سياسة تركية

كيف كانت العلاقات بين أنقرة وواشنطن في العام 2021؟

أجري أول اتصال هاتفي بين الزعيمين في أبريل الماضي- الرئاسة التركية

كانت العلاقات التركية-الأمريكية من المحطات البارزة بالنسبة لأنقرة عام 2021، والتي اتسمت بأنها تأتي في العام الأول من حكم الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وكانت العلاقات التركية-الأمريكية تتسم بالعلاقة الشخصية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السابق دونالد ترامب، رغم التوترات التي تسود بين البلدين.

وانتقلت أزمات عدة بين واشنطن وأنقرة من عام 2020 إلى 2021 وأسهمت في زعزعة العلاقات بشكل كبير، وكان أبرزها استحواذ تركيا على منظومة "أس400" وفرض جزء من عقوبات "كاتسا" الأمريكية وإخراج تركيا من برنامج مقاتلات "أف35"، بالإضافة إلى معضلة الدعم الأمريكي للفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني في شمال شرق سوريا.

وفي عام 2021، وإضافة للأزمات السابقة، فقد أدرج توتر جديد بين البلدين بسبب إقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن.

 

العلاقات بين بايدن وأردوغان


وفي ذات الوقت من العام الماضي، كان التساؤل الأبرز هو: كيف سيقيم أردوغان علاقة عمل مع بايدن بشأن تلك القضايا؟ وكان كذلك أحد أهم الأسئلة على جبهة أنقرة: كيف ستكون سياسة إدارة البيت الأبيض الديمقراطية تجاه تركيا؟

وبعد تنصيب بايدن في 20 كانون الثاني/ يناير 2021، تحولت الأنظار إلى الاتصال الهاتفي الأول بين الزعيمين، والذي تأخر لأشهر عدة رغم اتصالات أجراها الرئيس الأمريكي مع زعماء العديد من الدول، ما أثار تكهنات بأن العلاقات لن تسير على ما يرام.

 

اقرأ أيضا: أردوغان لبايدن: يجب ترك قضية الأرمن للمؤرخين وليس الساسة

وفي 23 نيسان/ أبريل أي بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه، كان الاتصال الأول بين أردوغان وبايدن، ورأى مراقبون أن تأخير الاتصال غير المعتاد كان رسالة إلى أنقرة من واشنطن غير الراضية عن التقارب التركي الروسي واقتناء أنقرة لمنظومة "أس400" الروسية.

وأظهر الاتصال الأول بين الزعيمين قضية جديدة بين البلدين، وذلك بإبلاغ بايدن أردوغان بأنه سيعترف بالإبادة الجماعية للأرمن، وفي اليوم التالي من الاتصال أعلن البيت الأبيض ذلك، فيما استدعت وزارة الخارجية التركية، السفير الأمريكي في أنقرة ديفيد ساترفيلد، لإبلاغه برفض أنقرة الشديد لتصريحات بايدن بهذا الشأن.

وإثر الإعلان، قال أردوغان: "نعتقد أن الوصف الذي استخدمه بايدن جاء نتيجة لضغوط الجماعات الأرمنية المتطرفة والمعادية لتركيا".

وفي انتقاده لخطاب بايدن، أوضح أردوغان: "لقد استخدم عبارات غير محقة لا أساس لها، وتخالف الحقائق بشأن أحداث أليمة، وقعت قبل أكثر من قرن".

ورغم الانتقادات القاسية لبيان بايدن حول "إبادة الأرمن" من أنقرة، فإنها لم تتخذ أي إجراءات أو خطوات للرد، تمهيدا للقاء الذي تم التوافق عليه بين الزعيمين في منتصف حزيران/ يونيو 2021 على هامش قمة الناتو.

وفي إشارة إلى رغبته في فتح صفحة جديدة بين البلدين، قال أردوغان قبيل الاجتماع، إنه سيسأل بايدن عن "سبب التوتر في العلاقات بين البلدين إلى هذا الحد"، معربا عن تطلعه لرؤية نهج غير مشروط من الولايات المتحدة يعزز اتحاد الناتو وتضامنه.

وفي 14 حزيران/ يونيو عقد اللقاء الثنائي الأول بين أردوغان وبايدن، والذي تركز على تولي تركيا مسألة تأمين وتشغيل مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي (النقاش كان قبل سيطرة طالبان على البلاد).

