تقارير

"برقة" قرية الألوان تواجه "حومش" وعنف المستوطنين

مشهد لبيوت قرية برقة قرب نابلس

ترفض قرية برقة قرب نابلس أن تغادر المشهد الوطني الفلسطيني، فهي تشهد منذ أيام هجمات متكررة من المستوطنين وجنود الاحتلال، وصلت إلى ذروتها أواخر الشهر الماضي عندما هاجم مئات المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال منازل القرية التي استغاثت مساجدها طالبة النجدة، ما أدى إلى مواجهات أسفرت عن إصابة عشرات الفلسطينيين بجروح مختلفة. ما قصة برقة المستهدفة من المستوطنين في كل لحظة؟


تعني برقة في اللغة العربية التراب المختلط بالحصى وذات الألوان المختلفة، وقد حافظت على هذا الاسم منذ العصور القديمة، وهي إحدى القرى الفلسطينية التي وجدت منذ العهد الروماني، ويوجد موقع قديم للقرية تم تدميره بفعل الزلزال الذي ضرب فلسطين في القرن الحادي عشر.

وقد ذكر ياقوت الحموي حوالي 100 مكان في الجزيرة العربية بهذا الاسم، وتعني هنا المكان الذي يحتوي على الحجارة الملونة، وفي فلسطين هناك أكثر من مكان بهذا الاسم، فهناك برقة نابلس، وبرقة رام الله، وبرقة غزة، بالإضافة إلى برقين غربي جنين. 

 



تقع برقة إلى الشمال الغربي من مدينة نابلس وتبعد عنها 17 كم، يصلها طريق محلي معبد يربطها بالطريق الرئيسي نابلس ـ جنين، وترتفع عن سطح البحر ما بين 450 و 500 م، وتبلغ مساحة القرية العمرانية 480 دونما، ومساحة أراضيها الكلية 18500 دونم، وتتبع إداريا لمحافظة نابلس.

وتحيط بالقرية أراضي القرى المجاورة مثل، ياصيد، بيت إمرين، سبسطية، بزاريا، رامين، سيلة الظهر، عطارة، وعصيرة الشمالية. 

ويبلغ عدد سكان القرية نحو 6000 نسمة، ويبلغ عدد سكانها في المهجر قرابة 30 ألف نسمة مشتتين بين الدول العربية والغربية وغالبيتهم في الأردن.

اشتهرت بموقعها الجغرافي المميز بخصوبة تربتها وتنوعها وكثرة ينابيع وآبار المياه، وتزرع البلدة الحبوب والخضر والزيتون واللوزيات والتين والعنب والتفاح، وتعتمد زراعتها على الأمطار والينابيع المنتشرة حولها، ويوجد فيها عدد من معاصر الزيتون ومصانع لمنتجات الألبان.

وتضم برقة مواقع أثرية كثيرة مثل حصن صليبي كان يقع على قمة سرطاسة التي تقع إلى الشمال الغربي من البلدة، وعلى قمة جبل آخر يوجد مبنى مقبب من عدة غرف يسمى القبيبات، وكان محاط بقبور تعود لشهداء قضوا في حروب تحرير فلسطين من الصليبيين في زمن صلاح الدين الذي زارها وعسكر على جبالها مقابل ذلك الحصن.

 


                            آليات الاحتلال تقتحم قرية برقة


ويوجد على جبلٍ آخر إلى الشرق محطة بريدية تعود في الأغلب إلى العهد الفاطمي وهي بناء من غرفة واحدة تسمى بايزيد.

ويوجد في برقة آثار لجبانة صليبية مكتوب عليها باللاتينية وقبور رومانية وبيزنطية. كما أن بعض مساكن أهل برقة تعد مباني أثرية وتراثية، أحدها هو قصر فارس المسعود  ومصنف كتراث وطني من قبل السلطة وهو مبنى يعود للقرن التاسع عشر ويتكون من ثلاث طوابق ويحتوي رسوم وديكورات قل مثيلها.

للبلدة مجلس قروي يشرف على إدارة شؤونها، ويدير مرافقها العامة، ويقدم الخدمات الضرورية للمواطنين كالكهرباء والماء وفتح الشوارع، وفي البلدة مسجد حديث وأربع مدارس للذكور وللإناث في مختلف المراحل التعليمية كما يوجد في البلدة عيادة صحية، وبعض الآثار كالمغاور ومزار القبيبات، ومزار ابي يزيد.

