سياسة دولية

هل تؤثر سياسات فرنسا تجاه المغرب العربي على انتخاباتها؟

تؤثر ملفات الهجرة والسياسات الخارجية لفرنسا ومعاملاتها مع دول المغرب العربي على انتخاباتها الرئاسية - جيتي

تعيش باريس على وقع الاستعداد لتنظيم الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمع إجراؤها خلال شهر نيسان/ أبريل القادم، فيما أعلن أكثر من أربعين شخصية سياسية فرنسية نيتهم الترشح لهذه الانتخابات، من بينهم الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.


تدور الحملة الانتخابية حول جملة من الأولويات التي تهم الشعب الفرنسي حسب استطلاع تم في الموضوع، ومن بين هذه الأولويات نذكر الوضع الصحي وجائحة كورونا بالإضافة إلى غلاء الأسعار والبطالة والتغطية الاجتماعية.


كما يهتم الناخب الفرنسي، بحسب نفس الاستطلاع، بملف السياسات الخارجية لفرنسا وعلاقاتها الدولية، بالإضافة إلى سياستها تجاه المهاجرين، ولعل سياساتها تجاه مهاجري المغرب العربي ودولهم من أهمها.


وتحتل الجزائر أعلى نسبة ولادات للمهاجرين بنسبة 12.7 بالمئة وفقا لأرقام المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية ليأتي المغرب في المرتبة الثانية بـ 12 بالمئة، فيما تحتل تونس المرتبة الرابعة بنسبة 4.5 بالمئة.


وتعتبر دول المغرب العربي من أكثر العوامل الخارجية تأثرا وتأثيرا في الحياة السياسية الفرنسية، نظرا للعلاقات التاريخية والاقتصادية بين الطرفين.


هذا ما أكده أستاذ التاريخ من أصول تونسية في فرنسا عادل المحرزي في تصريح لــ"عربي21" قائلا: "تتأثر الحياة السياسية الفرنسية كثيرا بما يحدث في دول المغرب العربي، نظرا للعلاقات المهمة التي تجمع الطرفين تاريخيا باعتبار جلها من المستعمرات القديمة لفرنسا، واقتصاديا نظرا لحجم التبادلات التجارية بينها وحجم الاستثمارات الفرنسية في دول المغرب العربي".


ملف الهجرة 


ويحوز ملف الهجرة مكانة هامة ضمن الملفات المطروحة للنقاش خلال الحملات الانتخابية الفرنسية، حيث يحتل المرتبة الرابعة في أولويات الفرنسيين لانتخابات 2022 بنسبة 29 بالمئة حسب دراسة أجرتها شركة "إيبسوس-سوبرا ستيريا" المختصة في سبر الآراء. 


وفي هذا السياق، ذهب ماكرون في اتباع إجراءات أكثر تشددا في علاقة بملف الهجرة مقارنة بوعوده الانتخابية المرنة، قبل توليه الرئاسة، في هذا الموضوع، وقد كان لذلك تأثير على دول المغرب العربي، حيث قررت فرنسا تخفيض نسبة منح التأشيرات بنسبة 50 بالمئة لكل من المغرب والجزائر و30 بالمئة بالنسبة لتونس.  

 

اقرأ أيضا: لوموند: علاقة ماكرون مع ابن زايد استنزفت فرنسا بدول المغرب

ومكنت هذه السياسات الرئيس الفرنسي بأن يحتل المرتبة الثالثة بعد مرشحي اليمين واليمين المتطرف مارين لوبان وإريك زمور في علاقة بنسبة الثقة حول مدى المصداقية في تناول ملف الهجرة حسب الدراسة نفسها.


وفي الاتجاه نفسه، قال عادل المحرزي لــ"عربي21": "يبقى ملف الهجرة ملفا مهما في الحملة الانتخابية الفرنسية خاصة في ظل تصاعد حملة العنصرية في مستوى الخطاب السياسي الفرنسي، وتركيز وسائل الإعلام الفرنسية عليه بصفة غير مسبوقة كنقطة مهمة للتنافس بين مختلف المترشحين". 


