مقابلات

حقوقي: "اقتصاد ما بعد الكربون" سيقلص سلطة طغاة العرب

الحقوقي أندرو أندرسون

قال المدير التنفيذي لمؤسسة "فرونت لاين ديفندرز" الدولية، أندرو أندرسون، إن "استراتيجية الطغاة الفاسدين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في القمع الوحشي للمدافعين عن حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام المستقلة، لا تتوافق مع الانتقال إلى "اقتصاد ما بعد الكربون"، ولذلك سيواجهون تحديات متزايدة في الوقت الذي تتضاءل فيه أهميتهم الاستراتيجية لدى الدول الغربية".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "بعض طغاة الشرق الأوسط يعتقدون أن العدوان الروسي على أوكرانيا يتيح أمامهم الفرص بسبب التهافت على مصادر أخرى للنفط والغاز. لكن من المرجح أن يكون تأثير ذلك على المدى المتوسط تحركا أسرع باتجاه اقتصاد ما بعد الكربون، وهذا يعني تقويض سلطة الطغاة الفاسدين".

وتسعى العديد من دول العالم إلى القيام بإزالة انبعاثات الكربون تماما، مع استخدام الطاقات المتجددة التي لا تنتج أي كمية من ثاني أكسيد الكربون، بما يفضي للانتقال إلى ما يُعرف بـ "اقتصاد ما بعد الكربون".

وتطالب الأمم المتحدة حكومات العالم والقطاع الخاص بالعمل على تقليص انبعاث غازات الاحتباس الحراري بـ45 في المئة بحلول 2030، والوصول إلى تصفير الكربون بحلول 2050.

وحول موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن من أوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، تابع أندرسون: "أثار بايدن والإدارة الديمقراطية بعض الضجة الإيجابية بخصوص حقوق الإنسان والديمقراطية بيد أنهم غالبا سوف يستمرون في مناقضة أفعالهم بالنظر إلى المصالح العسكرية والاستراتيجية الأخرى في المنطقة".

لكن المدير التنفيذي لمؤسسة "فرونت لاين ديفندرز" يرى أن "إدارة بايدن لن تكون داعمة بشكل علني للطغاة مثل أسلوب ترامب المخزي، وهو ما يحمل بعض الآثار الإيجابية، وسيكون هناك تدقيق متزايد في سجلات حقوق الإنسان لحكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

ما هو التأثير الحالي لجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على وضعية حقوق الإنسان للناشطين الحقوقيين في الشرق الأوسط؟

يعتقد بعض الطغاة الفاسدين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن العدوان الروسي على أوكرانيا يتيح أمامهم الفرص بسبب التهافت على مصادر أخرى للنفط والغاز. لكن من المرجح أن يكون تأثير ذلك على المدى المتوسط تحركا أسرع باتجاه اقتصاد ما بعد الكربون، وهذا يعني تقويض سلطة الطغاة الفاسدين.

لا تتوافق استراتيجيتهم في القمع الوحشي للمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام المستقلة مع الانتقال إلى اقتصاد ما بعد الكربون، وسيواجهون تحديات متزايدة في الوقت الذي تتضاءل فيه أهميتهم الاستراتيجية لدى الدول الغربية.

ولقد فشلت حكومة البحرين في استعادة سمعتها كدولة آمنة للأعمال التجارية، ولا يزال اعتقالها للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يحظون باحترام دولي مثل عبد الهادي الخواجة يشكل عائقا أمام تطورها. ولا تزال محاولات السعودية اليائسة في إنفاق الأموال على الغسيل الرياضي تعكس ضعفها وليست علامة قوة.

قال محمد الركن، وهو ناشط حقوقي إماراتي مسجون: "أنا متفائل بطبيعتي. أتصور أن المستقبل مبني على فكرة حقوق الإنسان وثقافتها. والشخص الذي لا يشعر بأنه يعيش في مجتمع حر يعطيه الانطباع  بالمساواة مع الآخرين سوف يشعر أن إنسانيته غير كاملة". وفي المواجهة بين النهر والصخرة، فإن النهر يفوز دائما، ليس بسبب قوته بل لمثابرته. وكذلك الأمر بالنسبة للناشطين في مجال حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي؛ فهم ليسوا أقوياء وإنما مثابرون.

ما هو تقييمكم لموقف الرئيس الأمريكي جو بايدن من أوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط مقارنةً بموقف الرئيس السابق دونالد ترامب؟

أثار الرئيس بايدن والإدارة الديمقراطية بعض الضجة الإيجابية بخصوص حقوق الإنسان والديمقراطية بيد أنهم غالبا سوف يستمرون في مناقضة أفعالهم بالنظر إلى المصالح العسكرية والاستراتيجية الأخرى في المنطقة. ومع ذلك، لن يكونوا داعمين بشكل علني للطغاة مثل أسلوب ترامب المخزي، وهو ما يحمل بعض الآثار الإيجابية، وسيكون هناك تدقيق متزايد في سجلات حقوق الإنسان لحكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لكن سيظل المواطنون في المنطقة بحاجة إلى بذل جهود خاصة للتقدم في مجال حقوق الإنسان. وبطرق عديدة، اتخذت الحكومات القمعية القوية تدابير ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك برامج التجسس الإسرائيلية، مما يعكس مدى خوفهم من الأشخاص الذين يضطلعون بالدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الفساد.

