سياسة عربية

هل يجرد "مجلس الأمن القومي" بالأردن الحكومة من صلاحياتها؟

الملك عبد الله الثاني- الديوان الملكي

أقر مجلس النواب الأردني الخميس 30 تعديلا دستوريا أثارت جدلا كبيرا أبرزها مناقشة المادة (28)، من مشروع تعديل الدستور الأردني لعام 2021، التي تعنى بإنشاء مجلس للأمن القومي.

وأوكلت التعديلات الجديدة للمجلس مهام "الشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، ويجتمع عند الضرورة بدعوة من الملك وبحضوره أو حضور من يفوضه، وتكون قرارات المجلس واجبة النفاذ حال مصادقة الملك عليها."

جدل حول المجلس ومهامه

وخلف إنشاء مجلس الأمن القومي جدلا كبيرا بين سياسيين وقانونيين ونواب حول مهام المجلس، إذ اعتبره مؤيدو التعديل "صمام أمان ضد أي تقلبات سياسية للحكومات البرلمانية في المستقبل"، بينما رأى طرف آخر أن المجلس "تغول على السلطة التنفيذية وسحب صلاحيات الحكومات المقبلة".

وحسب أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية، الدكتور ليث نصراوين، فإن "مجلس الأمن القومي يعزز الولاية العامة للحكومة ولا ينافسها كونه أصبح دائرة حكومية، مما يعزز من أن الحكومة هي صاحبة الولاية العامة وأن من أحد مظاهر الولاية العامة أنها أنشأت مجلسا خاصا لاستكمال صلاحياتها في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية".

وقال نصراوين لـ"عربي21"، "مجلس النواب أجرى تعديلات على التعديل المقترح من الحكومة، وكان مسمى المجلس حسب رؤية الحكومة المجلس الوطني للأمن والسياسة الخارجية، والحكومة اقترحت أن الملك هو من يترأس المجلس، لكن النواب حولوا المجلس لهيئة تكون برئاسة رئيس الوزراء، بالتالي أصبح دائرة حكومية".

وتابع: "حسب التعديل الدستوري، سيصدر نظام يحدد مهام المجلس وآلية انعقاده، بالنظر لمن يحق له الحضور لهم صفة تنفيذية، سيراقب عليها مجلس النواب، لن يختلف الوضع بالرقابة الدستورية".

وحسب التعديل الدستوري "ينشأ مجلس الأمن القومي ويتألف من رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الخارجية، وزير الداخلية، قائد الجيش، مدير المخابرات، مدير الأمن العام، وعضوين يعينهما الملك وفقا لأحكام الفقرة (2) من المادة (40) من هذا الدستور".

وتنص المادة أيضا على أنه "يختص المجلس بالشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، ويجتمع عند الضرورة بدعوة من الملك وبحضوره أو حضور من يفوضه، وتكون قرارات المجلس واجبة النفاذ حال مصادقة الملك عليها".

كذلك "تنظم شؤون المجلس بموجب نظام يصدر لهذه الغاية".

وكانت الحكومة الأردنية أضافت نصوصاً جديدة على توصيات اللجنة الملكية للإصلاح السياسي التي شكلها الملك عبد الله الثاني، واللجنة الملكية أرسلت 22 تعديلا دستوريا لكن الحكومة أضافت 8 تعديلات أثارت الجدل لتصل إلى 30 تعديلا.

 كما وسعت التعديلات المقترحة صلاحيات الملك المنفردة في تعيين وإنهاء خدمات وقبول استقالة كل من: مدير الأمن العام، وقاضي القضاة، ورئيس المجلس القضائي الشرعي، والمفتي العام، ورئيس الديوان الملكي، ووزير البلاط الملكي، ومستشاري الملك، وعضوي مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية.

تخوفات

هذا الأمر دفع العديد من السياسيين والنواب، والمحللين، للتساؤل، حول شكل الحكومات البرلمانية الموعودة والمهام التي ستضطلع بها في ظل سحب العديد من صلاحياتها.

القاضي المتقاعد لؤي عبيدات، انتقد التعديلات الدستورية، واعتبر في حديث لـ"عربي21" ما يجري "تحطيبا للمبادئ الدستورية".

وتساءل: "عندما نريد تعيين حكومة هل نعينها للهو؟ الحكومات هي تعبير عن سياسات من خلال البرامج، وإذا لم تشتغل الحكومات في السياسة فبماذا ستشتغل، حينما نرفع يدها عن القرار العسكري والأمني والسياسة الخارجية".

