قضايا وآراء

قوة "سيبريا 2" في مواجهة العقوبات الأوروبية

1300x600

التصعيد الأمريكي الأوروبي لم يقتصر على روسيا التي أعلن اليوم الخميس الموافق 21 تموز/ يوليو إنفاذ الوجبة السابعة والتي يقف على رأسها حظر استيراد الذهب الروسي؛ فالصين تتعرض لعمليات استفزاز متكررة ومماثلة لما تتعرض له روسيا من قبل الولايات المتحدة لم تقتصر على الدوريات البحرية التي تقوم بها البوارج الأمريكية في مضيق تايوان وزيارات المسؤولين الأمريكان للجزيرة.

ففي سابقة جديدة لا مثيل لها منذ 25 سنة كشفت صحيفة فاينانشال تايمز عن زيارة مرتقبة لرئيسة الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس نانسي بيلوسي إلى تايوان في آب/ أغسطس المقبل؛ لترد صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية بتحذير غير مسبوق يتضمن ردا صينيا قد يكون عسكريا واستراتيجيا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي بيلوسي إلى تايوان، التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها.

لم يقتصر الأمر على الصحيفة الصينية فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، صرح يوم أول أمس الثلاثاء، بأن بلاده ستطالب واشنطن بإلغاء زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، لأنها تنتهك مبدأ "الصين الواحدة"؛ وأشار إلى أن الصين ستتخذ الإجراءات الحاسمة لحماية سيادتها ووحدة أراضيها.

الرد الصيني الذي تصدره وزير الخارجية الصيني وانغ يي بالقول إنه "استفزاز خبيث ضد سيادة الصين" لم يختلف كثيرا عن رد مماثل لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على إعلان واشنطن إرسال شحنات جديدة من العتاد العسكري تتضمن منظومة صواريخ (هيمارس) إلى أوكرانيا بالقول إن روسيا ستوسع عملياتها في أوكرانيا؛ وإن الأمر لن يقتصر على إقليم الدونباس ولوغانسك، معلنا بذلك تغييرا جوهريا في أهداف العملية الروسية، رافعا بذلك من سقف المطالب الروسية في أي مفاوضات مقترحة مستقبلا. 

 

النظام الدولي يتغير ومن الصعب العودة إلى ما قبل 24 شباط / فبراير الفائت؛ فالصين وروسيا وكثير من القوى الدولية الصاعدة والإقليمية الطامحة لن تعود إلى النظم المالية والهياكل الاقتصادية التي تضعف مناعتها وقدرتها على المقاومة والنمو؛

 



الرد على لافروف لم يتأخر فيما يشبه الحلقة اللانهائية من ردود الفعل وذلك على لسان رئيس هيئة الأركان الأمريكي مارك ميلي ووزير الدفاع ديفيد أوستن في مؤتمر صحفي مشترك في البنتاغون مساء أمس الأربعاء؛ بتأكيدهما إرسال الشحنات وتحدي الإرادة الروسية معلنا أن الهدف الأساس لأمريكا هو استنزاف روسيا عسكريا.

من الواضح أن التصعيد الأمريكي على الجبهتين الروسية والصينية يدفع نحو مزيد من التصعيد ويفتح الباب لصراع طويل وممتد في مضيق تايون وأوكرانيا غير أنه في الآن ذاته يدفع لمزيد من التعاون والتقارب بين موسكو وبكين على عكس الرغبة والأهداف الأمريكية والأوروبية المعلنة؛ أمر طالما حذر منه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر مرارا وتكرارا خلال الأشهر والأسابيع القليلة الماضية.

كيسنجر وبوريل

كيسنجر البالغ من العمر 99 عامًا وخلال لقاء مع وكالة بلومبيرغ يوم أول أمس الثلاثاء قال: "إن الجغرافيا السياسية تتطلب اليوم "مرونة نيكسون" للمساعدة في نزع فتيل النزاعات بين الولايات المتحدة والصين وكذلك بين روسيا وبقية أوروبا، وينبغي على بايدن أن يكون حذرًا من السماح للسياسات المحلية بالتدخل في أهمية فهم ديمومة الصين" وهو ما نقلته صحيفة غوبال الصينية الناطقة بالانجليزية يوم أمس واحتفت به.