كيف ترى مستقبل حقوق الإنسان في الإمارات بعد تولي محمد بن زايد رسميا رئاسة البلاد؟ هل سيعمل على تحسين وضع المدافعين عن حقوق الإنسان؟

أصبح محمد بن زايد الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، منذ أن أصيب الشيخ خليفة بجلطة دماغية سنة 2014، لذلك لا يوجد أساس يُعتد به لتوقع حدوث تغييرات حتى عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان. قد يلجأ إلى بعض التدابير الملائمة لإعطاء صورة إيجابية عن نفسه، ولكن بشكل عام، من غير المتوقع حدوث تغييرات كبيرة على أرض الواقع.

إنّ المدافعين عن حقوق الإنسان في دولة الإمارات، مثل أحمد منصور، إما محرومون من حريتهم ويمضون أحكام سجن طويلة في ظروف اعتقال مزرية، أو مجبرون على التزام الصمت بسبب مخاوف كبيرة وحقيقية على حياتهم وحريتهم.

وقد كشفت معلومات مسربة عن استهداف إماراتي مستمر لمدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين ينشرون تحقيقات عن الفساد، منهم آلاء الصديق التي توفيت سنة 2020 في حادث مروري في المنفى في لندن، إضافة لعشرات الصحفيين والأكاديميين الإماراتيين والعرب والغربيين.

ماذا عن رؤيتكم لوضع حقوق الإنسان بالنسبة لناشطي حقوق الإنسان في مصر بعد دعوة الرئيس السيسي للحوار؟

تعكس دعوة الرئيس السيسي للحوار في الغالب فهما مفاده أن تكرار السياسة ذاتها لا يجدي نفعا فيما يتعلق باستقرار مصر وتقدمها الاقتصادي. وأي احتمال تغيير هادف يتطلب قطعا اتخاذ خطوات جادة لإنهاء التدابير القمعية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان السلميين.

بينما لا يزال استخدام قوانين مكافحة الإرهاب ضد المدافعين عن حقوق الإنسان يمثل الاتجاه السائد في مصر. وقد بدأت محاكمة المحامي والحقوقي عزت غنيم بتهم متعلقة بالإرهاب في شهر آب/ أغسطس 2018 بعد أن تم إخفاؤه قسرا واحتجازه في الحبس الاحتياطي لما يقارب خمسة أشهر. وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، رفضت محكمة النقض بالقاهرة استئنافا مُقدّما من قِبل محامي محمد الباقر للطعن في القرار السابق الصادر عن محكمة جنايات القاهرة بإدراج المدافعين عن حقوق الإنسان على "قائمة الإرهاب". كما يُمنع المدافعون عن حقوق الإنسان في مصر المُدرجون في قائمة الإرهاب من السفر، إضافة إلى تجميد ممتلكاتهم، ومنعهم من مزاولة العمل الحقوقي.

 

اقرأ أيضا: الحقوقية آية حجازي: "إسرائيل" أحد أسباب دعم الغرب للسيسي

ما أهمية الضغط الحقوقي الذي يتمثل في الحملات والنداءات العاجلة والمناصرة بالنسبة لأوضاع حقوق الإنسان بمصر؟

يواصل المدافعون عن حقوق الإنسان داخل مصر العمل، ولا يزال توثيق المعلومات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان رغم تضييق الحكومة مستمرا. وتشير سلسلة الإفراجات عن عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان رفيعي المستوى في مصر سنة 2021 إلى أهمية الضغط من جانب المجتمع الدولي والمناصرة وتنظيم الحملات المشتركة من قِبل المدافعين عن حقوق الإنسان داخل البلاد وفي الشتات على حد سواء لتسليط الضوء على المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين والمعتقلين، ولمواصلة الضغط على الأنظمة الاستبدادية.

بين شهري نيسان/ أبريل وتموز/ يوليو في العام الماضي، تم الإفراج عن بعض المدافعات عن حقوق الإنسان مثل ماهينور المصري، وإسراء عبد الفتاح، وسلافة مجدي، بعد أن أمضت كل منهن حوالي سنتين في الحبس الاحتياطي.

وخلال شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر 2021، قرر قاضي التحقيق المفوّض من قِبل محكمة استئناف القاهرة للنظر في القضية عدد 173 لسنة 2011 (المعروفة إعلاميا بقضية التمويل الأجنبي) إسقاط الدعوى ضد المدافعين عن حقوق الإنسان عزة سليمان، ونجاد البرعي، ومجدي عبد الحميد، وحسام الدين علي، وكذلك ضد منظماتهم الحقوقية غير الحكومية.

وبالمثل، فقد أُغلقت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي القضية المرفوعة ضد الحقوقية مزن حسن ومنظمة نظرة للدراسات النسوية. وقد أكد هذا القرار تبرئة المدافعين عن حقوق الإنسان من جميع التهم الموجهة إليهم. ومع ذلك، لا تزال بعض مجموعات حقوق الإنسان الرئيسية الأخرى تُحاكم في القضية عدد 173 مثل: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ولا يزال العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان المصريين في السجن.

برأيك هل ستنعكس المصالحات الجارية في المنطقة بين مصر وتركيا والإمارات وقطر والسعودية سلبا أو إيجابا على أوضاع حقوق الإنسان في الشرق الأوسط؟

لدى البلدان المذكورة سجلات سيئة في مجال حقوق الإنسان، لذلك من الصعب أن نرى كيف يمكن أن تؤثر المصالحة بينها بشكل إيجابي على حالة حقوق الإنسان. وتوجد حجة تفيد بأن جهود المصالحة تعكس ضعف العديد من الأنظمة التي أوهنها الفساد المفرط بشكل خطير. ولا تزال القوة المستمرة لحركات حقوق الإنسان في مصر وتركيا، إلى جانب شجاعة المدافعات عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، تمنح أملا إيجابيا للمستقبل.