وتابع: "منذ أن وضع دستور 1952 أصبح هنالك ورشة تحطيب وتقزيم للبنى الدستورية وإفراغ فكرة النظام البرلماني الملكي من محتواه، ثم أخرجت للملأ في 2014-2016 عندما جردت الحكومة من دورها في تعيين قادة الأجهزة الأمنية ومسؤولين، ثم جاءت التعديلات الأخيرة بتشكيل هذا المجلس لتجريد الحكومة من دورها الأمني والعسكري والشؤون الخارجية، الكارثة الكبرى نجد وقفا للتعديل أن شؤون هذا المجلس تنظم حسب نظام خاص وهذا خلل دستوري بين، السلطات والهيئات الدستورية تمارس مهامها حسب بنود الدستور".

رئيس مجلس النواب الأردني عبد الكريم الدغمي، قال خلال الجلسة النيابية إن "أعمال مجلس الأمن القومي ستكون خاضعة لرقابة مجلس النواب".

وأضاف أن "المجلس يخضع لرقابة مجلس النواب بشكل كامل بما أنه يعمل تحت ذراع السلطة التنفيذية".

برلمان حزبي منزوع الصلاحيات

بدوره يرى النائب ينال فريحات أن "اللجنة الملكية والحكومة واللجنة القانونية في مجلس النواب خالفت الأوراق النقاشية الملكية في مفهوم الحكومات البرلمانية، هذا التعديل بإنشاء مجلس الأمن القومي سيخرج الدستور الأردني من العائلات الدستورية الديمقراطية وسيؤدي إلى تغيير شكل نظام الحكم في الأردن ولن يبقى شيء من الملكية الدستورية وعمادها المادة الأولى من الدستور أن نظام الحكم نيابي ملكي وراثي".

 

وتابع: "لم يتبق للركن الأول النيابي شيء، القاعدة الدستورية العالمية تقول تلازم السلطة والمحاسبة، هذا التعديل تعارض مع المادة التي تقول إن الملك مصان من كل تبعة ومسؤولية، لا نطالب بتقليص صلاحيات الملك بل حمايته، فكيف سيخضع هذا المجلس لرقابة الملك، ما فائدة البرلمان الحزبي إذا كان منزوع الصلاحيات مصطلح التجاذبات السياسية شماعة لإقصاء الديمقراطية الحقيقية".

صمام أمان

التعديل وجد ترحيبا في أوساط سياسية اعتبرت مجلس الأمن القومي، "صمام أمان" يحول دون وقوع الأجهزة الأمنية رهينة برامج سياسية.

وكان عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أحمد الشناق قال في حديث سابق لـ"عربي21" إنه "صحيح أن اقتراح مجلس الأمن القومي جاء من الحكومة وليس من مخرجات اللجنة الملكية، لكن علينا الاعتراف بأن الأردن بالجيوستراتيجا في المنطقة محاط ونعيش بمنطقة غير مستقرة على مستوى الأنظمة من انقلابات وتفتيت وصراعات".

 

وأضاف: "الأردن يتعامل مع دول شقيقة بغض النظر عن طبيعة الأنظمة، هنالك قوى لها موقف من النظام العراقي أو السوري، أو المصري، ودليل على ذلك انقسام أحزاب المعارضة على خلفية الموقف من الأنظمة العربية، لم نصل حتى الآن إلى مفهوم أحزاب الدولة، التعديل ضرورة، حتى تصبح الأحزاب، أحزاب دولة لإدارة شؤون الدولة، نحن بحاجة إلى مرحلة انتقالية".

هذا ونفذ ناشطون اليوم الخميس احتجاجا في ساحة العين بمدينة السلط، رفضا للتعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب، وعبر المحتجون عن رفضهم للتعديلات الدستورية برمتها.


من جانبه قال عضو مجلس الأعيان والوزير الأسبق محمد المومني، في تصريح لـ"عربي21" إن "مجلس الأمن القومي هو أحد تجليات الحياد المؤسسي الضروري في المرحلة القادمة التي عنوانها الحكومات الحزبية. الشؤون السيادية الأمنية والعسكرية والدبلوماسية يجب أن تكون فوق التجاذبات الحزبية المتوقع أن تتكثف في مرحلة الحكومات الحزبية والتنافس الانتخابي بينها".

وأضاف: "ليس تغولا على السلطة التنفيذية بالمطلق لأن كل السياسات والقرارات قد تخضع للمساءلة من قبل البرلمان الذي يمتلك ذلك من خلال محاسبة الحكومة".