة عنه في مواجهة النهضة ، ولكنهم حينما لم يجدوا ما تمنوه انقلبوا عليه.

 

وهناك من أخذ  مسافة من الانقلاب لأن قيس يصر على إدارة  الشأن السياسي بانفراد مطلق ولم يقبل تشريك احد معه سواء من الأحزاب أو من المنظمات.

وهناك صنف ثالث تصور أن قيس سعيد يمثل  قوة إصلاح ولكن حينما صمم الرجل على الغاء الدستور  استبانت له النوايا الخفية لمشروعه "الإفسادي".

المهم.. أصبح الجميع يقفز الآن من قارب الانقلاب، لإدراكهم بأن قيس لا مشروع له غير الانفراد بالحكم، وأنه سيأخذهم معه الى الغرق في حال التمادي في دعمه.


هناك حراك مجتمعي يقوده بعض الشخصيات والأكاديميين، لكن تحركاتهم في إطار مواطنون ضد الانقلاب لا تلقى تأثيرا كبيرا في الساحة السياسية.. برأيك لماذا؟

 
بالعكس هذه التحركات تلقى قبولا متزايدا في أوساط النخبة، ووفرت فرصة لمزيد التقارب والتكاتف بين مختلف القوى السياسية الرافضة للانقلاب، حيث تحول مقر الاضراب مزارا للكثير من القوى السياسية ولمختلف الشخصيات السياسية وساحة لإدارة حلقات نقاش وحوارات معمقة حول الخيارات السياسية المستقبلية، بما يمهد فعلا لتشكيل جبهة سياسية عريضة تضم مختلف القوى الرافضة للانقلاب، ثم ترجمة ذلك في حراك شعبي واسع وموحد.

قبل قرابة الثلاثة أشهر عن 25 تموز/يوليو، نشر الصحفي البريطاني ديفيد هيرست وثيقة ومقالا يتحدث عن محاولة انقلابية في تونس، وهو ما حدث بالفعل لاحقا.. كيف نجح سعيد في تحقيق غايته بعد ذلك؟

نجح قيس سعيد في تحقيق غايته بسبب استغلاله للصعوبات الاقتصادية والصحية التي كانت تمر بها البلاد، مع أجواء الشحن الاعلامي الذي كانت تغذيه أموال الخليج، ثم حالة الضعف والتراخي من جهة رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي بقي في حالة تردد في اعتماد التحوير الوزاري بعد مصادقة البرلمان، ثم ملازمته الصمت بعدما انقلب عليه قيس سعيد، بدل مخاطبة التونسيين ورفض الاجراءات الانقلابية على غرار ما فعل حمدوك في السودان مثلا.


الذهاب لقصر قرطاج لحضور اجتماع مجلس أمن مريب ليلة 25 تموز/ يوليو كان خطأ قاتلا من طرف هشام المشيشي، ثم اللوذ بالصمت فيما بعد كان خطأ آخر في الوقت الذي كان يتمتع المشيشي بصلاحيات دستورية تفوق صلاحيات قيس سعيد المنقلب عليه.

وفي نفس السياق. لماذا استهانت القوى السياسية الحاكمة بالرئيس سعيد وهل مهدت لاستيلائه على السلطة؟

 

كنت شخصيا نبهت  منذ ما يزيد عن سنة من خطورة الرجل وما يبيته من شر بالتجربة الديمقراطية، وقد بدا ذلك واضحا من خلال زياراته المتكررة للثكنات العسكرية وخطبه المسيسة أمام قيادات الجيش ثم تنصيب نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية، وتهديده مرات كثيرة  قبل ذلك باستخدام الفصل ثمانين من الدستور بقراءته الخاصة طبعا، ولكن استهانت الاطراف السياسية بقيس سعيد لأنها كانت تظن انه لن يتجرأ في نهاية المطاف  على الخروج على الدستور بتلك الصورة الفجة وان المؤسسات الصلبة للحكم لن تسمح له بالذهاب بعيدا الى حد الانقلاب.


لكن تأكد الجميع فيما بعد أن قيس سعيد رجل مغامر ومهووس بالسلطة وهو مستعد لفعل كل شيء من أجل الانفراد بالحكم.