وأضاف: "يتجاوز عدد المهاجرين في فرنسا 7 ملايين مهاجر، ويعتبر هذا الرقم مهما من حيث تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعل الملف ذا أولوية، بين شق يعتبره عاملا مهما لخلق الثروة والتنمية على غرار الاشتراكيين، وشق آخر يعتبره عبئا اجتماعيا على حساب رفاهية الفرنسيين، ونتحدث هنا أساسا عن اليمين واليمين المتطرف".


الملف الليبي 


كما يعد الملف الليبي من أهم الملفات المتعلقة بسياسة فرنسا الخارجية تجاه دول المغرب العربي، حيث كان لفرنسا دور مهم منذ قيام الثورة الليبية، كانت له انعكاسات على علاقاتها الدبلوماسية مع بعض الدول الأخرى.

 

هذا ما أكده الدبلوماسي السابق والباحث المختص في الشؤون الليبية بشير الجويني لــ"عربي21" قائلا: "من المؤكد أن يكون ملف السياسات الخارجية للرئيس ماكرون في ليبيا في الفترة السابقة ودعمه لخليفة حفتر من النقاط التي يحتج عليه بها معارضوه، خاصة أنها تسببت في عديد المشاكل الدبلوماسية لبلده على غرار مشاكله مع تركيا والجزائر".


وأضاف: "نظرا لأهمية الملف الليبي في المنطقة وارتباطه بموضوع هام وهو غاز الشرق المتوسط، فمن المنتظر أن تتضمن البرامج الانتخابية لبعض المترشحين في الجانب الدبلوماسي وعلاقات فرنسا الخارجية رؤيتهم السبل المثلى لإدارة سياسات فرنسا مع ليبيا، وطبعا ستكون لذلك انعكاسات على عدد، قد لا يكون كبيرا، من الناخبين الفرنسيين المهتمين بسياسات بلادهم الخارجية".

وضع تونس


وأعلنت فرنسا في أكثر من مناسبة دعمها قرارات رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو 2021 وما تبعها من إجراءات تصفها المعارضة بالانقلاب. 


وقد نتج عن انقلاب سعيّد جملة من انتهاكات لحقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير ما جلب له وداعميه في الداخل والخارج جملة من الانتقادات. 


ويذكر أن من مبادئ الدبلوماسية الخارجية الفرنسية "أن تحرص الدبلوماسية الفرنسية على مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان أينما ارتكبت، وذلك من خلال عملها في المحافل المتعددة الأطراف، وفي إطار علاقاتها الثنائية".


ويذكر أن وزارة الخارجية الفرنسية قد أدانت القمع الأمني الذي تعرض له الصحفيون في مسيرة 14 كانون الثاني/ يناير في العاصمة التونسية.


ويقول في هذا الصدد الباحث في العلوم السياسية أيمن البوغانمي في تصريح لـ"عربي21": "طبعا الانتخابات الفرنسية شأن فرنسي بالأساس، ولكن السياق الدولي ومواقف الرئيس إيمانويل ماكرون قد يأخذها الفرنسيون بعين الاعتبار خاصة تلك المواقف التي تتعارض مع القيم الفرنسية ومبادئ الديمقراطية المتجذرة في المجتمع الفرنسي".

 

اقرأ أيضا: أتلانتك: صحافة فرنسا تكرر الخطأ بمنحها الأهمية للمتطرف "زمور"

وأكد البوغانمي أن "احتجاجات معارضي ماكرون عليه بخصوص دعم فرنسا لسعيّد لن تؤثر بالضرورة على نتائج الانتخابات، ولكن ستجعله أكثر حذرا من حيث شكل هذا الدعم ومضمونه ويتجه للإعلان عن دعم الانتقال الديمقراطي ورفض شبهة دعم الدكتاتورية".


وفي السياق ذاته، قال الجامعي والناشط السياسي في فرنسا وهبي جمعة في تصريح لـ"عربي21": "أظن أن موقف فرنسا من إجراءات ما بعد 25 تموز/ يوليو يتسم بالبراغماتية والحذر وهو تقريبا موقف الاتحاد الأوروبي، الذي يؤكد على دعم تونس في مواجهتها للأزمة الوبائية والمصاعب الاجتماعية والاقتصادية ويؤكد في نفس الوقت على ضرورة احترام مبادئ حقوق الإنسان واستعادة الاستقرار والتوازن المؤسساتي في ظل الاحترام التام لسيادة الدولة التونسية".