وأقيمت على أراضيها مستوطنتين واحدة على قمم الجبال الشمالية والثانية في سهل برقة، وقد تم إزالتهما بعد نضال متواصل برقة.

وتتعرض قرية برقة لاعتداءات متكررة من قبل المستوطنين بالضفة الغربية، والسبب في ذلك يعود إلى وجود بؤرة استيطانية تدعى "حومش"، أقيمت كمعسكر للجيش الإسرائيلي عام 1978، فوق جبل "الظهور والقبيبات" من أراضي برقة والقرى المجاورة، واحتلت أكثر من ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من الأرض، ثم ما لبثت أن توسعت لتسطو على نحو 4 آلاف دونم.

وكانت حكومة الاحتلال برئاسة آرييل شارون، قد قررت إخلاءها عام 2005، بعد 25 عاما على إقامتها، وذلك بالتزامن مع الانسحاب من قطاع غزة، ولكن سلطات الاحتلال التي هدمت مباني المستوطنة باستثناء خزان المياه الضخم فيها أبقت على أنقاض المستوطنة كمنطقة عسكرية مغلقة يحظر على الفلسطينيين أصحاب الأرض استغلالها.

ومنذ ذلك الحين، عمل العديد من المستوطنين للإقامة بمستوطنة "حومش"، بحماية من الجيش الإسرائيلي، مما أدى لمنع المزارعين الفلسطينيين من استصلاح أراضيهم في تلك المنطقة، أو الوصول لها، رغم انتزاعهم قرارا قضائيا عام 2013، باستعادة نحو 1200 دونم من أراضيهم الزراعية التي صادرها الاحتلال منهم في عام 1978 لإقامة مستوطنة "حومش" آنذاك.

وأدت استفزازات المستوطنين إلى مقتل مستوطن إسرائيلي وأصيب آخران، وجميعهم من أتباع المدرسة الدينية المقامة على أنقاض مستوطنة "حومش"، ليتم بعد ذلك مطاردة المنفذين الفلسطينيين واعتقالهم من قبل جيش الاحتلال.

 

  مسيرة لمستوطنين إسرائيليين صوب برقة المقام على أجزاء منها مستوطنة حومش

ومنذ ذلك الحين، شن المستوطنون سلسلة هجمات على قرية برقة وما حولها من قرى أخرى، استخدموا في الأسلحة النارية، الأمر الذي أدى لوقوع العديد من الإصابات والخسائر في الممتلكات.

وصل الأمر بقيام المستوطنين بالاعتداء حتى على القبور الإسلامية وتحطيم شواهدها، فيما تعرضت عشرات المنازل لأضرار بالغة، فيما وصف فلسطينيون ما يحدث للقرية بأنه "نكبة جديدة"، في إشارة إلى هجمات العصابات الصهيونية المسلحة عام 1948 على القرى الفلسطينية وتهجير أهلها منها.
 
وطوال أكثر من 40 عاما لم يتوقف نضال أهالي برقة ضد "حومش" وجيش الاحتلال، وقدمت القرية 6 شهداء طوال انتفاضة الأقصى ومئات الأسرى والجرحى، وواصلت نفَسها المقاوم حين دحرت آلاف المستوطنين ومنعت مسيرتهم، حيث ألغى جيش الاحتلال مسيرة المستوطنين بعد تصاعد المواجهات واستبسال الأهالي بتحدي المستوطنين وصد عدوانهم.

المراجع

ـ خير الدين الجابري، عربي بوست، مساجدها تستغيث لحمايتها.. ما قصة قرية بُرقة الفلسطينية ولماذا يهاجمها المستوطنون الإسرائيليون؟ ، 24/12/2021.
ـ عاطف دغلس، بمقاومتها وردعها للمستوطنين.. هل تخط قرية برقة طريق "الانتفاضة الشعبية" القادمة في الضفة الغربية؟، الجزيرة نت، 27/12/2021.
ـ موقع مدينة نابلس، قرى نابلس، قرية برقة.
ـ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، السلطة الوطنية الفلسطينية محافظة نابلس، 1999.
ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين (ج1 ق2)، 1966، (ج2 ق2) 1970.