ويتبين أن الجانب التركي، من خلال الملف المتعلق بمطار كابول، يحتل مكانا كبيرا في المحادثات مع الولايات المتحدة، حيث ينظر إلى هذه القضية وكأنها "العصا السحرية" التي من شأنها أن تنقذ الوضع المضطرب بين البلدين، لكن سيطرة طالبان على البلاد مع الانسحاب الأمريكي حال دون استمرار المباحثات بين أنقرة وواشنطن في الملف الأفغاني.

وفي نيويورك، كانت التوقعات تتحدث عن لقاء بين أردوغان وبايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن ذلك لم يحدث، وكان لافتا من الرئيس التركي انزعاجه من ذلك عندما هاجم نظيره الأمريكي في ذلك الوقت.

وفي 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، قال أردوغان للصجفيين في "البيت التركي" في نيويورك: "عملت بشكل جيد مع جورج بوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب، لكن لا أستطيع القول إن بداية عملنا مع جو بايدن كانت جيدة".

وشدد على أنه لا يمكن اعتبار أن هناك عملية صحية في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، وقال: "لقد اشترينا طائرات أف35، ودفعنا مليارا و400 مليون دولار، ولم يتم تسليمنا المقاتلات"، مضيفا أن تركيا تتصرف بصدق تجاه الولايات المتحدة، لكنها "للأسف لم تتصرف كذلك".

 

اقرأ أيضا: أردوغان: العلاقة مع أمريكا غير صحية وبايدن يسلح "إرهابيين"
 

وفي 31 تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، التقى أردوغان بنظيره بايدن في روما، على هامش قمة مجموعة العشرين، وكانت الملفات التي طالت الزعيمين مسألة شراء "أف16" الأمريكية وقضية "أف35"، فيما أعلن الرئيس التركي أنه تم الاتفاق على "تشكيل آلية مشتركة لتعزيز وتطوير العلاقات بين البلدين".

 

وقال أردوغان، إنه بحث مع بايدن، عددا من القضايا بينها توريد مقاتلات "أف16"، وتكثيف التعاون في أفغانستان وسوريا وليبيا وشرق المتوسط والمجال الاقتصادي، لافتا إلى أن اللقاء كان "مثمرا وبناء"، ولم يلحظ أي مقاربة سلبية من الرئيس الأمريكي.

 

وذكرت وسائل إعلام تركية، أن أنقرة قدمت ثلاثة مقترحات إلى واشنطن، وهي: عودة تركيا إلى برنامج المقاتلات "أف35" الذي تم استبعادها منه بإجحاف؛ أو تسليمها 6 مقاتلات "أف35"؛ أو تزويدها بـ"40 مقاتلة "أف16"، وتحديث 80 مقاتلة مقابل مبلغ الـ1.4 مليار دولار الذي دفعته سابقا، فيما تقدر قيمة حزمة المقاتلات "أف16" بـ7 مليارات دولار أمريكي.

 

رسالة تركية إلى الولايات المتحدة.. 3 قضايا شائكة

 

وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ذكر متحدث الرئاسة التركية إبراهيم كالن، أن أنقرة بعثت برسالة إلى واشنطن بشأن إنشاء وتشغيل آلية تتعلق بمعالجة القضايا الخلافية في العلاقات بين البلدين، وبشأن المسائل التي اتفق عليها أردوغان وبايدن.

 

وفي لقاء تقييمي مع وكالة الأناضول، قال كالن إن العلاقات التركية الأمريكية متجذرة ولها تاريخ طويل، وأن البلدين حليفان في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إلا أن تلك العلاقات تنأى من حين لآخر عن روح التحالف بسبب تجاهل واشنطن للمصالح الوطنية التركية.

 

وأوضح أن هناك ثلاث قضايا رئيسية تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية وتضر بها، أولها "قيام الإدارة الأمريكية منذ عهد الرئيس باراك أوباما بدعم التنظيمات الإرهابية مثل "ب ي د" و"ي ب ك"".


وذكر أن القضية الثانية، تتعلق بمنظومة الصواريخ الروسية "أس 400" وعقوبات "كاتسا" المفروضة على تركيا، في إطار قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة، مشيرا أن تركيا واجهت ممارسات غير عادلة وغير قانونية في إخراجها من برنامج الطائرة المقاتلة "إف 35".


والقضية الثالثة، تتعلق بعدم اتخاذ الولايات المتحدة خطوات ملموسة مرضية بشأن تنظيم "غولن"، وهو ما يشكل نقطة خلاف رئيسية في العلاقات بين البلدين، بحسب المتحدث.


