صحافة إسرائيلية

خبير إسرائيلي: القضاء أداة بيد الأمن.. برر صفقات مشبوهة

أوضح الخبير أنه "في السنوات الأخيرة وافق القضاة وبرروا قرارات وزارة الأمن وجهاز الموساد"- جيتي

عبّر صحفي وخبير إسرائيلي بارز، عن إحباطه الشديد من أداء الأمن والقضاء الإسرائيلي، محذرا من أن الوضع في تل أبيب آخذ في التدهور بسرعة.


وأوضح يوسي ميلمان، المعلق الإسرائيلي الخبير بالشؤون الأمنية والاستخباراتية، في تقرير له بصحيفة "هآرتس"، أنه قبل نحو 4 سنوات ونصف، كشف عن "سلوك غير قانوني لشركة "إيروناوتكس" وعدد من الشخصيات الرئيسية فيها؛ وهي شركة طائرات بدون طيار، حيث قامت الشركة بعملية تصدير أمني تتجاوز القانون".

تخويف وفساد


وذكر أنه بعد نشر التقرير، "اضطر نير بن موشه، المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن، وشرطة إسرائيل إلى فتح تحقيق، لكنهم فعلوا هذا بعدم رغبة"، منوها أن "الشركة التي تأسست قبل نحو ربع قرن، ارتبط اسمها بصفقات سلاح إشكالية بمئات ملايين الدولارات في نيجيريا والهند والتي وصل صداها إلى المحاكم، إلا أنها بقيت دائما حبيبة جهاز الأمن الإسرائيلي ومن تخرجوا منه مثل؛ عمري شارون وايتي اشكنازي (ابن غابي اشكنازي) ورئيس الشباك السابق يعقوب بيري، ومن بين الرؤساء فيها كان قائد سلاح الجو السابق ايتان بن الياهو وقائد سلاح البحرية السابق يديديا يعاري".

ولفت إلى جهاز شرطة الاحتلال والجهاز الأمني، فور نشر التقرير عام 2017، سارعوا إلى الطلب من محكمة الصلح بمنع النشر عن الموضوع، استجاب القاضيان عميت مخلس ودان افنون بإرادتهما للطلب وأمرا بإصدار أمر منع النشر، وبعدها تم رفض الالتماس الذي قدمته لإلغاء الأمر.

ونبه ميلمان، أن "أمر المنع كان شاملا جدا، حتى أنه منع نشر ما نشرته في السابق، رغم أنه يمكن حتى الآن إيجاد المعلومات واسم الدولة التي وقعت فيها الحادثة، ورغم ذلك، كان القضاة على استعداد للعمل كإضافات في هذا المسرح اللامعقول الذي يوجهه جهاز الأمن، وهذه ليست المرة الأولى"، لافتا أنه "ساهم في تخويف القضاة، أيضا حقيقة أن الموساد تدخل في القضية وقدم رأيه، وهذا الرأي حذر من أن أي نشر سيضر بالمصالح الأمنية الإسرائيلية".

 

اقرأ أيضا: قلق إسرائيلي من خسارة "الجبهة الدبلوماسية" بالأمم المتحدة

وتابع: "إذا لم يكن هذا كافيا، وزير الدفاع في تلك الدولة، التي تعتبر الذخر الاستراتيجي الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل، زار في حينه البلاد وحذر من أن التعاون الاستخباري – العسكري والأمني معها سيتضرر إذا استمر النشر، ووسائل الإعلام في تلك الدولة، التي يترأسها ديكتاتور فاسد، قامت بشتمي ووصفتني بأنني عميل".

وبعد كل هذه المدة من نشر التقرير، "قدمت النيابة الإسرائيلية قبل بضعة أيام لوائح اتهام ضد "إيروناوتكس" الإسرائيلية وثلاث شخصيات رفيعة فيها، وبهذا صادقت على صحة التقرير الأصلي الذي نشرته في آب/أغسطس 2017، ومع كل الرضى أنني ساعدت في مكافحة الفساد، لدي خيبة أمل تزداد من سلوك أجهزة الأمن والقضاء في إسرائيل".

طواحين الهواء


وقال: "أنا صحفي منذ 47 سنة؛ منها 38 سنة مختصا في تغطية شؤون الاستخبارات والأمن. وفي جزء كبير من هذه الفترة عملت إلى جانب الكتابة في المجال القانوني، وها أنا في أواخر سنوات حياتي، أدرك أن الوضع آخذ في التدهور، وجهاز المناعة للقضاة وقدرته على مواجهة جهاز الأمن آخذة في الضعف".

وتابع: "مثلت أمام قضاة ليبراليين ومحافظين في كل ما يتعلق بشؤون الأمن، لا يوجد بينهم أي فروقات، جميعهم يصمتون عند سماع كلمة "أمن"، وجميعهم قضاة لجهاز الأمن، هم مستعدون لتطهير جهاز الأمن من أي ظلم يرتكبه وسرعة وبدون نقاش معمق، ومن خلال إظهار مزاج قضائي مستخف ومتغطرس".

وبين الخبير الأمني، أنه "في السنوات الأخيرة، وافق القضاة وبرروا قرارات وزارة الأمن وجهاز "الموساد" بتسليح زعماء يخرقون حقوق الإنسان وديكتاتوريات في دول مثل؛ أذربيجان والفلبين وبورما وجنوب السودان والسعودية، ومنع نشر وثائق من أرشيف الدولة عن مذابح واغتصاب وطرد وقتل أسرى في الحروب، أو عن عمليات استخبارية شارك فيها تجار مخدرات، وبالطبع كل ذلك تم باسم الأمن، ولكن في الحقيقة، هذا الاسم يتم حمله عبثا للتغطية على إخفاقات أو إخفاء أفعال غير قانونية يخجلون منها".

وأوضح أن مفهوم "الدولة العميقة"، أي "الدولة المخبأة تحت الأرض، هو مفهوم من مجال العلوم السياسية، يصف وضعا فيه مجموعة سرية تتكون من شبكات خفية للقوى، تعمل بصورة مستقلة خارج القيادة السياسية المنتخبة في الدولة وتحاول الدفع قدما بأجندتها وتحقيق أهدافها".

وأشار ميلمان، إلى أن "هذا المفهوم برز وحصل على الشرعية في عهد ولاية دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي السابق)، في أوساط اليمين المتطرف هناك وفي إسرائيل أيضا بدأوا في استخدامه، والنشر عن طريقه لنظريات تآمرية مدحوضة لضرب دوائر اليسار والليبرالية وإضعاف القضاء والإعلام والمس بالديمقراطية".

ورأى أن "هذا المفهوم يناسب جهاز الأمن الإسرائيلي، الذي يعمل مثل دولة داخل دولة، ويعمل كل ما يخطر بباله بدون رقابة برلمانية ناجعة، وبتعاون وثيق ودعم من جهاز القضاء، مثل حركة الكماشة المندمجة، وهذه تنهك القلائل الذين ما زالوا مستعدين للنضال من أجل العدالة وحقوق الإنسان وضد المظالم".

وفي نهاية مقاله بعنوان "38 سنة وأنا أغطي الاستخبارات والأمن، لقد خارت قوتي"، قال الخبير: "أشعر بأن قوتي أنهكت وأنني أحارب ضد طواحين الهواء، لقد نفدت شهيتي للعودة وتقديم النماسات في المحاكم، ربما سأحاول مرة أخرى".