هل ساهمت إقالة رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ ومن بعدها تعيين رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في بلوغ الرئيس سعيد لهدفه؟


الحقيقة أن الانقلاب كان مسألة وقت لا غير، لأن اختيار حكومة الفخاخ هو اصلا يدخل ضمن المشروع الانقلابي التدريجي، اذ أصر قيس سعيد منذ البداية وخارج التقاليد السياسية المعمول بها  منذ الثورة على اختيار  شخصية خارج مقترحات  الأحزاب ومن دون التشاور معها أصلا،  وعين له أغلبية وزرائه، وترك بعض المقاعد الشاغرة للأحزاب، وكان يراهن من البداية على رفض أحزاب الأغلبية رفض تزكية  الفخاخ ليتخذ ذلك ذريعة لحل البرلمان منذ البداية  وتنصيب حكومته بصورة كاملة، وحينما اتجه البرلمان الى إقالة الفخاخ قام قيس سعيد بخطوة استباقية بإقالته حتى لا يعود التكليف للبرلمان.

 

الخلاصة هنا أن قيس سعيد كان سينفذ انقلابه في كل الأحوال، وظل يتحين الفرص لذلك لا غير.

عديد الشخصيات والمثقفين التونسيين حذرت من مشروع الرئيس سعيد على مدى سنتين، لكن لم يتم الاستماع لهم.

فهل ارتكبت الأطراف السياسية في تونس خطئها الأخير في حال تنفيذ سعيد لمشروعه المعادي الأحزاب؟

 
الحقيقة أن خيارات الأحزاب كانت محدودة ولم يكن أمامها الا دعم قيس سعيد لان منافسه تشكلت حوله صور سلبية بحق أو بباطل، ولم يكن قادرا على الفوز في كل الأحوال، لأن قطاعات واسعة من الشباب والقوى الثورية انجرفت خلف سعيد بظن أنه الرجل النزيه والنظيف الذي سيجدد دماء الثورة التونسية وديمقراطيتها الناشئة.

في الفترة الأخيرة كان هنا تململ في صفوف الشعب على السلطة الحاكمة، وعدم ثقة في الطبقة السياسية وهذا ما سهل اجرءات سعيد (انقلاب).. فهل تعتقد أن مستقبل العمل الحزبي في تونس أصبح بلا تأثير؟

 
الحياة الحزبية تعرضت الى عملية "ترذيل" ممنهجة من طرف رئيس شعبوي وانقلابي لا يؤمن بالأحزاب ولا المنظمات، ويريد أن يحكم بصورة انفرادية، وكذلك من طرف العديد من وسائل الاعلام التي لم تقبل ان تكون حركة النهضة القوة السياسية الاولى في المشهد السياسي.


لكن الحياة الحزبية في تونس عمرها الان يزيد عن قرن وليس عبثا أن يكون الحزب الدستوري بقيادة الشيخ عبد العزيز الثعالبي هو الاب المؤسس للحياة الحزبية والحركة الوطنية التونسية.


نحن لسنا بصدد اكتشاف العجلة لأنه لا بديل عن العمل السياسي المنظم في إطار أحزاب وكيانات سياسية.


لا بديل عن الحزبية الا بمزيد إنضاج الحياة الحزبية وتطويرها، أما ترهات الشعبويات المريضة بوجود سياسة بلا احزاب أو منظمات ك فهي لا تعني شيئا سوى تسليم السياسة برمتها لشخص واحد متفرد.

كيف تقيم نظام الديمقراطية القاعدية التي يطمح سعيد لتنفيذه في تونس، وهل سينجح في ذلك؟

 

 هناك اجماع على رفض هذا التوجه الخيالي لقيس سعيد لان الجميع يدرك أنه مجرد غطاء لتركيز حكم الفرد الذي يزعم بأنه يتحدث بضمير الشعب بتمامه وكماله، مثلما كان يفعل المرحوم القذافي الذي كان يزعم أن الحكم بيد الشعب عبر اللجان الشعبية والثورية والكل يعلم ان السلطة والثروة وكل شيء كان بين يديه والمقربين منه.


وهذا ما يريد أن يفعله قيس سعيد بالضبط بضروب من التحيل والخداع.