ولفت إلى أنه خلال الاجتماع بين الرئيسين في روما تم الاتفاق على إنشاء آلية تعالج جميع القضايا في العلاقات التركية الأمريكية، مشيرا إلى إرسال الخارجية التركية برسالة إلى الجانب الأمريكي تتعلق بكيفية هيكلة هذه الآلية وما القضايا التي سيتم تناولها وكيف سيتم التعامل معها.

 

من جهته قال الباحث في الشؤون الأميركية والشرق أوسطية، جو معكرون: "كانت 2021 عام اختبار للعلاقات الأميركية-التركية، حيث حاولت حكومة أردوغان اختبار إدارة بايدن الجديدة التي سعت إلى إيجاد نمط وسطي بين مقاربة أوباما ومقاربة ترامب حيال تركيا، لكن الملفات نفسها لا تزال عالقة بين الطرفين، لا سيما في سوريا".

وتابع معكرون في حديث لـ"عربي21": "تسعى كل من واشنطن وأنقرة حاليا إلى إيجاد إطار أو آلية حوار لإدارة الخلافات بينهما، لكن من الصعب توقع اختراق كبير لأن مصالح الطرفين متناقضة بشكل جوهري".

وأوضح بأن "هواجس واشنطن حيال تركيا تتمحور بشكل رئيسي حول اقترابها من روسيا وإيران وكسر نمط تحالفها التقليدي مع أميركا، فيما تعتبر أنقرة أن واشنطن لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح تركيا وأمنها القومي من خلال دعم القوات الكردية في سوريا وعدم تسليمها فتح الله غولن واستمرار العقوبات الأميركية المتعلقة بمنظومة إس 400 الروسية التي استلمتها تركيا".

ولفت إلى أنه "يمكن إيجاد حل تقني لقضية طائرات إف 35 ومنظومة إس 400، لكن مجمل الخلافات بين الجانبين قائمة والحل الأمثل إدارتها بشكل أفضل في ظل استحالة معالجتها في المدى المنظور".

 

وخلص بالقول: "تحدي أنقرة أنها لا تتخلى عن المراهنة على تحول في موقف أميركي، وواشنطن لا تزال تراهن على عودة تركيا إلى الحضن الأميركي، لكن على الجانبين تقبل أن هذه السياسات لن تتغير في المدى المنظور وعليهما إيجاد أمثل طريقة للتعايش مع هذا الواقع".

 

إدارة منضبطة للأزمات بطابع مؤسساتي

 

الكاتب التركي سيدات أرغين، رأى في تقرير على صحيفة "حرييت"، أن الجانبين يبذلان جهدا في إدارة الخلافات بينهما، من خلال عمل مؤسساتي متبادل وبقنوات مختلفة.

 

وتابع، بأنه مؤخرا كان هناك نشاط على صعيد المفاوضات بشأن العديد من المناطق، مثل ليبيا والقوقاز وسوريا وأوكرانيا، بعيدا عن الأزمات المندلعة بين البلدين.

 

وأضاف أن القضايا الشائكة مثل "أس400"، وملف "أف35"، والتحالف العسكري الأمريكي مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، والرعاية الأمريكية المقدمة لفتح الله غولن، باتت دون حل طوال عام 2021.

 

وأشار إلى أن شراء المقاتلات "أف16" وتحديث المقاتلات الموجودة والتي تم جلبها على جدول الأعمال في اجتماع روما بين بايدن وأردوغان، تعد من أهم المسائل بين البلدين في عام 2022، وفي كيفية التعامل معها من الكونغرس الأمريكي.

 

اقرأ أيضا: أردوغان يتفاوض مع بايدن لتوريد مقاتلات "إف 16" وقضايا أخرى
 

ولفت إلى أن إدارة بايدن، رغم المشاكل القائمة تحاول إدارة العلاقات مع تركيا في إطار منضبط دون التعرض للمزيد من الضرر، وفي الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر بين روسيا وأوكرانيا، تسعى الولايات المتحدة لأن تبقي تركيا حليفتها في الناتو إلى جانبها.

 

الخبير التركي المختص بالشؤون الخارجية، علي أتشينار، ذكر في تقييمه على قناة "خبر ترك"، أنه لم يتم إحراز أي تقدم إيجابي بأي قضية بين أردوغان وبايدن، لافتا إلى أن كثافة المحادثات التي أجريت على مستوى وزراء الخارجية تظهر أن التواصل يتم بشكل مؤسساتي من خلال القنوات الدبلوماسية.