تبدو الاستعدادات الأوروبية الأمريكية لمحاصرة الصين واستنزاف روسيا عملية منظمة ومدروسة؛ إلا أن الارتباك الواضح الناجم عن تحذيرات من انكماش اقتصادي كبير في دول شرق أوروبا وإيطاليا يصل 5% حال أوقفت روسيا شحنات الغاز إلى القارة نتيجة القوة القاهرة المعيقة لنقل الغاز عبر (أنبوب نورد ستريم 1)؛ وتحذيرات مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (جوزيب بوريل) التي تؤكد أهمية توقيع اتفاق شحن الحبوب من أوكرانيا وروسيا بالاتفاق مع تركيا؛ يشير إلى عكس ذلك.

 

العالم تغير إلى غير رجعة ولكن المقلق هو الصدام اللانهائي الذي علق عليه كيسنجر لقناة بلومبرج بالقول إن (منع الهيمنة الصينية أو أي دولة أخرى، ليس شيئًا يمكن تحقيقه من خلال المواجهات التي لا نهاية لها).

 



أمريكا وضعت أوروبا في موقف حرج لتدفع الثمن؛ والأهم أن الاستعدادات لحرب طويلة تجري على قدم وساق في كل من الصين وروسيا المستقرة سياسيا في حين يسود القلق أوروبا من عودة الترامبية إلى أمريكا واستدارة أمريكية جديدة تفقد القارة توازنها؛ لتتركها وحيدة في الصراع مع روسيا بدون غاز أو تجارة أو حليف يعتمد عليه.

"نورد ستريم 1" و"قوة سيبيريا 2"

فاقم هذه الرؤية المتشائمة استعدادات روسية صينية لحرب وصراع طويل؛ فبعد أن بدأ العمل بأول خط أنابيب للغاز بين روسيا والصين، والمعروف باسم قوة سيبيريا1، عملياته في كانون الأول (ديسمبر) 2019 والبالغ طوله 3000 كيلومتر ناقلا الغاز من حقل كوفيكتا في سيبيريا الروسية إلى بكين عبر محافظة  (Heihe) في شمال شرق الصين وبقدرة تشغيلية قصوى تبلغ 38 مليار متر مكعب من الغاز ما يقارب صادرات روسيا إلى ألمانيا عبر نورد ستريم 1 المقدرة بـ 35 مليار متر مكعب؛ أعلن عن مشروع قوة سيبيريا 2 الذي وقع عليه مع الصين يوم أول أمس ليمر عبر منغوليا من حوقل غرب سيبيريا المغذية للإنارة الأوروبية وبطول يقارب الـ 2000 كم لنقل 50 مليار متر مكعب على أن يبدأ العمل فيه العام 2030.

روسيا التي أوجدت بديلا للشريك الألماني برفع الطاقة الفعلية لأنبوب قوة سيبيريا 1 بنسبة 63.4٪ في الأشهر الستة الأولى من هذا العام يتوقع أن تعزز مكانتها في السوق الصينية على حساب الأوروبية لأمد طويل يتناسب مع حرب استنزاف وصراع ممتد لا نهاية له .

ختاما.. المواجهة بين القوى الدولية يبدو أنه لا نهاية لها؛ فالنظام الدولي يتغير ومن الصعب العودة إلى ما قبل 24 شباط/ فبراير الفائت؛ فالصين وروسيا وكثير من القوى الدولية الصاعدة والإقليمية الطامحة لن تعود إلى النظم المالية والهياكل الاقتصادية التي تضعف مناعتها وقدرتها على المقاومة والنمو؛ فالعالم تغير إلى غير رجعة ولكن المقلق هو الصدام اللانهائي الذي علق عليه كيسنجر لقناة بلومبرج بالقول إن "منع الهيمنة الصينية أو هيمنة أي دولة أخرى، ليس شيئًا يمكن تحقيقه من خلال المواجهات التي لا نهاية لها".

hazem ayyad
@hma36