الجالية الجزائرية


تعد الجالية الجزائرية من أهم الجاليات الأجنبية في فرنسا حيث يتجاوز عدد الجزائريين المعنيين بالتصويت في الانتخابات الفرنسية أكثر من مليوني صوت، ولذلك يقرأ الشارع السياسي الفرنسي حسابا مهما لهذه الكتلة الانتخابية. 


وأوضح المحلل السياسي الجزائري محمد وعراب لـ"عربي21" أنه "ستكون الجزائر حاضرة في حملات المرشحين لرئاسة فرنسا عبر تشجيع الناخبين ذوي الأصول الجزائرية على المشاركة في الاقتراع وكسب أصواتهم". 


وأضاف المحلل السياسي الجزائري، أن "أكثر من مليوني صوت جزائري رقم مهم كأصوات انتخابية، وسيكون لتقييم سياسة ماكرون الخارجية تجاه الجزائر في الفترة السابقة وخطاب بقية المرشحين تأثير على آراء هؤلاء الناخبين". 


ويذكر أنه خلال سنة 2021 حصلت أزمة سياسية بين فرنسا والجزائر على خلفية تصريحات مسيئة من قبل الرئيس الفرنسي للأمة الجزائرية انتهت بسحب الجزائر سفيرها بباريس وإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية في مفتتح شهر تشرين الأول/ أكتوبر قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 6 كانون الثاني/ يناير 2022.


يبدو من خلال ما تقدم، أنه رغم أهمية الكتلة المغاربية في فرنسا تبقى المسائل الداخلية الفرنسية والاهتمامات الاجتماعية للمواطن الفرنسي أهم العوامل الموجهة في اختيار المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية.

 

اقرأ أيضا: ماكرون يتصدر الاستطلاعات مع قرب انتخابات الرئاسة الفرنسية

وهو ما أكده وهبي جمعة لـ "عربي21" حيث قال: "لن يكون للسياسات الخارجية تأثير ولو ضئيل على مسار هذه الانتخابات. فبالرغم من اهتمام الفرنسيين بمحور العلاقات الخارجية خاصة مع الدول الأوروبية والدول العظمى، فإن الحملة الانتخابية تقتصر بشكل شبه حصري على المواضيع والخيارات الداخلية وفي ما عدا علاقة فرنسا بالاتحاد الأوروبي لا يوجد تأثير للعلاقات الخارجية على نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما تجدر الإشارة إلى أن محور العلاقات الخارجية ليس المحور الأكثر تحديدا لتصويت الجالية المغاربية في فرنسا".


وفي المقابل سيكون ملف الهجرة والمهاجرين من أهم الملفات التي ستحظى باهتمام الناخب الفرنسي خلال الانتخابات الرئاسية القادمة.


وفي هذا الصدد، أكد الأستاذ بالجامعة الفرنسية وهبي جمعة أنه "مع بداية الفترة الانتخابية تعود قضية الهجرة إلى الواجهة وتحتل مع قضية المسلمين مكانة متزايدة في الفضاء الإعلامي والنقاش السياسي الفرنسي إلى أن أصبحت علامات لتحديد التوجه السياسي للمرشحين بين يسار، يمين ويمين متطرف. ويمكن الملاحظة على سبيل المثال أن المرشحين اليمينيين واليمين المتطرف اختاروا جعل الهجرة بمثابة الشاغل الرئيسي لإطلاق حملاتهم الانتخابية بعيدًا نوعا ما عن واقع الرأي العام الذي يعتبر المقدرة الشرائية والصحة من أولوياته القصوى".

 

واستدرك: "هذا لا يعني أن قضية الهجرة ليست حاضرة في ذهن الناخب الفرنسي، لكنها غالبا ما تمزج بين العديد من المفاهيم المختلفة والمثيرة للقلق وتبني ارتباطات وطرقا مختصرة بين الهجرة والبطالة، بين الإسلام والإرهاب مما يخلق الكثير من الارتباك في المجتمع إذ تتحول الحرب ضد التنظيمات الجهادية إلى حرب ضد الجار المهاجر أو سليل المهاجر".