 

وتابع بأن المحادثة الأولى بين أردوغان وبايدن في نيسان/ أبريل الماضي، تبين أن الهدف منها هو إبلاغ الرئيس الأمريكي نظيره التركي برغبته في الاعتراف بما يسمى "إبادة الأرمن"، وهي المرة الأولى التي يقر فيها رئيس أمريكي بذلك، بخلاف إشارة رونالد ريغان في خطابه الذي ألقاه عام 1981.

 

ورأى الخبير التركي، أن بايدن سينشر بيان الاعتراف بـ"إبادة الأرمن" في 24 نيسان/ أبريل من كل عام ما بقي في منصبه.

 

ولفت إلى أن عام 2021 لم يشهد أي تقارب في إطار الحلول في القضايا العالقة بين البلدين، وهناك أزمة ثقة خطيرة في العلاقات التركية-الأمريكية، متوقعا أن العلاقات بين البلدين في عام 2022 ستتراوح ما بين صعود وهبوط.

 

الباحث في مؤسسة دراسات دول الخليج في واشنطن، أوميد شكري، رأى أنه لا يمكن اتخاذ أي حل فيما يتعلق بأي من القضايا الشائكة بين البلدين، لافتا إلى أن هناك مشكلة خطيرة تتعلق بالثقة في العلاقات التركية الأمريكية.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أنه يمكن القول إن عام 2021 لم يكن عاما جيدا من حيث العلاقات الثنائية بشكل عام.

 

ما المتوقع في عام 2022؟

 

الخبير التركي أتشينار، توقع أن يبرز التعاون العسكري التركي-الأمريكي في عام 2022، لافتا إلى الطلب التركي بشأن "أف16".

 

وتوقع أن يزداد حجم التجارة بين البلدين في عام 2022، لافتا إلى الهدف التركي برفع التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، إلى مستوى الـ100 مليار دولار.

 

وحول الملف السوري، أشار أتشينار إلى أن ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2022 توفر 177 مليون دولار مساعدات تدريبية لوحدات حماية الشعب الكردية، وعليه فإن إدارة بايدن ستواصل دعم الفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني.

 

بدوره قال الباحث الأمريكي، إن العلاقات التركية الأمريكية ستستمر مع العديد من التقلبات في عام 2022 لاسيما في القضايا الشائكة مثل "أس400" ولدعم الامريكي لوحدات حماية الشعب الكردية، وقضية "غولن" والتي تحول دون عودة العلاقات إلى مسارها الصحيح.

 

ولفت لـ"عربي21" إلى أن بايدن وإدارته تتجنب الاتصال بأردوغان، باستئناء الجزئيات الإلزامية من العلاقات، وليس لديهم رغبة بالتواصل، مشيرا إلى أن أهم المواضيع البارزة في عام 2022 هو التعاون العسكري التركي الأمريكي.

 

وأوضح أن أنقرة لديها مطالب بشأن شراء وتحديث المقاتلات "أف16" الأمريكية، كما أنه من المتوقع أن تزداد حجم التجارة بين البلدين في عام 2022.

 

وأضاف أ قضية أخرى ستكون على جدول الأعمال في 2022، وهو الاقتراح التركي لحل أزمة "أف35".

 

ولفت الخبير الأمريكي، إلى أن هناك ردود فعل جادة ضد تركيا في الكونغرس الأمريكي، ولذلك من الصعب جدا أن تمر عملية البيع من هناك، ومن غير المتوقع أن تصل المحادثات الفنية حول F-16 إلى مرحلة متقدمة قبل صيف عام 2022. 

 

وأشار إلى أن من أبرز القضايا التي قد تتسبب في استمرار التوتر في العلاقات بين البلدين، قضية بيع الولايات المتحدة مقاتلات "أف35" لليونان، كما أن أنقرة تراقب عن كثب زيادة وجود القوات العسكرية الأمريكية في اليونان بالإضافة لعدد القواعد العسكرية هناك.

 

ورأى في الوقت ذاته، أن التعاون بين البلدين في البعد العسكري وبيع الأسلحة العسكرية الأمريكية إلى تركيا وتصدير الغاز الطبيعي المسال الأمريكي إلى تركيا سيؤدي إلى زيادة حجم التجارة بين البلدين، ويمكن أن يساعد هذا التعاون في إدارة بعض المشاكل في العلاقات الثنائية.